منذ شهر، دخل التواصل بين صنعاء والرياض مرحلة غير مسبوقة. قنوات اتصال مباشرة لم تَحتَج هذه المرة إلى وسيط عربي بين الجانبين. وعلى الرغم من تطور مفاوضات الأسابيع الماضية بما يظهّر رغبة سعودية في التحول نحو تهدئة جدّية طويلة الأمد، فإن عقبات لا تزال تحول دون التوصل إلى اتفاق، وفق مصدر دبلوماسي مطّلع يروي لـ«الأخبار» تفاصيل اللقاءات بين الطرفين، وأهمّها رغبة صنعاء في وقف شامل للحرب لا وقف لإطلاق النار فحسب، فيما يروّج الجانب السعودي لرغبته في جعل الهدنة الطويلة والشاملة مرحلة انتقالية لوقف الحرب.علمت «الأخبار» من مصدر دبلوماسي عربي أن الاتصالات الجارية في شأن الملف اليمني لا تزال متوقفة عند رفض السعودية فكّ الحصار عن كامل المرافق اليمنية مقابل التهدئة. وقال المصدر إن حركة «أنصار الله» أبدت استعدادها لتنفيذ هدنة واسعة، لكن محددة بسقف زمني، تمهيداً لوقف كامل العدوان، وهو ما ترفضه السعودية. وأضاف المصدر إن اختراقاً في الاتصالات بدأ قبل نحو شهر، من خلال وساطة عُمانية، ليحصل أول لقاء سعودي مع «أنصار الله» في العاصمة الأردنية عمّان، حيث تم تأمين انتقال مساعد وزير الخارجية في حكومة صنعاء، حسين العزي، إلى الأردن جواً عبر مسقط، التي وصلها على متن سفينة تابعة للأمم المتحدة. والتقى هناك موفداً سعودياً من قِبَل وزير الدفاع خالد بن سلمان، الذي أبلغه استعداد الرياض للدخول في مفاوضات مباشرة مع «أنصار الله» لأجل الوصول إلى هدنة واسعة وطويلة.
بعد عودة المسؤول اليمني إلى صنعاء، جرى التواصل عبر الهاتف مع المسؤول السعودي عن الملف اليمني، سفير المملكة لدى اليمن محمد آل جابر، الذي أجرى اتصالات هاتفية بمسؤولين بارزين في «أنصار الله» يعرفهم من قبل، وطلب توسيع مستوى التواصل ورفعه، مبدياً الاستعداد للقدوم إلى صنعاء إذا لزم الأمر. وبعدها بوقت، قام وفد من «اللجنة العليا» السعودية، يضمّ ممثلاً شخصياً عن خالد بن سلمان، بزيارةٍ سرّية للعاصمة اليمنية، والتقى هناك مسؤولين بارزين في «أنصار الله». وطلب الموفد السعودي السماح له بالاتصال بزعيم «أنصار الله» عبد الملك الحوثي. وهو عرض مشروعاً لاتفاق على هدنة طويلة، تستمرّ لسنة على الأقل، تشمل وقفاً تاماً لجميع العمليات العسكرية، وفكّ الحصار عن ميناء الحديدة والسماح بوصول جميع الناقلات التي تحمل النفط والمواد الغذائية، شرط أن تكون تحت رقابة الأمم المتحدة، وأن يصار إلى رفع جزئي للحصار عن مطار صنعاء، بحيث تقتصر حركته على نقل الجرحى والمرضى وبعض الوفود السياسية والدبلوماسية.
وبعد زيارة الوفد السعودي لصنعاء، توجّه وفد من «أنصار الله»، تحفّظ المصدر عن ذكر أسماء أعضائه، إلى الرياض، وعقد اجتماعاً هناك مع المسؤولين المعنيين. وتردّد أن الوفد التقى خالد بن سلمان الذي أكد على الآتي:
أولاً: رغبة السعودية في مرحلة انتقالية تمهّد لوقف الحرب، تكون على شكل هدنة طويلة تمتدّ لسنة على الأقلّ، وتشمل تقديم المساعدات لمواجهة الأزمات الإنسانية في اليمن، وحتى المساعدة على حوار سياسي مع بقية الأطراف اليمنية.
ثانياً: الحديث عن إمكانية تعزيز «الاتصال العربي» مع «أنصار الله» ودفعها إلى تحديد حجم التعاون مع إيران.
ويقول المصدر إن عدم التوصّل إلى اتفاق حتى الآن سببه إصرار السعودية على مهلة مفتوحة للهدنة وعلى عدم الموافقة على رفع الحصار عن مطار صنعاء، بينما ترفض «أنصار الله» فكرة الهدنة المفتوحة وتصرّ على تحديد مهلة زمنية لها تمهيداً لوقف تام للحرب، وعلى رفع كامل الحصار عن المطارات والمرافئ اليمنية، علماً بأن «أنصار الله» وافقت، في حالة المطار، على وجوب مرور جميع الرحلات إلى صنعاء بمطارَي القاهرة أو عمّان قبل الوصول إلى الوجهة التالية، سواء كانت صنعاء أو غيرها.
قام وفد من «اللجنة العليا» السعوديّة، يضمّ ممثلاً عن خالد بن سلمان، بزيارة سرية لصنعاء


أما في شأن العلاقة مع إيران، فيبدو أن الجانب السعودي يتصرّف بطريقة لا تعكس فهماً لطبيعة العلاقة القائمة اليوم بين صنعاء وطهران. حتى إن إيران عمدت أخيراً إلى الردّ على هذه الضغوط السعودية بأن استقبل الرئيس الإيراني، حسن روحاني، السفيرَ اليمني في طهران إبراهيم الدليمي، وتسلّم أوراق اعتماده سفيراً، وهي خطوة من شأنها إثارة «المجتمع الدولي» الذي لا يزال يتعامل مع حكومة عبد ربه منصور هادي على أنها الممثل الشرعي لليمن.
وأوضح المصدر أن السفيرين البريطاني والفرنسي في اليمن، والعاملين الآن في الرياض، شرحا لشخصيات معنية سبب الضغط السعودي للاتفاق على هدنة طويلة. وبحسب المصدر، فإن الأمر يتعلّق بعدّة نقاط، منها:
أولاً: حصول السعودية على ضمانة بعدم تكرار ضربة «أرامكو» مرّة جديدة، وخصوصاً أن هناك خشية من تعرّض مرافق أكثر حيوية لضربات تؤدي إلى انعكاسات كبيرة على الحياة اليومية في السعودية. كما أن الرياض لا تملك إلى الآن ضمانات بأن وسائط الدفاع الجوي قادرة على معالجة الأمر، وهو ما يؤكده الأميركيون أيضاً.
الثاني: عدم تصعيد الضربات الجوية ضد السعودية بما يتسبب بإشكالات كبيرة على صعيد الحياة اليومية في المدن الكبيرة، وخصوصاً جدة والرياض، وسط معلومات عند الرياض تؤكّد قدرة الحوثيين على تنفيذ ضربات من هذا النوع.
الثالث: ضمان هدنة طويلة تتيح للرياض إنجاز الترتيبات الخاصة بـ«قمة العشرين» المتوقعة العام المقبل في السعودية، والتي يريدها وليّ العهد محمد بن سلمان منصّة لإعادة تنظيم علاقاته مع المجتمع الدولي، وخصوصاً بعد تعرّضها لاهتزاز كبير بسبب حرب اليمن من جهة، وحادثة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من جهة ثانية. ونقلت الشخصيات التي التقت السفيرين البريطاني والفرنسي أنهما يحثّان الجميع على تنفيذ الهدنة، لأنهما يظهران خشية من عدم القدرة على التئام القمّة في ظلّ استمرار الحرب، والضغوط المتزايدة من جانب الرأي العام الغربي والمنظمات الحقوقية العالمية ضد الحرب السعودية في اليمن.
الرابع: عدم القدرة في الوقت الحالي على القيام بعمليات عسكرية برّية ناجحة، ولا سيما في المناطق الحدودية بعد تراجع الحضور السوداني واستعداد الخرطوم لسحب كامل قواتها، وتراجع الحافزية عند مقاتلي جنوب اليمن المنتشرين هناك، وخصوصاً أنه وقعت فضيحة جديدة قبل بضعة أسابيع، تمثلت في العملية الواسعة في جبهة الملاحيط، حيث انهار ما يزيد على ثلاثة ألوية من القوات اليمنية الموالية للسعودية، سمح لهم بالفرار، بما يذكّر بمعركة «نصر من الله». حتى إن السعودية عمدت إلى مقايضة «أنصار الله» بوقف معظم الغارات العسكرية في حال امتناع الحوثيين عن بثّ صور هذه المعركة والهروب الكبير لقوات المرتزقة. وبفعل العملية، استعادت «أنصار الله» معظم جبهة الملاحيط مع مناطق واسعة على الحدود السعودية.
وبحسب المصدر، فإن الجانب السعودي عمد بعد هذه اللقاءات إلى فتح قناة اتصال مباشرة ومستمرة بين الرياض وصنعاء، لكنه طلب من الأمم المتحدة تعزيز دورها، وهو ما دفع المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلى فتح قنوات اتصال إضافية، ليس مع «أنصار الله» والسعودية فقط، بل مع أطراف يعتقد أنها مؤثّرة بقوة في النزاع القائم، علماً بأن المبعوث الدولي يركّز الآن على سبل تعزيز اتفاق الحديدة وتثبيته، وعلى توسيع إطاره، مع تشديد على إمكانية تنظيم اتفاق، على أن تتولى الأمم المتحدة جباية الإيرادات المالية من الميناء، وهو أمر لا تعارضه «أنصار الله»، مقابل أن تتولى الأمم المتحدة دفع رواتب جميع موظفي الإدارة العامة لليمن، وأن تشمل جميع من كان موظفاً قبل عام 2014. وهو ما تعارضه حكومة هادي.
من جهة ثانية، لفت المصدر إلى نشاط لافت بدأه السفير الصيني في اليمن، كانغ يونغ، ومقرّه الآن في الرياض، حيث باشر التواصل مع جميع مكونات اليمن، وهو يركّز في حديثه على الوضع الاقتصادي، وعلى عناوين تخصّ باب المندب وخط الحرير.