تعاملت إسرائيل مع حادثة إطلاق أربعة صواريخ باتجاه جبل الشيخ بما يتجاوز فعاليتها المباشرة؛ إذ رأت فيها مؤشراً على صحة تقديراتها التي سبق أن تناولها خبراء ومعلّقون ومسؤولون. وأظهرت المواقف الرسمية والإعلامية التي أعقبت الحادثة وجود خشية جدّية في تل أبيب من أن لا تكون الحادثة مجرد تطور عَرَضي، وإنما محطة في سياق أداء مختلف في التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية. وكان بيان صادر عن جيش الاحتلال أعلن اعتراض منظومة «القبة الحديدية» أربعة صواريخ استهدفت جبل الشيخ، ليبادر وزير الأمن نفتالي بينت في أعقاب ذلك إلى إجراء مشاورات مع القيادة الأمنية ورئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي في مقرّ وزارة الأمن في تل أبيب، تمّ خلالها بحث سبل الرد العسكري.ليس أمراً عرضياً أن يؤكد وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في تعقيبه على إطلاق الصواريخ، أن إسرائيل لن تخوض حرب استنزاف مع إيران، لكنها في الوقت نفسه ليست السعودية. يعكس موقف كاتس تقديراً إسرائيلياً مفاده أن هذا الحدث إنما هو حلقة في سلسلة قد تتواصل وتتخذ أشكالاً متعددة. وهو ما عبّر عنه أيضاً المعلّق العسكري في «القناة الـ12»، روني دانيئيل، الذي رأى أن هناك تغييراً في التعامل مع الضربات الإسرائيلية، لافتاً إلى أن إيران غيّرت سياستها قبل عدة أشهر، وأن سياسة ضبط النفس انتهت، مؤكداً أن «الجهود الإيرانية للتمركز في سوريا مستمرة طوال الوقت». وخلص المعلّق العسكري إلى أن على إسرائيل أن تدرس كلّ عملية بجدية كبيرة، مشدداً على أنها لا تستطيع السماح بالتمركز الإيراني، لأن لذلك تأثيرات بعيدة المدى، وهو يعني أن إيران تحيط بنا من لبنان وسوريا وقطاع غزة.
كذلك، ينطوي موقف كاتس على رسالة مباشرة من تل أبيب إلى طهران، مفادها أن إسرئيل لن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء أيّ ضربة تتعرّض لها، مشابهة لتلك التي تعرّضت لها منشآت «أرامكو» النفطية في السعودية. وهو ما يعكس أيضاً المخاوف التي تسكن صناع القرار الإسرائيلي من سيناريو من هذا النوع، وخاصة أن إيران فاجأت الكيان العبري بسقف المبادرة الذي قفزت إليه في مواجهة الولايات المتحدة. وما فاقم الشعور الإسرائيلي بالقلق، عدم مبادرة واشنطن إلى الردّ على طهران، تفادياً للتدحرج نحو مواجهة واسعة، خصوصاً في أعقاب ضربة «أرامكو» التي مثلت بالنسبة إلى تل أبيب محطة تحول في المعادلة الإقليمية ستكون لها تبعاتها على العمق الإسرائيلي. ومع أن كاتس تعمّد التأكيد أن إسرائيل ليست السعودية، إلا أنه تجاهل حقيقة تجاوز قدرات إيران واستعدادها للمواجهة ما كانت تفترضه القيادة السياسية الإسرائيلية، الأمر الذي أربك حسابات الأخيرة. ما بين هذين الحدّين: رفض التسليم بمعادلة الردّ على اعتداءاتها بما يؤدي إلى حرب استنزاف، والتهديد الضمني بالردّ على أيّ ضربة كبيرة تتعرض لها، جاء تأكيد إسرائيل - على لسان كاتس - أنها ستواصل اتباع سياستها الهادفة إلى منع إيران من التمركز العسكري في سوريا، وتشديدها على أن عملية إطلاق الصواريخ هي «نشاط إيراني وإلهام إيراني للمحور الشيعي ضد إسرائيل».
الخصوصية التي تعاملت بها إسرائيل مع حادثة جبل الشيخ تنبع من نظرتها إلى المرحلة التي تمرّ بها بيئتها الإقليمية، واعتقادها على ضوء ذلك أن أيّ تطور ينطوي على الكثير من الأبعاد والرسائل، خصوصاً أن إيران أحبطت كلّ الرهانات الإسرائيلية والأميركية، وبادرت إلى خطوات ارتفعت بموجبها المخاوف في تل أبيب من مآلات المواجهة.