لا أحد يعرِف، ولا يُمكِن أن يتنبّأ، ماذا سيكون مصير الجلسة التشريعية المَنوي عقدها اليوم في ساحة النجمة. كل ما هو معروف، أن هناك جلسة دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي «للتمرّد على الفراغ السياسي»، مع كلّ ما ترفعُه من أحمال سياسية وأمنية، إن على صعيد الحرَاك الذي يرفُضها الجزءٌ الأكبر منه، وقد استعدّ لمواجهتها بـ«درعٍ بشري» يمنع وصول النواب الى البرلمان، أو على صعيد الكتل النيابية التي أعلن بعضها عدم المُشاركة كحزبي «الكتائب» و«القوات»، إضافة إلى بعض النواب الفرادى كأسامة سعد وبولا يعقوبيان وفؤاد مخزومي. كذلك قررت بعض الكتل التفريق بين جلسة انتخاب اللجان، والجلسة التشريعية، إذ قررت كتلة «المستقبل» وكتلة الرئيس نجيب ميقاتي الاكتفاء بحضور جلسة الانتخاب، ثم الانسحاب مع بدء التشريع. لكن المفاجأة جاءت من ناحية رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الذي تنصّل من الجلسة عشية موعدها، علماً بأنه كان قد أرسل لبرّي مؤكداً حضور نوابه الجلسة.فعلياً، عادت قوى السلطة الى جوّ الانقسام «التقليدي» بين معسكري 8 و 14 آذار. صحيح أن تأمين الجو السياسي للجلسة ليسَ تفصيلاً ولا يُمكن تجاهله، لكن في مثل هذه الظروف الاستثنائية تتوجه الأنظار الى ما سينتُج عن الجلسة على الأرض في ظل مخاوِف من صدامات بين المتظاهرين والجيش الذي اتخذ قراراً بمنع قطع الطرق، ما يُمكن أن يولّد اضطرابات في المناطق. وكانت القوى الأمنية قد بدأت إجراءات مشددة ليلاً في محيط المجلس، مع معلومات تفيد بإحضار مكعبات إسمنتية لحماية دخول النواب وخروجهم مع مضاعفة عدد العناصر في محيط البرلمان.
حتى مساء أمس، كانَ الرئيس برّي لا يزال مُصرّاً على عقد الجلسة تحت شعار تفعيل عمل المؤسسات، وإقرار قوانين «بالغة الأهمية» يرى أنها تُلاقي مطالب الناس، و«الأهم هو انتخاب اللجان النيابية من أجل دراسة الموازنة»، بحسب مصادر نيابية. ولا شكّ في أن هذا الإصرار في جانب منه يعكس «عدم الانصياع للتعطيل»، لذا تلقّى النواب من الأمانة العامة للمجلس النيابي اتصالات تشديداً على ضرورة الحضور في موعد الجلسة. من جهته، يتمسّك الشارع بـ«محاصرة» البرلمان، عبر درع بشري يمتدّ ثلاثة كيلومترات. فيطوّق المتظاهرون كل مداخل البرلمان من منطقة باب ادريس إلى زقاق البلاط وساحة رياض الصلح شرقاً، ومن ساحة الشهداء إلى شارع ويغان (بلدية بيروت). وسيبدأ «الدرع» من الساعة السابعة صباحاً، مع تقديرات بالحاجة إلى عشرات الآلاف من الأشخاص لفرض الطوق، كما أُطلقت دعوات أخرى لمحاصرة منازل النواب.
من المرجّح أن يُحال اقتراح قانون العفو العام على اللجان النيابية لدرسه


وأعلن رئيس حزب القوات سمير جعجع، عقب اجتماع تكتل الجمهورية القوية، أن «التكتل لن يحضر». أما موقف كتلة «اللقاء الديمقراطي» فكشفه النائب هادي أبو الحسن «بعدم المشاركة»، ما طرح أكثر من سؤال حول سبب «انقلاب» جنبلاط في الساعات الأخيرة، وعمّا إذا كان الحريري يتلطّى خلفه، لا سيما أن رئيس الحكومة المُستقيل ونوابه يسوّقون لنظرية عدم شرعية أي جلسة تشريعية تنعقد في ظل حكومة تصريف أعمال، على قاعدة «لا حكومة يعني لا مجلس نواب». هل تكون خاتمة الجلسة إذاً بتطيير النصاب؟ يرجّح عدد من النواب ذلك.
وفي السياق، كان لافتاً ما أعلنته عين التينة عن تسلّم رئيس المجلس ملاحظات مجموعات في الحراك المدني على اقتراح قانون إنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية، ووعد بدرس هذه الملاحظات وأخذها بعين الاعتبار. ولم يكشف رئيس المجلس عن هوية تلك المجموعات. أما في ما يتعلق بمشاريع القوانين المطروحة على جدول أعمال الجلسة، فيشكل قانون العفو العام بنداً رئيساً الى جانب مشاريع قوانين أخرى تتعلق بمكافحة الفساد والتهرّب الضريبيّ والإثراء غير المشروع، إلا أن مواقف المكوّنات السياسية والكتل النيابية من اقتراح العفو تضاربت. وفي حال سارت الجلسة التشريعية، فمن المرجّح إحالته على اللجان النيابية لدرسه، خصوصاً بعدما تبيّن أنه يتضمّن مخاطر العفو عن مرتكبي الجرائم البيئية والمالية والتعذيب وغيرها.

كتلتا المستقبل وميقاتي تشاركان في الانتخاب وتقاطعان التشريع


وكانت كتلتا «التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة» قد تقدّمتا في الأسبوع الماضي باقتراح قانون يقضي برفع الحصانة عن الوزراء الحاليين والسابقين الذين تولّوا مناصب منذ أول مجلس منتخب سنة 1992، وبصورة استثنائية ملاحقة هؤلاء في دعاوى الفساد العام والنهب المالي، واعلن عنه النائب حسن فضل الله أمس من مجلس النواب، حيث عقد مؤتمراً صحافياً، أكد فيه أن الفاسدين يتسلحون بالمادة 70 من النص الدستوري التي تقول «لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم، ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس. ويحدد قانون خاص شروط مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء الحقوقية». وبعدَ أن أثيرت شكوك حول دستورية هذا الاقتراح، قالت مصادر نيابية إن «الدستور يعطي المجلس حق الملاحقة في قضايا الخيانة والإخلال بواجبات الخدمة، لكنه لا يعطيه صلاحية حصرية، وبالتالي هذا القانون يفتح المجال لأي جهة ليكون لديها حق الادعاء».