ثلاثة خطوط متوازية تسيّدت المشهد السياسي العراقي أمس. الأول، من شأنه أن يكون منطلقاً لحلّ الأزمة المفتوحة التي تعيشها البلاد، وهو يقوم على تطويق الخلاف بين زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر من جهة، والحكومة برئاسة عادل عبد المهدي وزعيم «تحالف الفتح» هادي العامري من جهة ثانية. ووفقاً لمعلومات «الأخبار»، فإن «العمل جارٍ على تفعيل خطوط الاتصال بين الأطراف الثلاثة»، الأمر الذي بدأ بالفعل خلال الساعات القليلة الماضية، سعياً إلى لململة الأزمة، درءاً لأيّ مضاعفات أمنية كالتي وقعت في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وتفيد المعلومات بأن «تطوراً إيجابياً ولافتاً ظهر أخيراً على خط العلاقة التي توتّرت في الأيام الفائتة، وهو ما سينعكس إيجاباً على التشكيلة الحكومية وأدائها»، إلى جانب التعاون على ضبط الشارع، وامتصاص النقمة الشعبية، والعودة بالمشهد إلى ما كان عليه قبل 1 تشرين الأول.الصدر، الذي حُمّل مسؤولية الكثير مما يجري، أظهر في خلال الجولة الأخيرة من الاتصالات استعداداً للتعاون مع العامري، الذي سبق أن رفض مقترحه بالمضيّ في سحب الثقة من عبد المهدي، والبحث عن بديل له، على اعتبار أن القوى السياسية المكوّنة لـ«الفتح»، والمنبثقة من «الحشد الشعبي»، ترفض، شأنها شأن مكونات محلية أخرى وقوى إقليمية فاعلة في العراق، إسقاط الحكومة قبل إتمام ولايتها القانونية، وهذا ما سرى حتى على حكومة حيدر العبادي. وعليه، فإن أيّ حديث، وفق معلومات «الأخبار»، عن إسقاط الحكومة أو استقالة عبد المهدي، هو بعيدٌ من الواقع، فيما يجري العمل على إيجاد مخرج من المأزق الراهن، في ظلّ اقتناع بأن ركوب موجة الشارع لتحقيق أغراض سياسية بات لعبة واضحة، وأن استطالة الأزمة القائمة من شأنها خدمة طرف واحد هو واشنطن وحلفاؤها في المنطقة. إذ إن «المشروع الأميركي بإحداث فوضى دامية في العراق لا يزال قائماً» وفق ما يقول مصدر مطلع لـ«الأخبار»، مضيفاً إن «لحظة الاقتتال الأهلي يُعمَل على تهيئة ظروفها، وإن جميع الأطراف قد تُستدرج إليها في لحظة مجنونة».
يقدّم برهم صالح نفسه كـ«ضامن» للمطالب الشعبية وكخيار إنقاذي للبلاد


على خطٍّ ثانٍ موازٍ، ثمة ترقب اليوم لخطبة «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني)، بعد الخطبة الماضية التي دعت إلى الالتزام بـ«سلمية التظاهر»، وعدم اعتداء كُلٍّ من القوات الأمنية والمتظاهرين على بعضهم البعض. وخرجت، أمس، دعواتٌ عن قوى محسوبة على «الحشد» إلى المشاركة في تظاهرات اليوم في «ساحة التحرير» وسط العاصمة بغداد، ورفع صور السيستاني، والالتزام بتوجيهاته، «للدفاع عن العراق وأهله ضد الفاسدين والدخلاء». دعواتٌ سارع مصدرٌ مسؤول في مكتب السيستاني إلى الردّ عليها بالتشديد على «ضرورة عدم استغلال اسم المرجعية أو رفع صورها من قِبَل أيّ مجاميع مشاركة في التظاهرات من أنصار القوى السياسية أو غيرهم»، والتأكيد أن المرجعية «تدعم وتؤيّد المطالب الإصلاحية للمتظاهرين السلميين، ولا تفرّق بين أبنائها المطالبين بالإصلاح على اختلاف توجهاتهم». وهو موقفٌ قرأ فيه البعض «ضربةً للمحسوبين على طهران، ورفضاً من قِبَل النجف لوضعها في معسكر دون آخر»، فيما أكّدت مصادر في «الفتح» أن «عصر اليوم سيشهد حراكاً لجميع القوى»، لافتاً إلى معلومات عن نية «ممثلي المرجعية قيادة تظاهرات سلمية بعد صلاة الظهر، تطالب بالإصلاح وتحقيق المطالب المعيشية، ونحن سنكون جزءاً منهم، لأننا منهم».
وإن كان من الطبيعي، وفق مصادر «الفتح»، نزول فئة ترى أن من حقها المشاركة في التظاهرات من دون أن «تركب موجتها»، أو تحاول استحصال مكاسب منها، فإنه وعلى الخط الموازي الثالث، ثمة من يحاول المضيّ في استثمار الشارع من أجل تعزيز حضوره في المشهد السياسي. وفي هذا الإطار، بدا لافتاً أمس أن رئيس الجمهورية، برهم صالح، حاول فرض نفسه كخيار إنقاذي للبلاد، مكرّراً مضمون رسالة عبد المهدي إلى الصدر، محاوِلاً من خلال ذلك التشديد على ضرورة استقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، على أن يكون هو «الضمانة الدستورية» لإجرائها. موقفٌ يظهر أن صالح حاول من خلاله مداراة فشله والقوى السياسية في الإعلان عن «وثيقة إصلاحية» سرى حديثٌ عن إمكانية صدورها خلال الساعات الماضية. وليس تصريح صالح أمس هو الأول الذي يثير علامات استفهام، إذ إن مجمل الأداء السياسي للرجل بات موضع تساؤل، وخصوصاً في ظلّ اشتداد التنافس بين رئاسة الجمهورية والمؤسسات الأخرى، وسعي رئيس الجمهورية الحثيث إلى فرض نفسه كـ«قائد ضرورة» للأكراد، أو أن يكون في الحدّ الأدنى ندّاً في السليمانية لآل برزاني في أربيل.