بغداد | الهدوء الحذر المخيّم على العاصمة بغداد، لليوم الثاني على التوالي، بعد أسبوع من تظاهرات مطلبية صُبغت بالعنف والدم، قد يُخرق خلال الساعات الـ48 المقبلة، إن تمسّك المتظاهرون بخيار العودة إلى الشارع مجدّداً. معلومات «الأخبار» تفيد بأن الاتصالات القائمة بين ممثلي المتظاهرين من جهة، والحكومة والقوى السياسية من جهة أخرى، قد تسفر عن «نتائج إيجابية» من شأنها ضبط الشارع الغاضب، لتمرير زيارة أربعينية الإمام الحسين أولاً مع اقتراب موعدها، وإعادة الحياة إلى طبيعتها في العاصمة وعموم المحافظات الجنوبية ثانياً.مصادر مقرّبة من رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، قالت إن «معطيات أمنية دقيقة، جُمعت طوال الأيام الماضية، تؤكد ضلوع الاستخبارات الإسرائيلية إلى جانب المُشغلين من قِبلِ السفارة الأميركية في بغداد، في استثمار الحراك المطلبي، وحرف وجهة التظاهرات السلمية باتجاه الفوضى والتخريب». فـ«الحراك المحقّ وُجّه إلى مكانٍ آخر، وبرز ذلك في طبيعة الشعارات المرفوعة المطالبة بإسقاط الحكومة والنظام، والتغطية الإعلامية غير المسبوقة لبعض القنوات الفضائية، والتفاعل الكبير على منصات التواصل الاجتماعي والدعوة إلى إنقاذ العراق». المصادر أشارت، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن «وجوهاً سياسية ركبت موجة إسقاط الحكومة، عبر تقديم النصائح لقوى مؤيدة لعبد المهدي، وتحذيرها من أن تغييراً ما يلوح في الأفق»، مضيفة أن «تحرّكات مجموعة من الضباط كانت تحت السيطرة، وقد تم احتواؤها بطريقة ناعمة، إلا أن السؤال الموجّه يبقى لبعض هؤلاء الذين أفرطوا في استعمال العنف من دون إذن الحكومة». وأضافت المصادر أن عبد المهدي يمتلك قراءة دقيقة لـ«فتنة بغداد» الأخيرة، وضلوع الأميركيين والسعوديين فيها، إلى جانب الدور الإسرائيلي الكبير الناشط أخيراً في الساحة العراقية، والذي تُرجم سابقاً في أكثر من حادث (أبرزها استهداف عدد من مقار «الحشد» في شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس الماضيين)، ودور كلّ من الأطراف الثلاثة في تحريك المتظاهرين وتوجيههم، عدا عن المجموعات الميدانية التي نشطت على طول المحافظات الجنوبية.
الحياة تعود تدريجياً إلى طبيعتها في العاصمة بغداد


عبد المهدي، بوصفه القائد العام القوات المسلحة العراقية، أقرّ، في بيان صادر عن «قيادة العمليات المشتركة» فجر أمس، بوجود إفراط في استخدام العنف، آمراً بسحب قطعات الجيش كافة من مدينة الصدر (شرق محافظة بغداد)، واستبدالها بقطعات من الشرطة الاتحادية، نتيجة الأحداث التي شهدتها المدينة أول من أمس، حيث «استُخدمت القوة بشكل مفرط، وخارج قواعد الاشتباك المحددة». ووعد البيان بـ«محاسبة الضباط والآمرين والمراتب الذين ارتكبوا هذه الأفعال الخاطئة من خلال مجالس تحقيقية فورية»، داعياً «جميع القوات الأمنية إلى الالتزام التام بقواعد الاشتباك الخاصة بحماية المتظاهرين ومكافحة الشغب». وشدد على أن «أي استخدام مفرط للقوّة غير مسموح به»، مشيراً إلى أن «لجنة برئاسة مدير الاستخبارات العسكرية (مصطفى الكاظمي) ستتولّى التحقيق بشكل عاجل مع الذين استخدموا العنف». والجدير ذكره أن أحداث الأيام الماضية أدت إلى سقوط أكثر من مئة قتيل وجرح أكثر من 6 آلاف آخرين (من المتظاهرين والعسكريين).
على خطّ مواز، ومع عودة الحياة تدريجياً إلى طبيعتها في بغداد، برزت كلمتا كلّ من رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس «هيئة الحشد الشعبي» فالح الفياض، وإعلانهما - بشكلٍ غير مباشر - القضاء على «الفتنة» التي كادت تدفع البلاد إلى المجهول، وإطلاق عجلة العمل بالإصلاحات وفق توجيهات الحكومة و«المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني). صالح وصف استهداف المتظاهرين والقوات الأمنية بالرصاص الحي، والإعلامِ والإعلاميين بـ«غير المقبول»، لافتاً إلى أن «هناك من يريد ويمتلك مصلحة في زرعِ الفتنِ بين الشعب الواحد». وفيما شدّد على المحافظة على «سلمية التظاهرات»، أكد التزامه بـ«دعوة المرجعية، والعمل على دعم تشكيل لجنة خبراء مستقلين، وفتح باب الحوار البنّاء مع المتظاهرين»، و«دعم التعديلات الوزارية لتحسين الأداء الحكومي». كلمة صالح حملت تصويباً غير مباشر على الحكومة، في حين كان لافتاً دفاع الفياض عنها، إلا أن «المشترك» بينهما وصف ما جرى بـ«الفتنة»، والعمل على مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح ضمن إطار الدولة. وشدد الفياض على «وجود قصاص عادل ورادع لمن أرادوا بالعراق شراً... فلا يمكن التساهل مع المتآمرين»، متحدثاً عن وجود «أسماء وتصورات ومعلومات سيتم عرضها في الوقت المناسب»، وقد تُرجم ذلك سريعاً بحملة اعتقالات واسعة طالت من تُسمّيهم السلطات «المخربين» في عدد من المحافظات الجنوبية، وفق معلومات «الأخبار». ورأى الفياض أن بيان «المرجعية» كان واضحاً، ووصف ما هو مطلوب وحدّد خطوات الحل، مؤكداً أن «الحشد جاهزٌ للتدخل لمنع أي انقلاب أو تمرد، في حال طلبت الحكومة ذلك».
إلى ذلك، يعقد البرلمان العراقي، اليوم، جلسةً عند الساعة الواحدة ظهراً، لمناقشة التظاهرات واتخاذ الإجراءات اللازمة لتلبية مطالب المتظاهرين.