تراجعت اللهجة السعودية الداعية إلى عودة حكومة الرئيس اليمني المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، إلى عدن، وتسلّمها المؤسسات والمعسكرات التي كان سيطر عليها «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم إماراتياً. تراجعٌ يكشف أن موقف الرياض المؤيد لفريق «الشرعية» لم يكن إلا تكتيكاً وتمضية للوقت من أجل تقوية «الانتقالي» وتمكينه من عدن. تغيّر الموقف السعودي تجلّى في بيان مشترك يوم أمس، دعت فيه الرياض وأبو ظبي إلى «وقف كل النشاطات العسكرية والشروع في المفاوضات»، خلافاً للبيان الأول الصادر عن المملكة في شأن الأحداث الأخيرة، والذي طالب «الانتقالي» بـ«الانسحاب من عدن»، ملمّحاً إلى إمكانية «استخدام القوة إذا لم يستجب الانتقالي». كما أن البيان المشترك يأتي بعد يومين فقط من صدور بيان جديد عن السعودية رافض «للواقع العسكري الذي يفرضه الانتقالي»، ومطالب بـ«إعادة معسكرات ومقرات الشرعية»، ومشدد على ضرورة «الانخراط في حوار جدة من دون تأخير».غير أن الموقف السعودي انقلب سريعاً لصالح «المجلس الانتقالي»، في مؤشر إلى أن الخطوات التصعيدية التي شهدتها مدن جنوب اليمن جاءت ربما وفق اتفاق سعودي ــ إماراتي لتمكين حلفاء أبو ظبي من مدينة عدن، وإشراكهم في الحكومة، وإعادة هيكلة المؤسسة الرئاسية لـ«الشرعية»، بحيث يتحول منصب نائب الرئيس الذي يشغله حالياً الفريق علي محسن الأحمر، المحسوب على حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون)، إلى «الانتقالي»، إضافة إلى حقيبتين وزاريتين، فضلاً عن وزارة الدفاع المطروحة لحزب «المؤتمر الشعبي العام» ــ جناح أحمد علي عبد الله صالح الموالي للإمارات. لكن هذا المشروع الذي تبنّته الإمارات علناً، ظلّت السعودية تراوغ في شأنه، محاوِلةَ خلال شهر من اندلاع المواجهات القيام بدور الوسيط بين الطرفين، في ظلّ انسجام بياناتها مع بيانات حكومة هادي، الداعية إلى عودة الأوضاع إلى ما قبل 7 آب/ أغسطس، تاريخ سيطرة «الانتقالي» على عدن.
يشهد الميدان الجنوبي تحركات عسكرية تنذر باحتمال بدء جولة جديدة من القتال


إلى الآن، يرفض «الانتقالي» الاستجابة لشروط «الشرعية»، مع أنه أبدى استعداده لحضور «مؤتمر جدة» من دون شروط مسبقة، وبادر أمس إلى الترحيب بالبيان السعودي ــ الإماراتي. أما وزارة الخارجية التابعة لحكومة هادي فكانت رفضت التحاور في جدة مع «الانتقالي»، وقالت في بيان إن «الحوار يجب أن يكون مع الإمارات بصفتها المسؤولة المباشرة عن انحراف بوصلة التحالف في اليمن». لكن فريق «الشرعية» لم يعلن، حتى مساء أمس، موقفاً من البيان السعودي ــ الإماراتي الأخير، في وقت ذكرت فيه مصادر في حكومته لـ«الأخبار» أن «لا تراجع عن بيانَي الحكومة والرئاسة السابقين»، اللذين حمّلا الإمارات «مسؤولية أحداث عدن»، ودعَوا إلى «مواجهة التمرد العسكري للانتقالي بكل الوسائل المشروعة».
وفي خضمّ التجاذب السياسي والتراشق الإعلامي بين الطرفين، يشهد الميدان الجنوبي تحركات عسكرية تنذر باحتمال بدء جولة جديدة من القتال، إذ عزّز «الانتقالي» مواقعه على مداخل مدينة عدن، مستغّلاً توقف المواجهات خلال الأيام الماضية لاستقبال تعزيزات ضخمة من الإمارات، وتجهيز الأنفاق لتحصين مدخل عدن الشرقي (نقطة العلم). أما قوات هادي، فعزّزت حضورها في محافظتَي أبين وشبوة، واستقبلت قوات إضافية من المنطقتين العسكريتين الأولى والثالثة في حضرموت ومأرب. كما تمكنت تلك القوات من إفشال محاولة إسقاط مدينة عزان في شبوة من قِبَل قوات «النخبة الشبوانية» الأسبوع الماضي، فيما يواصل «الانتقالي» مداهمة منازل القيادات المحسوبة على «الشرعية» في عدن. وسقط، أول من أمس، قتلى وجرحى، أثناء محاولة قوات «الانتقالي» اقتحام منزل القيادي في «المقاومة الجنوبية»، محمد البوكري، في منطقة دار سعد في عدن، إضافة إلى اقتحام منزل قائد شرطة خور مكسر، ناصر عباد الحسني، قبل أيام.
هكذا، يبدو المشهد في المحافظات الجنوبية. لا سيطرة لطرف على آخر، فيما لا تزال خيوط اللعبة بين يدَي الرياض وأبو ظبي. ويرى مراقبون أنه وإن اختلف مشروع السعودية عن مشروع الإمارات في اليمن، إلا أن الأخيرة أرغمت الرياض على السير خلف مخططها، وذلك خوفاً من تصدع تحالفهما على أكثر من جبهة، سواء في ما يتعلق بـ«صفقة القرن» أو بملفات ليبيا ومصر والسودان وسوريا ولبنان؛ إذ يُعدّ التنازل السعودي في الملف اليمني لصالح أبو ظبي تراجعاً بسيطاً لصالح بقاء الشراكة بين البلدين في التعامل مع بقية ملفات المنطقة. إلا أن قيادات جنوبية تؤكد أن موقفَي السعودية والإمارات من أحداث عدن يندرجان ضمن تبادل الأدوار، نافية أن يكون هناك خلاف من الأساس. وهو ما يذهب إليه قائد الشرطة العسكرية السابق في اليمن، عضو القيادة لـ«مجلس الإنقاذ الوطني» اللواء عوض محمد فريد، الذي يرى في حديث إلى «الأخبار» أن «بيانات السعودية من أحداث عدن تأتي فقط لذرّ الرماد في العيون»، معتبراً أن «التحالف يعبث بالبلاد. الرياض تستخدم الشرعية المنتهية ولايتها بحسب الدستور اليمني لتحقيق أهدافها في اليمن، والإمارات تستخدم المجلس الانتقالي لمصالحها»، مستدركاً بأن «أطماع التحالف لن تتحقق في ظلّ وجود قوى وطنية تعرف نيّات التحالف، وستقاومه كاحتلال أجنبي للبلاد».