لم تتضح صورة المعالجة التي سيقوم بها مصرف لبنان إزاء إدراج «جمال تراست بنك» على لائحة «أوفاك» واتهامه بتقديم خدمات مالية ومصرفية لمؤسسات تابعة لحزب الله ومحاولة إخفاء هذه العلاقة. ما تبيّن، حتى الآن، أن كل المعنيين من مصرفيين وسياسيين وأطراف أخرى، ينتظرون عودة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من فرنسا، وما سيحمله هذا الأخير إلى الرئيس نبيه برّي الأسبوع المقبل. فالملف «من اختصاص الهيئة المصرفية العليا» كما أوضح رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود في اتصال مع «الأخبار»، وهذه الهيئة لم تدرس هذا الموضوع بعد.التكهنات في السوق كثيرة ومتفاوتة بين مفاوضات تجرى بين مصارف تسعى إلى شراء موجودات «جمال تراست بنك» ومطلوباته، وإمكانية لجوء السلطات المصرفية إلى التصفية الذاتية. في المسار الأول، كان «فرنسبنك» أحد أبرز الأسماء المطروحة لشراء موجودات «جمال تراست بنك» ومطلوباته. إلا أن المدير العام لـ«فرنسبنك»، نديم القصّار، نفى في اتصال مع «الأخبار» ما يتردّد في السوق، مشيراً إلى أن فرنسبنك «ليس لديه النية ولا بأي شكل من الأشكال للقيام بمثل هذه العملية». ورغم أن القصّار يرفض الإجابة عن السؤال المتعلق بكون رئيس مجلس إدارة «جمّال تراست بنك» أنور الجمّال اقترض من «فرنسبنك» (بضمانة حصّته من أسهم «جمال تراست بنك») مبلغاً كبيراً لشراء أسهم أشقائه وشقيقاته، إلا أنه بات واضحاً أن هذه الخلفية، لمن يعرفها، دفعت إلى ربط الصفقة في حال حصولها بـ«فرنسبنك».
في الواقع، إن بيع المطلوبات والموجودات لمصرف آخر يتعدّى علاقة استدانة بين طرفين، فالمشكلة التي خلقها القرار الأميركي متصلة بكون المصرف متهماً بإنشاء حسابات لمؤسسات تابعة لحزب الله خلافاً للاتهامات الموجهة لـ«البنك اللبناني الكندي» عن عمليات تبييض أموال لحساب حزب الله. ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ إن وزارة الخزانة الأميركية نشرت تقريراً مفصلاً ودقيقاً عن الحسابات المتهمة في «البنك اللبناني الكنديط بالأرقام والتحويلات والأسماء، إلا أنها لم تنشر بعد أي تقرير عن «جمال تراست بنك». ووفق ما يقول أحد المصرفيين، فإن «أي معالجة ليست ممكنة من دون أن يحصل أي مصرف ينوي شراء المطلوبات والموجودات، على ضمانة أميركية بعدم إدراجه على اللائحة نفسها واتهامه بالمساعدة على تمويل الإرهاب. وهذه الضمانة يصعب الحصول عليها».
لهذا السبب، يرجح المصرفيون أن يلجأ مصرف لبنان إلى التصفية الذاتية لـ«جمال تراست بنك». ويستند هؤلاء إلى ما يحصل عملياً بشأن المودعين، إذ إن مصرف لبنان أوعز إلى إدارة المصرف بأن تفتح فروعها وتحرر للمودعين شيكات مسحوبة على مصرف لبنان لنقل ودائعهم إلى مصرف آخر. وبالفعل، بدأ المودعون يتدفقون إلى فروع المصرف لسحب ودائعهم، إلا أنهم واجهوا مشكلة أن المصارف الأخرى ترفض استقبال شيكات صادرة عن بنك الجمّال ولو كانت مسحوبة على مصرف لبنان. وتقول مصادر مصرفية إن هذا الرفض ناتج عن تحذيرات اميركية! والمفاجأة الثانية جاءت في أن المصرف الوحيد الذي يستقبل هذه الشيكات هو بنك التمويل المملوك بنسبة 99% من شركة ”انترا“ التي يملك فيها مصرف لبنان، بدوره، 35% من الأسهم إلى جانب مساهمات أخرى من لبنانيين وخليجيين، علماً بأن هذه المؤسسة خاضعة لنفوذ سياسي متعارف عليه من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري.
المصرفيّون مرتعبون من شراء موجودات المصرف ومطلوباته بلا ضمانات أميركية


وإلى جانب الهلع الذي يصيب المصرفيين من شراء مطلوبات ”جمال تراست بنك“ وموجوداته من دون ضمانات أميركية صعبة التحقيق، فإن المشكلة الثانية، التي يردّدها المصرفيون، تكمن في أن «جمّال تراست بنك» والشركات الثلاث المدرجة على اللائحة الأميركية توظّف لديها نحو 400 موظف. «فمن سيكون قادراً على تحمّل كلفة هذا العدد من الموظفين مقابل موجودات نسبتها نصف في المئة من الحصّة السوقية؟»، يسأل أحد المصرفيين.
في ظل فتور المصارف لهذه الصفقة، هناك مسألة أكثر حساسية يتحتم بتّها، وهي متعلقة بالمعايير التي سيعتمدها مصرف لبنان في تحديد الحسابات الشرعية التي أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنها مضمونة. آلية بتّ هذه المسألة ليست بسيطة، وخصوصاً أن مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون الاستخبارات المالية مارشال بيلنغسلي تحدّث عن عملية إخفاء للحسابات المرتبطة بمؤسسات تابعة لحزب الله، فما هي المعايير المعتمدة بشأن هذا الأمر؟ وهل سيكون لدى الجهات المكلّفة بعملية «التنظيف» القدرة على كشف هذه الحسابات من دون معطيات أميركية من وزارة الخزانة؟



عروض سابقة للبيع
كان جمال «تراست بنك» قد تلقى في السنوات الماضية عروضاً كثيرة للبيع، بلغ أكبرها 106 ملايين دولار، وتلقى عروضاً من مصارف أخرى كبيرة وصغيرة، إلا أن العرض الأكثر جدية تلقاه قبل نحو سنتين من بنك التمويل قبل وضع مصرف لبنان يده عليه وتعيين مدير مؤقت لإدارته بدلاً من المدير السابق حسن فران. عرض بنك التمويل كان ينص على شراء البنك بقيمة 85 مليون دولار، إلا أن رئيس مجلس الإدارة أنور الجمال رفض التفاوض.
وكان الجمال قد اشترى حصص أشقائه وشقيقاته من المصرف على مراحل مختلفة حتى استحوذ على ما نسبته 95% من الأسهم، وبات المسيطر الأوحد على المصرف الذي ورثه من والده علي الجمال الذي كان معروفاً بعلاقته القوية بحركة أمل منذ تأسيسها.