الأمانة العامة لمجلس الوزراء أفتت بعدم جواز تطبيق قانون حقّ الوصول إلى المعلومات. هذا ما يُمكن استنتاجه، بشكل واضح، من رفضها، في 28 حزيران الفائت (القرار رقم 869/ص)، طلباً قدّمته «المفكّرة القانونية» و«كلنا إرادة»، للحصول على معلومات حول ملف إنتاج الطاقة الكهربائية.القرار كان أشبه بـ «مطالعة قانونية» مُقتضبة، استعرض فيه المدير العام لرئاسة مجلس الوزراء القاضي محمود مكية «مُلاحظات» (مرتبطة بالمهل وقبول الطلبات والرسوم المتوجبة للاستحصال على نسخ من المستندات الموجودة لدى الإدارة وغيرها)، وخلُص إلى عدم إمكانية تطبيق القانون «في ظلّ غياب صدور المرسوم التطبيقي له (...) وقبل تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد». علماً أن صدور المراسيم التطبيقية منوط بالحكومة نفسها. وبهذا المعنى، تبدو الحكومة وكأنّها تتذرّع بتقاعسها عن أداء واجبها لعدم تطبيق القانون!
إلى ذلك، يُثير القرار - المُطالعة، بشكل واضح، مسألتي «الصفة» و«المصلحة» للجهة التي تتقدّم إلى الإدارات العامّة بطلبات للوصول إلى المعلومات (تم رفض الطلب بسبب انتفاء الصفة والمصلحة للجهة المتقدمة وفق ما يرد في خاتمة القرار)، وهو «أمر غير دقيق ولا ينطبق في حالة هذا القانون»، بحسب تأكيد النائب السابق و«عرّاب» القانون المحامي غسان مخيبر، مُشيراً إلى أن المُتقدّم بطلب الحصول على المعلومات لا يحتاج إلى تبرير صفته أو منفعته «لأنّ القانون مرتبط بشفافية الإدارات أولاً».
كلامُ مخيبر جاء في مؤتمر صحافي دعت إليه «المفكرة القانونية» و«كلنا إرادة»، أمس، تحت عنوان «تعطيل حق الوصول إلى المعلومات هو تحصينٌ للفساد». وكانت الجمعيتان تقدّمتا في 12/4/2019 بطلب الحصول على نسخة عن قرار مجلس الوزراء المتعلق بـ«الموافقة على تحويل العقد الموقّع مع الشركة المتعهّدة معمل دير عمار 2 من طبيعته الحالية إلى عقد شراء طاقة طويل الأمد».

مخاطر القرار
«كيف تُلام أي إدارة على مخالفة قانون حق الوصول إلى المعلومات، إذا كانت الأمانة العامة لمجلس الوزراء أفتت بعدم جواز تطبيقه؟». تساؤل طرحه البيان الصادر عن الجمعيتين اللتين وصفتا القرار بـ«الخطير»، كونه يصدر عن مرجع رفيع في الإدارة العامة يُفترض أن يكون المُحفّز الأساس للإدارات العامة لتطبيق القانون، وهو يبدو «بمثابة تعميم أو كلمة سر يراد منها ثني كل الإدارات العامة عن الاستجابة لطلبات الحصول على معلومات لرفع الحرج القانوني عنها». واستعرض البيان مخاطر أخرى تتمثّل بـ«امتناع الحكومة عن تسليم معلومات مرتبطة بإنفاق أموال من الخزينة في تجاهل واضح لمبدأ الشفافية التي يرسيها القانون»، فضلا عن «تحوير السلطة للقوانين وتفسيرها على نحو يؤدي إلى إعفاء الحكومة والإدارات العامة من الضوابط والالتزامات القانونية والدولية». وأكّدت الجمعيتان أنّ مطالعة مكية لا تخلو من «التشويه الواضح لمضمون القانون خدمة لهذه الغاية (إعفاء الحكومة من الضوابط والإلتزامات)»، ولفتتا إلى أنّ القانون خوّل الحكومة إمكانية إصدار مراسيم تطبيقية «عند الاقتضاء»، أي عند الحاجة، «من دون أن يكون صدور أي مرسوم بحال من الأحوال شرطا لنفاذه. وهو ما أكدته هيئة التشريع والاستشارات في رأيين سابقين (441/2017 و951/2018). فالمراسيم التطبيقية (...) تهدف إلى تسهيل تطبيق القانون من دون أن يشكل عدم صدورها بحال من الأحوال عائقاً أمام نفاذه».
تتذرّع الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتقصيرها في أداء واجباتها لعدم تطبيق القانون!


بيان الجمعيتين اعتبر أنّ القرار يعكس إتجاهاً «لإعادة العمل بتقاليد الإدارة القائمة على سرية الأعمال الإدارية، ولحرمان المواطنين والمنظمات غير الحكومية من إمكانية المشاركة في جهود مكافحة الفساد، خلافا للمادة 13 من اتفاقية مكافحة الفساد التي التزمت بها الدولة (...) وأخطر ما في هذا التراجع أنه يأتي في ظل أزمة مالية اقتصادية، أي في وقت يفترض أن تبذل الحكومة جهودا كبيرة لإقناع الجهات المقرضة والمانحة بمصداقيتها في مكافحة الفساد والحد منه».

استثمار في المحافل الدولية
في 14 كانون الأول 2018، أصدرت الحكومة اللبنانية تقريراً بشأن الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. وفق الجمعيتين، «ذُكر نفاذ القانون في هذا التقرير خمس مرات»، وتضمّن إعلاناً يُفيد بإنشاء موقع إلكتروني لمواكبة تطبيقه «تبيّن في ما بعد أنه لا يعمل»، ما يشير إلى «إستثمار» الدولة اللبنانية لهذا القانون في المحافل الدولية للترويج بأنها ماضية في مسار «مكافحة الفساد».
وبحسب رئيس جمعية «غربال» أسعد ذبيان، تحاول الدولة منذ عام 2017 «الظهور بمظهر لائق في المحافل الدولية وإظهار أنها تحاول مكافحة الفساد، ولهذا أخرج المشرّع اللبناني في شباط 2017 قانون حق الوصول إلى المعلومات من الأدراج بعد 9 سنوات من تقديمه كمشروع قانون، واستخدم إقراره في الصفحات الأولى التي قُدمت الى مؤتمر سيدر لحث المانحين الدوليين على تقديم رزمة جديدة من الديون والمنح». ولفت ذبيان إلى أنه تلى قانون حق الوصول الى المعلومات قانونا «حماية كاشفي الفساد» و«الشفافية في قطاع البترول»، لكنّهما رُبطا أيضاً بإقرار الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مُشيرا الى أن المراسيم التطبيقية التي من شأنها أن تكون مُفسراً وعاملاً مساعداً للقوانين «هي الشماعة التي تستعملها الإدارات الحكوميّة اليوم للاستمرار في نهج التعتيم وغياب الشفافيّة».
«المُفكرة القانونية» و«كلنا إرادة» دعتا الحكومة إلى «عدم التذرّع بتقصيرها للتنصّل من مسؤولياتها»، وبـ«تأكيد التزامها الأخلاقي والدستوري بتنفيذ قانون حق الوصول الى المعلومات والتعميم على كل الإدارات بوجوب تنفيذه. وطالبتا مجلس شورى الدولة بأداء دوره في تحقيق دولة القانون وضمان حقوق المواطنين وحرياتهم، «وأن يفتح البرلمان تحقيقا في تمنع الإدارة العامة عن تنفيذ قوانينه المتصلة بمكافحة الفساد، وأن يبادر إلى إقرار قانون بإنشاء هيئة مكافحة الفساد»، وحضّتا الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية على تشكيل «أوسع إئتلاف وطني لصون المكسب الحقوقي والاجتماعي المتمثل بقانون حق الوصول إلى المعلومات».



70% من الإدارات العامة لا تطبّق القانون على رأسها مجلس النواب!
قبل نحو عام، تقدّمت «مبادرة غربال» بطلبات ترتبط بحق الوصول الى المعلومات الى 133 إدارة عامة لتبيان تطبيق أحكام قانون حق الوصول الى المعلومات. من بين هذه الطلبات، حصلت الجمعية على 34 جواباً خطياً فقط. ما يعني أن 99 إدارة تجاهلت الطلبات، أي نحو 74% من الادارات العامة لم تجد نفسها معنية بتطبيق القانون. والمُفارقة أنّ مجلس النواب لم يُنفّذ حتى اليوم الجزء المهم بالقانون المتمثل بتكليف موظف يسهّل عملية طلب المعلومات!