القاهرة | بعودة باسم يوسف عبر «mbc مصر»، يتراجع قليلاً اتهام «منع «البرنامج» بأمر من السيسي». لكنه يتراجع إلى حين. صحيح أنّ إطلالة باسم من داخل مصر، ومن المسرح نفسه، وعبر محطة سعودية (أي حليفة لتغييرات «30 يونيو» في مصر) تعني إجمالاً أنّ السلطات «تسمح» بالبرنامج، وأنها ربما لم تكن ذات علاقة مباشرة بتوقفه على محطة «سي.
بي. سي.»، لكن ذلك كله لا يجيب عن السؤال الأصلي: بالمعنيين الإعلامي والمالي، كيف يمكن محطة تلفزيونية التخلي من تلقاء نفسها، ومن دون ضغوط، عن برنامج هو الأعلى مشاهدة على الإطلاق، حتى تكاد العاشرة إلى منتصف ليل كل جمعة، تعرف بساعتَي باسم يوسف؟ هذا «المنع» في «سي. بي. سي.» زاده غموضاً تذرّع القناة بإهانة «البرنامج» لـ«الثوابت المجتمعية»، و«استخدام إيحاءات جنسية»، إلى آخر كل ما كان يُتهم به باسم وفريقه بالفعل، منذ حلقته الأولى على الانترنت وصولاً إلى جميع حلقاته على «سي. بي. سي.». لقد سخر باسم نفسه من تلك «الاتهامات» بوجهيها، سواء لأنها لم تضف جديداً عمّا كان يقدمه هو نفسه على المحطة نفسها، أو حتى ما تعرضه المحطة عبر نجوم وبرامج أخرى. لقد بدا أنّ المحطة تتخلى طواعية عن أرباح بالملايين من الفقرات الإعلانية الطويلة في «البرنامج»، وعن ألمع وجه إعلامي شاب. ومرة أخرى، بدا باسم مضحكاً (وإن غير مقنع) في سخريته من محمد الأمين مالك «سي. بي. سي.». صوّره كمن يلهو بأمواله «لو عندي 5 مليار، لاشتريت محطة، وعملت فيها البرنامج، وعزمت نفسي في الحلقة الأولى، ومُت من الضحك، وبعدين أوقفت البرنامج، وفتحت محطة أخرى (في إشارة إلى CBC Extra)، وبكده يبقى عندي محطتين محدش بيتفرج عليهم».
بالطبع، فإن الأمين لم يفعل كل ذلك من باب اللعب أو التسلية بأمواله، كما أنّ «سي. بي. سي. إكسترا» تحظى بمشاهدة جيدة، والأمر يتخطى «البرنامج» والمحطة وبياناتها، إلى مدى الحدود بين دواعي الأمن ودواعي الأرباح. المستثمر المتخصص لا وجود له في مصر إلا نادراً، ولا وجود له إطلاقاً في مجال الإعلام التلفزيوني. من رجل الأعمال محمد الأمين إلى نجيب ساويرس، ومن السيد بدوي إلى حسن راتب، تعدّ الفضائيات جزءاً يكاد يكون بسيطاً من استثمارات هائلة لأصحاب القنوات، تبدأ من المقاولات والأسمنت ولا تنتهي عند السياحة والسيارات وصناعة الدواء. لذا، فإن باسم يوسف ــ على أهميته ــ كان جزءاً بسيطاً من استثمارات محمد الأمين الذي يمتلك شبكة «سي. بي. سي.»، فضلاً عن قنوات «مودرن» الرياضية الموقوفة حالياً، ويقود غرفة صناعة الإعلام التي انطلقت قبل أسابيع، وتضم أكبر القنوات المصرية، ويمتلك أيضاً جريدة «الوطن». وبتكبير الصورة قليلاً، تبدو كل تلك الاستثمارات الإعلامية السابقة، بدورها، جزءاً من بقية استثمارات محمد الأمين الذي تعد استثماراته الأساسية في مجال المقاولات، والأدوات الصحية، والاستصلاح الزراعي.
«البرنامج» إذاً هو جزء من جزء، من أجزاء، هو نقطة أو خط في خريطة واسعة يؤثر بعضها في البعض الآخر، لكنه النقطة الأكثر ظهوراً أمام الناس، الأكثر قدرة على التأثير، وإيقاع المشكلات أيضاً، وبحسبة الـ«بيزنس»، فإن المردود الإعلاني للبرنامج قد لا يساوي ضربة واحدة قد توجهها السلطة لأي من استثمارات صاحب القناة.
كانت «يناير» خطوة لتحرير الإعلام عبر تحرير السياسة، مما كان يفترض بدوره أن يحرّر الاقتصاد. أما الردة السياسية في المناخ المصري الحالي الراغب في إعادة كل شيء من جديد إلى قبضة واحدة تتحكم في كل شيء، فهو مناخ لا يسمح لصاحب أي قناة بأن يغامر من أجل حفنة دولارات أو ضحكات. إنه لا يحتاج إلى «اتصال من فوق» كي يتصرف من تلقاء نفسه، ويسدّ «الباب الذي تجيء منه الريح»، أو يبعد «البرنامج» الذي يجلب المشاهدة والمشكلات معاً.