منذ أربعة أشهر تتكدّس النفايات في شوارع الشمال، على خلفيّة إقفال مكب عدوة، من دون أن يجد المعنيّون والبلديات حلاً بيئياً - صحّياً يراعي المنطقة الفقيرة وأهلها. الحلّ جاء أخيراً «على عجل» بإنشاء مطمر للنفايات في الفوار (زغرتا)، لترتفع الاحتجاجات الشعبيّة ضد المشروع... وضد «تيار المستقبل»، بعدما تبيّن أن ملكيّة الأرض تعود إلى مقرّبين منه، وأن «مسوّقه» الأوّل عند وزير البيئة هو الأمين العام للتيار.«ما دخل تيار المستقبل في شيء إلا أفسده»، هذا ما يتداوله أخيراً أبناء البداوي والمنية ودير عمار، بعد علمهم بقرار مفاجئ اتّخذ لإنشاء مطمر للنفايات في الفوار (قضاء زغرتا)، متّهمين مقرّبين من التيار بالوقوف وراءه. اقتراح المطمر في المنطقة الواقعة على حدود طرابلس، جاء حلّاً مؤقتاً لأزمة النفايات المتفاقمة منذ أشهر في مختلف مناطق الشمال. الأزمة اشتدّت بعد إقفال مكب عدوة، الذي أعطى مالكوه مهلة فاقت الستّة أشهر للبلديات المستفيدة منه لإيجاد حلّ بديل. إلّا أن البلديات المعنيّة لم تأخذ الإنذارات المتتالية على محمل الجد، بما أوحى وكأن الأزمة كانت مفتعلة منذ البداية، وأن ثمة من أراد إيصالها إلى خواتيمها التي نشهدها اليوم.
في لقاء جمع عدداً من نواب الشّمال أخيراً مع وزير البيئة فادي جريصاتي، لإيجاد حلول للأزمة، «ظهر» اقتراح مطمر الفوار. أحد النواب المشاركين أوضح لـ«الأخبار» أن «جريصاتي هو من طرح أرض الفوار على النواب، على أن تكون مكبّاً مؤقتاً لنفايات 4 أقضية، هي زغرتا والمنية - الضنية والكورة وبشرّي». قطعة الأرض المقترحة تقع على العقار رقم 121 في بلدة مجدليا التابعة إدارياً لقضاء زغرتا... وهي أيضاً محاذية لطرابلس والبداوي ودير عمار. الاجتماع أعقبه جريصاتي في اليوم التالي، بزيارة ميدانيّة للأرض المنويّ إنشاء المكب عليها، لكّنه واجه اعتراضاً شديداً من الأهالي، منعه من الوصول إلى المكان.
الاحتجاج تحوّل إلى اعتصام مفتوح بدأه أبناء الفوار في الموقع المقترح، حيث نصبوا الخيم وافترشوا الأرض، رافعين لافتات رافضة لقرار وزير البيئة. وتسارعت وتيرة الاحتجاجات أمس، بعد انتشار خبر بين الأهالي، مفاده «أن قوّة كبيرة من الجيش تتوجّه لفضّ الاعتصام»، فتداعى المئات للانضمام إلى المعتصمين. الأهالي عبّروا عن امتعاضهم من «تحميل منطقتهم وزر نفايات باقي المناطق»، وقالوا لـ«الأخبار»: «نتّهم كل القوى السياسية من دون استثناء، بالمشاركة بجريمة الفوار».
المعتصمون وجّهوا رسالة إلى المعنيّين، مفادها «أننا سنواجه المشروع بكل قوّتنا، دفاعاً عن صحتنا وصحّة أولادنا»، وتوجّهوا إلى نواب الشمال، وأوّلهم نواب «المستقبل»، بالقول: «ما هكذا يردّ الجميل!».
تبعد الأرض المقترحة للمطمر عشرات الأمتار فقط عن «مشروع العويك السكني»، الذي يضم نحو مئة مبنى، وتحدّها على المقلب الآخر مساكن للجيش اللبناني، ومدارس وبيوت. كذلك سُرِّبَت وثائق حول أسماء مالكي العقار في الفوار (121 مجدليا - زغرتا)، تبيّن أن مالكيه محسوبون على «المستقبل». ووفقاً لمعلومات «الأخبار» فإن من سوّق لمطمر الفوار لدى جريصاتي هو الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري. المعلومات تشير إلى طموح الحريري إلى استبدال أرض مكبّ عدوة بأرض الفوار، التي استُخدمت سابقاً مقلعاً وكسارة.
دراسة مدى صلاحيّة الأرض المقترحة لإنشاء مطمر فوقها جاءت سلبيّة، بحسب رئيس قسم الجغرافيا في الجامعة اللبنانية الدكتور محمد الحاج. إذ أوضح أنه «أجريت دراسة، بطلب من اتحاد بلديات الفيحاء، حول إمكانية نقل مكبّ نفايات طرابلس إلى بلدة الفوار. وبعد الكشف على الأرض والاستعانة بصور من الأقمار الاصطناعية حول مجاري الأنهر والينابيع واتّجاهات الرياح والمحيط السكني قررنا وقف المشروع لكونه سيُلحق ضرراً صحياً وبيئياً كبيراً بالمنطقة». ولفت إلى «أن أرضية (العقار 121) ترابيّة مصابة بتشقّقات واسعة وواضحة، نتيجة استخدام الديناميت فيه بكثرة سابقاً (الأرض كانت مقلعاً وتضم كسارة)، ما يهدّد بتسرّب عصارة النفايات منها إلى الينابيع والمياه الجوفيّة وتلويثها».
الردود على التسريبات، بدأها أحمد الخير، أحد مالكي العقار، موضحاً أنه «حرصاً على حل أزمة النفايات في الشمال عموماً وفي المنية خصوصاً، عرض علينا المعنيّون تخصيصها مطمراً للنفايات، فكانت استجابتي بقبول العرض، اندفاعاً مني وحماسةً لإنهاء الأزمة التي استفحلت كثيراً... وذلك بشرط عدم وجود أي اعتراضات على ذلك من قبل سكان الفوار والمناطق المجاورة».