بدأت وزارة العمل منذ أسبوع، تطبيق خطّتها لـ«مكافحة العمالة الأجنبيّة غير الشرعيّة». في الظاهر «تكافح» العامل السوري تحت وطأة خطاب الكراهية ضدّ النازحين السوريين ومبدأ «اللبناني أولاً»، فيما تصطدم على الأرض بخصوصيّة العامل الفلسطيني الذي يرفد دورة الإنتاج في لبنان منذ أكثر من 70 عاماً. «الانتفاضة» الفلسطينية التي شهدتها المخيّمات احتجاجاً على تطبيق الخطة، لا تنفصل عن كون ظروف اللاجئين الفلسطينيين مختلفة ولا يمكن مقارنتها بأي لاجئين آخرين. ملاحقة مفتّشي الوزارة للعمال الفلسطينيين الذين لا يحملون إجازات عمل، لا يطرح السؤال حيال «استفاقة» الوزارة على تطبيق القانون، وحسب، بل أيضاً عن سبب عدم تقدّم الفلسطينيين (كما تظهر الأرقام) للحصول على إجازات عمل بالرغم من استثنائهم من دفع أي رسم عليها. المشكلة إذاً، في مكان آخر. أحد أسبابها يكمن في أن تسجيل العامل الفلسطيني يفرض على صاحب العمل منذ عام 2010، دفع 23.5% من قيمة راتبه للضمان الاجتماعي، ليستفيد العامل من تعويض نهاية الخدمة، وهو ما يمكن أن يوضع في إطار تهرّب أصحاب العمل من هذا التسجيل من أساسه. السبب الآخر كما يشكو الفلسطينيّون هو في «الشروط التعجيزيّة» للحصول على الإجازة... كلّ ذلك يضاف إلى «العنصريّة» اللبنانيّة الفريدة والمستمرّة حيال حظر العديد من «المهن الحرّة» على الفلسطينيين.استهدفت خطة وزارة العمل «مكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية»، بالدرجة الأولى، العمال من النازحين السوريين. غير أن الاحتجاج عليها جاء من جانب اللاجئين الفلسطينيين. التحرّكات الرافضة للخطة شملت في اليومين الماضيين، عدداً من المناطق والتجمّعات ومخيمات الرشيديّة (صور) والبداوي (الشمال) وعين الحلوة (صيدا) وبرج البراجنة (بيروت)، مع وعود بالتصعيد اليوم. إذ دعا «ائتلاف حق العمل للاجئين الفلسطينيين والمؤسسات والجمعيات العاملة بالوسط الفلسطيني في لبنان»، إلى مسيرة تنطلق من الكولا باتجاه مقرّ المجلس النيابي، الثالثة بعد ظهر اليوم، احتجاجاً على ملاحقة العمال الفلسطينيين غير الحاصلين على إجازات عمل.
«رسالة» التصعيد من المخيّمات الفلسطينيّة، تلاها اجتماعان عقدهما وزير العمل كميل أبو سليمان، أمس، مع رئيس لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني الوزير السابق حسن منيمنة والسفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور الذي طالب بـ«وقف القرار إلى حين التوصل إلى تفاهم وتوضيح بعض الأمور».
السعي الفلسطيني في الاجتماعات الثنائيّة يتركّز، وفق معلومات «الأخبار»، على التوصل إلى «آلية يقرّها مجلس الوزراء لا تتبدّل مع كل وزير جديد»، و«تسريع البتّ بالمراسيم التنفيذية لقوانين سابقة». مصادر الوزارة أكّدت لـ «الأخبار» أن خطة وزارة العمل لم تستهدف الفلسطينيين، إذ جرى «إقفال مؤسسة واحدة عائدة لفلسطيني»، فيما معظم الإقفالات طاولت محال لنازحين سوريين. ولفتت إلى توصّل المفاوضات إلى «خفض المبلغ الذي يتوجّب على صاحب المؤسسة الفلسطيني دفعها كمساهمة في رأس مال المؤسسة، من مئة مليون ليرة، إلى 25 مليون ليرة، فيما يستوفى باقي المبلغ لدى إقدامه على تصفية الشركة... وهو رقم مقبول كونه لا يضاهي الأجور المفترض سدادها للعاملين في المؤسسة». المقصود بهذا الشرط هو القرار 1/221، الذي يفرض على «أصحاب العمل الأجانب الذين يتقدّمون للحصول على إجازة عمل (فئة أولى)، ألاّ تقلّ حصة الأجنبي في رأسمال المؤسسة أو الشركة عن مئة مليون ليرة».
وفي ما يخصّ الالتباس حول الشروط التعجيزية لحصول الفلسطينيين على إجازات عمل، يوضح أيدا أن الشروط تتضمن «التقدم إلى إجازة العمل وإبراز عقد عمل من صاحب العمل لدى كاتب بالعدل وإفادة تسجيل بالضمان الاجتماعي... وباقي الأوراق الثبوتية»، ويحصل الفلسطيني على إجازة عمله «تلقائياً». علماً أن هذه الإجازة لا تشمل مهناً عدة لا تزال «محظورة» على اللاجئ الفلسطيني تبعاً لقوانين وأنظمة المهن الحرة المحصورة باللبنانيين دون سواهم، مثل الطب والمحاماة والهندسة والصيدلة والمحاسبة والعلاج الفيزيائي وسواها. هذا الحظر «القديم»، لا يرتبط بخطة وزارة العمل، غير أن الجديد فيها أنها تتشدّد لجهة حصول العامل الفلسطيني، كما السوري (والعمال الأجانب) على إجازات عمل. علماً أن الوزارة «تمنح إجازات للفلسطينيين للعمل في قطاع التمريض، نظراً إلى الحاجة لهم في هذا القطاع بالرغم من شمول هذه المهنة بقوانين صادرة عن المجلس النيابي» بحسب أيدا. «الحيرة» التي أصابت العمال الفلسطينيين إزاء تطبيق الخطة، دفعت وزارة العمل إلى إعادة التذكير، بأن العامل الفلسطيني مستثنى من دفع رسم إجازة العمل الصادر عنها (المادة الأولى من القانون 129 – تعديل المادة 59 من قانون العمل)، فيما يدفع صاحب العمل الفلسطيني 25% فقط من قيمة رسم إجازة العمل الخاصة بأصحاب العمل (المادة 26 من القانون 1/70).
مصادر الوزارة أكّدت «إقفال مؤسسة واحدة عائدة لفلسطيني» ومعظم الإقفالات طاول نازحين سوريين


شرط الوزارة «حصول الجميع على إجازات» مربطه في مكان آخر كما أعلنت، وهو «استفادة العامل الفلسطيني الحاصل على إجازة عمل من تعويض نهاية الخدمة من الضمان الاجتماعي». هذه الاستفادة كُرّست عام 2010، بعد تعديل المادة التاسعة من قانون الضمان الاجتماعي، شرط أن يكون العامل مقيماً في لبنان وحائزاً على إجازة عمل وفق القوانين والأنظمة المرعية. هذا التعديل قضى بـ«تدفيع صاحب العمل 23.5% من قيمة الراتب الشهري لكل عامل فلسطيني لصالح الضمان الاجتماعي ليستفيد العامل من تعويض نهاية الخدمة فقط (من دون أن يتعداه إلى صندوقي المرض والأمومة والإستشفاء)» وفق أيدا. وبحسب مصادر معنية، فإن هذا الشرط هو ما يدفع أرباب العمل، لبنانيين وأجانب، إلى التهرب من تحصيل إجازات عمل للعمال الفلسطينيين.
على المقلب السياسي، اتّسم جدول لقاءات أبو سليمان أمس، بـ«لقاء القطاعات المتضرّرة من الخطة»، إذ التقى نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء وجمعيّة الصناعيين اللبنانيين، ووزير الصناعة وائل أبو فاعور بحثاً عن «آلية عمليّة لاستخدام بعض القطاعات الصناعيّة لليد العاملة اللبنانية المتخصّصة». تلاه مؤتمر صحافي مشترك للوزيرين، عبّر أبو فاعور فيه عن «دعم وزير العمل وخطته بإعطاء اليد العاملة اللبنانية الأولويّة». أما في ما يخصّ قطاع الصناعة وحاجته إلى العمالة الماهرة، فقال: «المشكلة لدى الصناعيين أنه ينقصهم يد عاملة لبنانية... فإهمال الدولة لقطاع الصناعة أدّى إلى شبه انقراض لليد العاملة الصناعية المحترفة، والصناعي يقفل أبوابه من دون العامل الأجنبي»، معتبراً أن «الصناعات تحتاج الى مقاربة خاصة واستثناءات من وزارة العمل للمصانع التي تشغّل أيدي عاملة أجنبية». من جهته أصرّ أبو سليمان على «أن القانون يطبق على الجميع ولا استثناءات»، وأنه لـ«الفلسطينيين خصوصية ونحثهم على تسجيل أسمائهم ولن نقوم باستثناءات في القانون». وعن خصوصية بعض القطاعات قال وزير العمل «متفقون على إعطاء الأولويّة لليد العاملة اللبنانية، مع احترام خصوصيات للقطاعات التي تحتاج الى نظرة خاصة إذا لم توجد يد عاملة لبنانية على قاعدة مقابل كل أجنبي واحد 3 لبنانيين، ومستعدون للبحث في هذه القاعدة إذا لزم الامر».



الفلسطينيّون بالأرقام
حتى عام 2016، تسجّل 592711 لاجئاً فلسطينياً في سجلات وزارة الداخلية والبلديات، فيما بلغ عدد اللاجئين المسجّلين لدى وكالة الأونروا 459292 لاجئاً حتى آذار 2016.
التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان لعام 2017، الصادر عن دائرة الإحصاء المركزي، أظهر أن نسـبة البطالة في سن العمل (بين 15 و64 سنة) بلغت 18.4% من الأفراد الفلسطينيين المشمولين فـي القوى العاملة (حجم قوة العمل 51393). التعداد بيّن أن نحو 45% من اللاجئين الفلسطينيين يقيمون في مخيمات، مقارنة مع 55% يعيشون في تجمعات ومناطق محاذية.


الإجازات للفلسطينيين بالأرقام
بالرغم من أن اللاجئ الفلسطيني مستثنى من دفع أي رسوم للحصول على إجازة العمل، واستفادته في حال حيازتها من تعويض نهاية الخدمة في الضمان، إلاّ أن «عدد إجازات العمل الممنوحة لفلسطينيين عام 2016 لم تتعدَ 729 إجازة» وفق موقع لجنة الحوار اللبناني ـــ الفلسطيني. أما أرقام وزارة العمل بشأن إجازات العمل الممنوحة لفلسطينيين، فتبيّن توزّع الإجازات بين إجازة ممنوحة لأول مرة أو إجازة مجدّدة، ووفق الفئات الأربع، بين عامي 2014 و2017، فيما لا تحدّد بيانات عام 2018 إجازات العمل لحاملي الجنسية الفلسطينية.
عام 2014، بلغ عدد الإجازات المجدّدة لفلسطينيين 621 (من أصل 155,161 إجازة عمل مجددة لأجانب)، معظمها تتوزّع على الفئتين الأولى والثانية (نوع العمل الأكثر حصولاً على إجازات: عامل فرن 308 إجازات) مع صفر إجازات من الفئة الرابعة. مقابل 206 إجازات لفلسطينيين ممنوحة لأول مرة.
عام 2015، جدّد 625 فلسطينياً إجازة عملهم (من أصل 148,800 إجازة عمل مجددة لأجانب) غالبيتها من الفئة الثالثة (242 إجازة). مقابل 223 إجازة لأول مرة (من أصل 60,814 إجازة لأول مرة للأجانب).
عام 2016، جدد 610 فلسطينيين إجازات عملهم (من أصل 155,125) غالبيتها من الفئة الثانية (237 إجازة)، مقابل 104 إجازات حصلوا عليها للمرة الأولى.
عام 2017، اختلفت تقسيمات بيانات الوزارة للفلسطينيين، حيث قسمتهم إلى فلسطيني لاجئ إلى لبنان (249 إجازة مجددة، غالبيتها لفئة ممرض وعامل فني)، وفلسطيني (381 إجازة مجددة، غالبيتها لفئات عامل حمال وعامل مستودع وعامل تنظيفات)، وفلسطينيي الـ48 (7 إجازات مجددة)... هذه الإجازات من أصل 169,538 إجازة مجددة لأجانب. مقابل 219 إجازة لأول مرة للفلسطينيين اللاجئين إلى لبنان، و30 للفلسطينيين، و4 لفلسطينيي الـ48.