ضربة جديدة يُعدّها الأميركيون لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا)، بعد الشروع في خطة تصفية الوكالة كجزء أساسي مما يسمى «صفقة القرن». فما يحصل في مكاتب الوكالة في العاصمة الأردنية، عمّان، هذه الأيام، يعكس نيّة الأميركيين ترجمة تصريحات الرئيس دونالد ترامب إلى إجراءات، بعدما قال إن «الوكالة فاسدة وغير قابلة للإصلاح». وبحسب آخر المعلومات، قامت لجنة تحقيق خاصة مرسَلة من قِبَل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الأسبوع الماضي، بالتحقيق مع مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة الوكالة، بينهم نائبة المفوّض العام الأميركية ساندرا ميتشيل، ومصادرة أجهزة إلكترونية وحواسيب وهواتف، قبل أن تعود إلى نيويورك. ومن المفترض أن ترجع اللجنة إلى عمّان بعد نحو شهر، برفقة محقّقين مختصين وموظفين كبار في الأمم المتحدة، للتحقيق مع المفوض العام السويسري بيار كرينبول، وميتشيل، بتهم فساد واستغلال للسلطة، وإلغاء عقود موظفين وتجميد آخرين، وتعيين بدلاء من دون مراعاة أدنى معايير التوظيف في الوكالة.هكذا، بعد سنوات من تلك الممارسات المعروفة لدى معظم الموظفين الرفيعين في «الأونروا»، تَقرّر إرسال لجنة التحقيق الآن. «صحوةٌ» لا يبدو مصادفة تزامنها مع بدء النقاشات التي تسبق تجديد مهمة الوكالة في أيلول/ سبتمبر المقبل، في ظلّ إعلان الأميركيين وقف تمويلهم لها، واشتداد أزمة حصولها على مصادر تمويل بديلة من الدول المانحة. هذا لا يعني بالضرورة أن غوتيريش استجاب لطلب أميركي ببدء التحقيقات، إلا أن مسار الأحداث، وارتباط آخر حلقاته بموظفة مثل ميتشيل، محسوبة على الخارجية الأميركية وتربطها صلات وثيقة بوكالات الاستخبارات الأميركية، وهي عملت على إغلاق مكاتب الوكالة في مدينة القدس منذ نقل السفارة الأميركية إلى المدينة المقدسة وفي غزة أيضاً، ووظفت عدداً كبيراً من الأميركيين والبريطانيين وزوجها الأوسترالي، تجاوزاً لأصول التعيين في الوكالة برواتب عالية من أموال اللاجئين الفلسطينيين، يقطعان الشكّ باليقين في ما يتصل بالغاية من غضّ النظر كل هذه السنوات، ثم تركيب ملفّ لشيطنة الوكالة، بدءاً من أعلى الهرم.
الفساد بين موظفي الصف الأول كان مكشوفاً ولم يحرك أحد ساكناً


وليس خافياً أن إدارة ترامب رسمت مساراً لتصفية «الأونروا» تحت ثلاثة عناوين: الأول تفكيك مفهوم اللاجئ، وحصر المعنيّين به بالجيل الأول من الفلسطينيين الذين أُخرجوا من أرضهم، وكذلك تفكيك المخيمات الفلسطينية لإسقاط الشواهد التاريخية على اللجوء، وربط فكرة اللاجئ الفلسطيني بوجود لاجئ يهودي هُجِّر إلى فلسطين من الدول العربية. والثاني، الضغط على الأمم المتحدة والدول الأخرى لوضع جدول زمني لإنهاء الوكالة في أقلّ من خمس سنوات. أما الثالث، فهو إعلان «الأونروا» مؤسسة فاسدة غير قابلة للإصلاح. وفي هذا السياق، ليس مصادفةً أيضاً أن يكون البديل الجديد لنائب وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد، هو ديفيد شينكر، صاحب نظرية أن «الأونروا» وُجدت لحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين وليس لتأبيد القضية.
ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ تضغط ميتشيل وكرينبول على موظفين وتبتزّ بعضهم بملفات محددة، وتقدّم مبالغ مالية طائلة لهم لتقديم استقالاتهم والابتعاد عن عمل الوكالة. وفيما يتداول موظفو «الأونروا» على صفحات «فايسبوك» خبر استقالة مسؤول هيئة العاملين، حكم شهوان (راجع «الأخبار»، عدد 31 أيار 2017، «محرقة» لوعي اللاجئ الفلسطيني: «إسرائيليون» في «الأونروا»!)، تشير المعلومات إلى أن ميتشيل وكرينبول طرحا على أرفع موظفة لبنانية في «الأونروا» عرضاً مالياً لتقديم استقالتها والابتعاد عن التحقيقات، وهدّداها ــــ لدى رفضها العرض ــــ بطردها خلافاً للقانون. وبعد تعرّضها للتهديد، لجأت الموظفة اللبنانية، أول من أمس، بحسب ما علمت «الأخبار»، إلى السفارة اللبنانية في عمّان للإبلاغ عن التهديدات التي تتعرض لها، فيما قدّم المفوّض العام للوكالة شكوى ضدها لدى الخارجية الأردنية.