في جلسة مجلس الوزراء أمس، قرر رئيس الحكومة سعد الحريري، التبشير بالمزيد من التقشف. والتقشف الذي يُقدّم، شعبوياً، كنقيض للهدر، لا يُعد، وفق خبراء اقتصاديين، سوى وصفة للركود والانكماش الاقتصاديين. الدولة، بإقرارها سياسة التقشف، تريد خفض الاستهلاك والاستثمار، ما يعني تراجع النمو والوظائف. في مشروع موازنة 2019، اعتمدت الحكومة سياسة التقشف، وفرض ضرائب على الاستهلاك (كالرسم على الاستيراد، على سبيل المثال لا الحصر). وباعترافها، ستؤدي هذه السياسة إلى خفض القدرة الاستهلاكية للدولة، وللمواطنين. لكنها تراهن على أموال «سيدر» لتحفيز الاقتصاد. ورغم أن قروض مؤتمر «باريس 4» لا تزال غير مضمونة الوصول، إلا أن الحريري مصرّ على سياسة التقشف. على طاولة مجلس الوزراء أمس، دعا إلى إنجاز مشروع موازنة 2020 قبل موعدها الدستوري (أن تُحال على مجلس النواب قبل نهاية خريف 2019، إذا أنجزت الحكومة ذلك، فستكون قد حققت سابقة تاريخية)، مشدداً على «ألّا يتضمن مشروع موازنة 2020 أي زيادة في الإنفاق، أي التزام ما اتُّفق عليه في مشروع موازنة 2019، وإذا استطعنا التخفيض في موازنة 2020، ومن المؤكد أننا سنخفض مجدداً، و هناك اتفاق على ألّا تتم زيادة النفقات». وتحدث الرئيس الحريري وأصرّ على «أننا في شهر تموز يجب أن نكون قد أقررنا مشروع الموازنة وخطة ماكنزي».ماذا يعني كلام رئيس الحكومة الذي لم يعترض عليه أحد من الوزراء؟ كلام الحريري يعني أنْ ليس لدى الحكومة لتبشّر به سوى المزيد من الركود. فالتقشف، وخفض الإنفاق، تلاقيهما سياسة مصرف لبنان الذي يغري المصارف لدفعها إلى تجفيف السيولة من السوق، وتحويل ودائع زبائنها إليه. ذريعة المصرف المركزي المعلنة، أنه لا يريد مزيداً من الاستهلاك، لأن الاستهلاك يؤدي إلى طلب على الدولار لتمويل الاستيراد، ما يستنزف احتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية. وهذا يعني أن الركود سيبقى عنوان المرحلة المقبلة، في ظل التلاقي بين سياستي كل من الحكومة ومصرف لبنان.
على صعيد آخر، قرّر مجلس الوزراء منع البلديات من القيام بأي عقد بالتراضي ابتداءً من 1/1/2020، وحدد مهلة 6 أشهر لاتخاذ التدابير اللازمة وتحضير دفاتر الشروط.

سجال المال والدفاع
من جهة أخرى، شهدت جلسة لجنة المال والموازنة أمس سجالاً بين وزير المال علي حسن خليل ووزير الدفاع الياس أبو صعب، على خلفية المادة 76 من مشروع قانون الموازنة، التي تمنع الإحالة على التقاعد في السنوات الثلاث المقبلة، إلا لمن بلغ السن القانونية للتقاعد. وفيما تمسّك خليل بهذه المادة، مذكّراً بأنها أقرت في مجلس الوزراء بالإجماع، ردّ أبو صعب بأنها أقرت بإجماع الكتل الوزارية وأنه تحفّظ عليها. وقال أبو صعب إنها تؤدي إلى إرباك في المؤسسة العسكرية، وخاصة أن قيادة الجيش تريد خفض عديد العمداء إلى أقل من 150 عميداً، لأن لا حاجة لأكثر من ذلك العدد. فردّ خليل بالقول: «تقدمتم بطلب تقاعد مبكر لنحو 50 عميداً، وتريدون ترقية نحو 50 عقيداً إلى رتبة عميد. وبالتالي، أنتم تحافظون على العدد نفسه من العمداء». وأضاف خليل أن «كلفة التقاعد المبكر على الدولة كبيرة جداً، وكلفت الخزينة عام 2018 أكثر من ألف مليار ليرة، واضطررنا إلى استدانة نحو 750 مليار ليرة لدفع تعويضات التقاعد المبكر من المؤسسات العسكرية والأمنية». ولفت وزير المال إلى أن المادة 76 من مشروع الموازنة لا تستهدف الجيش والمؤسسات الأمنية، بل هي تشمل كافة المؤسسات الرسمية والإدارة العامة.
خليل: اقترضنا 750 مليار ليرة لتمويل تعويضات العسكريين عام 2018

ورد أبو صعب بالقول إن منع التقاعد المبكر مدة ثلاث سنوات سيؤدي إلى مراكمة المبالغ التي يتحدّث عنها وزير المال، وستكون مضاعفة 3 مرات عند انتهاء صلاحية المادة 76، كذلك فإن من سيتأخر تسريحه سينال تعويضاً أكبر، وبالتالي سيكلّف الخزينة مالاً أكثر. وردّ خليل بالقول إن الأفضل خفض كلفة الدين العام الإضافي الذي سيرتفع نتيجة الاستدانة لتغطية كلفة التعويضات في السنوات الثلاث، في ظل فوائد مرتفعة قد تنخفض مستقبلاً.
وفي ظل هذا السجال، قررت لجنة المال والموازنة إرجاء البحث في هذه المادة، إلى حين الاتفاق بين الوزارتين على صيغة موحدة.

الموازنة تستعيد «الموازنات الملحقة»
وكانت لجنة المال والموازنة قد أقرت المادة 72 من الموازنة بعد تعديلها. وتتعلق هذه المادة بإجازة فتح اعتمادات وتحويل الوفر الاضافي من الموازنات الملحقة إلى الموازنة، التي تمنح وزير المالية صلاحية فتح اعتماد إضافي في حال توافُر أموال في الاتصالات والمرفأ وأماكن أخرى لتحويلها مباشرة إلى الخزينة. وقد اعتبرت اللجنة أن هذه المادة بصيغتها الحكومية تخالف المادة 85 من الدستور التي تعطي حق فتح الاعتماد الاستثنائي للمجلس النيابي فقط. ولذلك، اقترحت اللجنة تعديلاً ينصّ على اعتبار أيّ وفر يتحقق إيراداً في الموازنة، فيحوّل فوراً إلى حساب الخزينة، بما يلغي الحاجة إلى فتح اعتماد إضافي ومخالفة الدستور.
وأوضح رئيس اللجنة إبراهيم كنعان، أن اللجنة «أخضعت كذلك المؤسسات والهيئات العامة (أوجيرو، مجلس الإنماء والإعمار، إدارة مرفأ بيروت...) وكل ما يمتّ إلى هذا المال العام بصلة للموازنة وأصبحت مرتبطة فوراً بالخزينة ولم تعد جزيرة معزولة عنها».
أما في ما يتعلق بالمادة 75 المتعلقة بدمج الموازنات الملحقة (الاتصالات، الحبوب والشمندر السكري، اليانصيب الوطني) بالموازنات العامة، والتي ينص مشروع الحكومة على بدئها في عام 2021، فقد طالب عدد من النواب بدمجها فوراً. لكن بعد النقاش، وتوضيح المدير العام للمالية العامة ألان بيفاني «أن الوزارة غير جاهزة حالياً لهذا الدمج، وهي تحتاج بعد 35 عاماً من الفصل إلى بعض الوقت لتحضير الأرضية لذلك، قررت اللجنة أن تبدأ الحكومة إجراءات الدمج في نهاية العام الحالي وبداية عام 2020 بدلاً من عام 2021».