الولايات المتحدة الأميركية ليست فقط الداعمة لـ«اسرائيل»، وراعيتها السياسية والعسكرية، بل هي شريكتها في قصف لبنان وتدمير بنيته التحتية واغتيال المدنيين فيه. لم يكن الدور الأميركي، خلال حرب تموز، خافياً على أحد. «على المكشوف»، كانت الولايات المتحدة تُموّل «إسرائيل»، وترفدها بكلّ ما يلزم لضرب كلّ لبنان. ولم يقتصر ذلك على حراك المسؤولين الأميركيين، وتحريضهم السياسي ضدّ الدولة اللبنانية وحزب الله، ومُعارضتهم أي وقف لإطلاق النار، وإمداد العدو بالأسلحة اللازمة لتحقيق نصر على المقاومة... بل تمثّل في التعاون الاستخباري بين واشنطن وتل أبيب، وتبادل معلومات سرية، تُساعد «اسرائيل» على تنفيذ عمليات ضدّ المقاومين وأهداف لبنانية أخرى. وردت هذه المعلومات في وثائق سرية، نُشرت على موقع إخباري داخلي تابع لوكالة الأمن القومي الأميركية - SID Today - سرّبها الموظف السابق في الوكالة نفسها إدوارد سنودن. وهي تُقدّم لمحة عن العلاقات الاستخبارية بين الولايات المتحدة و«اسرائيل»، خلال الـ2006، يوم ضغط المسؤولون العسكريون الاسرائيليون، في وحدة «8200» (المختصة بالتجسّس التقني) التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على نظرائهم الأميركيين في وكالة الأمن القومي (NSA) «للمساعدة في اغتيال أعضاء في حزب الله». في القانون الاميركي، يُمنع على وكالة الأمن القومي تبادل المعلومات مع جهة ثانية، إلا أنّ الكيان الصهيوني يبقى دائماً صاحب الموقع المُميز لدى واشنطن، الذي يُمنح الاستثناءات. فقد نجح مسؤولو العدو في الوصول إلى «تسوية» مع الأميركيين، ووضع إطار مُعيّن لتبادل المعلومات، لاستهداف المقاومة، حتى ولو شهدت العلاقة في البداية توتراً بين «اسرائيل» ووكالة الأمن القومي، نتيجة إلحاح الاسرائيليين بشكل كبير للحصول على المعلومات السرية. وقد نشر موقع «SID Today»، مقالة لضابط أميركي في وكالة الأمن القومي في تل أبيب - لم يُذكر اسمه - أجرى اتصالات مع مسؤولين عسكريين اسرائيليين، كاشفاً أنّ الوحدة «8200» ركّزت على الحصول على معلومات تتعلق بمواقع جغرافية تابعة لحزب الله. وقد وُصف هذا الطلب بـ«الإشكالي». ومن أجل شرح «الحظر القانوني على وكالة الأمن القومي، للكشف عن معلومات قد تُستخدم في عمليات اغتيال»، عُقدت نقاشات عديدة مع المسؤولين في وحدة «8200»، في «وقت متأخر من الليل، وكانت متوترة أحياناً».الحجة المُكرّرة التي تستخدمها «اسرائيل»، في صراعها ضدّ حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، هي «محاربة الارهاب»، الشعار الذي يُطرب آذان «المجتمع الدولي». ومن الباب نفسه، تسلّل العسكريون في الوحدة «8200» للحصول على مبتغاهم. فيُخبر الضابط الأميركي في مقالته أنّ قائد الوحدة داني هراري، طلب إعفاءً من الحظر القانوني على تبادل المعلومات، مُعلّلاً بأنّ المنع «ليس فقط مخالفاً لقتال إسرائيل ضدّ حزب الله، بل للحرب الأميركية ضدّ الإرهاب». في نهاية المطاف، توصلت وكالة الأمن القومي «إلى حل وسط» مع الاسرائيليين، يقتضي بأن يُحدد مدير الاستخبارات القومية الأميركي ما المسموح بمشاركته مع الاسرائيليين، بشكل لا يتعارض مع الأنظمة الأميركية، من دون أن تكشف الوثيقة عن تفاصيل الترتيب الذي اتُبع.
موقع «ذا انترسبت» كشف عن الوثيقتين يوم الأربعاء الماضي. وإضافةً إلى مقالة الضابط الأميركي، مثّلت الوثيقة الثانية عرضاً داخلياً لوكالة الأمن القومي، حصل في الـ2007، حول تبادل المعلومات الاستخبارية مع «اسرائيل». وتذكر أنّ المسؤولين الاسرائيليين واجهوا «قلقاً كبيراً»، و«اعتمدوا على دعم الأمن القومي خلال حرب 2006 مع حزب الله». طلبوا معلومات عن «الجنود الاسرائيليين المخطوفين في لبنان، ودور إيران في عمليات الاختطاف هذه، وجمع معلومات استخبارية عن طريق اعتراض الإشارات، والحصول على البيانات الجغرافية. كُتبت على هامش الوثيقة، ملاحظة بخط اليد وصفت النقطة الأخيرة بأنها إشكالية... ليس واضحاً حجم التعاون الذي قدمته وكالة الأمن القومي لإسرائيل في هذا الصراع (حرب تموز)».
وفي التقييم الداخلي للأمن القومي، خُصّص جزءٌ للحديث عن المجهود الحربي لحزب الله. فتبيّن أنّ الأخير «كان مستعداً جداً للصراع، وحصل على دعم لوجستي من إيران وسوريا». وورد أنّ جبهة «إسرائيل» كانت تُعاني من «صحافة عالمية سيئة، في إشارة إلى تقارير نقدية حول الدمار الذي لحق بلبنان خلال الحرب، في مقابل استمرار الحياة في تل أبيب بشكل أو بآخر خلال القتال، كالفنادق والمطاعم المليئة بالزبائن». تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية أضاف أنّه «في أعقاب الحرب، تآكلت ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي، وانخفضت الروح المعنوية / الثقة العسكرية».
في تقرير «انترسبت»، تتم الإشارة إلى وجود إشارات إلى «أنّ لبنان وإسرائيل يقتربان من مواجهة أخرى، يمكن خلالها للوحدة 8200 أن تطلب مرة جديدة من وكالة الأمن القومي الأميركية الحصول على الدعم»، علماً بأنّ «قدرات الاسرائيليين على جمع المعلومات قد تحسنت منذ الحرب الأخيرة. إلا أن حزب الله قد حصل أيضاً على أسلحة جديدة، وأصبح هناك مناطق محصنة، تحت سيطرته، في جنوب لبنان». ويُشير إلى أنّه مع تصاعد التوتر بين حزب الله و«اسرائيل»، يكتسب تبادل المعلومات اللوجستية والجيوساسية والقانونية أهمية متزايدة. تبادل المسؤولين الأميركيين المعلومات الاستخبارية عام 2006 مع الإسرائيليين «يُسلط الضوء على الديناميكية الجيوسياسية الشائكة بين هؤلاء الحلفاء منذ زمن طويل، والذين يتعارض عمل وكالاتهم الاستخبارية في بعض الأحيان، كما يثير تساؤلات حول مشروعية مشاركة المعلومات الاستخبارية مع دولة شريكة تعمل خارج القيود القانونية الأميركية».