بعد أحد عشر شهراً من التشاور، لم يكُن إعلان أسماء التشكيلة الحكومية الجديدة حدثاً عابراً. بل زلزالاً أثار سخط جمهور فريقي الصراع، في 8 و14 آذار، على حدّ سواء. بدا ذلك واضحاً، من تعليقات هذا الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي، حتّى إن بعضهم (جمهور حزب الله تحديداً) خرج عن طوره، متهماً الحزب بالتنازل والرضوخ، ومعتبراً أن «ما حصل ينمّ عن إخفاق غير مسبوق، وتحديداً لجهة قبول شخصيات عرفت بعدائها المطلق للمقاومة». أما مناصرو 14 آذار، فانقسموا بين مرحّب، و«مصدّق» بأن فريقه حقق انتصاراً على حزب الله، وقلّة اعتبرت أن في الأمر «خدعة».
قبل شهر، برز اسما النائب نهاد المشنوق واللواء أشرف ريفي في بورصة التسميات. كانت حظوظهما في الحصول على حقائب وزارية ضئيلة. لكن الصاعقة جاءت عندما أسندت إليهما أكثر الوزارات أهمية وحساسية، الداخلية والعدل. كان ذلك كافياً ليسلّم جمهور فريق 8 آذار بهزيمة فريقهم وانتصار الفريق الآخر.
لكن جوّ فريق 14 آذار السياسي لا ينمّ عن انتصار. في العلن هو كذلك، أما في السرّ، فكثيرون بدأوا الحديث عن «حزب الله الذي طعمانا الضرب»، كما تقول بعض المصادر! وتوضح أن «حزب الله ربح جولة جديدة». لكن كيف؟ «في الشكل، حصل المستقبل على وزارات ثقيلة. لكن، في الترجمة العملية، فإن قبول الحزب الأمر يهدف إلى جرّ أقدام المستقبليين، وتحديداً الصقور منهم، إلى عمق الأزمة الأمنية المرتبطة بالأحداث في سوريا». وهذا يعني أن «قضية الأمن، التي شكّلت عبئاً على الحزب، أصبحت في ملعب فريق الرابع عشر من آذار»، وخصوصاً «مع انتشار ظاهرة التفجيرات والاغتيالات».
«حزب الله ذكي»، بهذه العبارة تجيب المصادر عند السؤال عن إسناد هاتين الحقيبتين للمشنوق وريفي تحديداً. في رأيها، «يريد الحزب أن يضعهما في مواجهة الشارع السني الذي يغلي، في ظل انتشار المجموعات الإسلامية، والجماعات الأصولية، تحديداً في طرابلس». وهنا، يطرح سؤال واحد نفسه: «كيف سيسلك الرجلان بين الألغام المزروعة في درب كل منهما؟». باختصار، ترى المصادر أن «الحزب حصل بذلك على الغطاء السياسي لمشاركته في الحرب داخل سوريا، وهذا أمر لا يقدّر بثمن»!
ومع أن فريق 14 آذار يبدو كمن حصل على حصّة الأسد في هذه الحكومة، دعت المصادر إلى التدقيق جيداً في عملية توزيع الحقائب لتحديد ميزان الربح والخسارة. وتوضح أن «فريق 8 آذار، ومعه التيار الوطني الحر، حصل على ثلاث حقائب سيادية أكثر أهمية». الأولى «وزارة المالية التي تتحكم بأي قرار إجرائي داخل الحكومة، وبإمكانها تحريك كل الوزارات المرتبطة بها»، وهي «الوزارة التي تشبّث بها تيار المستقبل لأكثر من عشرين عاماً». أما الثانية فهي «وزارة الخارجية التي تمثل لبنان في المحافل الدولية، والتي تُعد أكثر أهمية، في ظل اشتعال أوضاع المنطقة»، وليس مهماً أن يكون جبران باسيل هو وزيرها «فكلهم في النهاية نسخة عن عدنان منصور». أما الثالثة فهي «الطاقة، والجميع يعرف مدى أهميتها، بعد الاتفاقات التي تُعقد في شأن التنقيب عن النفط»، كما أن «الحصول عليها أتى بعد معارضة شرسة من فريقنا».
يضاف إلى ذلك انه «في مقابل تخلّي تيار المستقبل عن حليفه المسيحي الأساسي، القوات اللبنانية، ازداد تحالف حزب الله والتيار الوطني الحرّ قوة، فجرّ إليه تيار المستقبل، الذي وضع زعيمه الرئيس سعد الحريري محاربة الإرهاب في قائمة أولوياته، ليتقاطع بذلك مع شعار الحزب والتيار»، وهو «أمر كنا قد عبرنا عن خوفنا منه سابقاً، لأنه سيشغل المستقبل عن معركة 14 آذار الأساسية، وهي الوقوف في وجه سلاح حزب الله». كل ما حصل إذاً «إنجازات تسجّل لحزب الله، لا لفريقنا».
ولا تخفي المصادر تخوفها من «سلسلة التنازلات التي قدمها المستقبل في المرحلة السابقة، ومنها التراجع عن حكومة 14 آذار، ومن ثم حكومة الأمر الواقع، ثم تراجعت عن شرط انسحاب حزب الله من سوريا، كذلك عن عدم قبول إعطاء فريق 8 آذار الثلث المعطل، وربما يتراجع بعد ذلك عن رفضه لثلاثية الشعب والجيش والمقاومة في البيان الوزاري».
ما تريد هذه المصادر قوله إن ما حصل في اليومين الماضيين هو «فرح مزيف لانتصار مزيف لا يمكن أيَّ عاقل تصديقه». ها هو المستقبل اليوم «يحاول إقناعنا بأنه حصل على ما يريد». لكنه في الواقع «لم يحقق إلا انتصاراً داخلياً لتياره». وحدهما ريفي والمشنوق خرجا منتصرين في هذه المعادلة. الأول «بانتقاله من المحاور إلى السرايا الحكومية»، والثاني «باسترداده حقاً معنوياً، حيث غادر مبنى الداخلية مستشاراً (في أولى حكومات الرئيس رفيق الحريري، حيث كان مقر عمله مكان الوزارة حالياً) وعاد إليها وزيراً»!