في النصف الثاني من السنة الثالثة للولاية، يبدو رئيس الجمهورية ميشال عون مرتاحاً الى الاجراءات والتدابير المتسارعة «لاعادة ثقة المواطن بالدولة»، رغم الصعوبات والمشكلات. ما يسمعه منه زواره ان قراءته الاولى لمشروع قانون موازنة 2019 «فيه ثغر. ثمة ما لم يرد، سأقترحه في جلسة قصر بعبدا. العديد الجديد للدولة ليس مدرجاً في مشروع الموازنة. ما دمنا سلكنا طريق المكننة، لن نكون بعد الآن في حاجة الى هذا الجيش من الموظفين. المكننة تصغّر حجم الدولة وتريحها، وتلغي الفساد منها. لن نطرد احداً، بل ننتظر احالتهم على التقاعد ولا يؤتى بسواهم».«العوائق كبيرة وصعبة» يقول الرئيس، ويبدي قلقه على تردي الوضع الاقتصادي رغم تطمينات مقابلة: «لسنا في خطر حرب رغم الاشاعات وما يتردد. لا حزب الله يريد ان يحارب، ولا اسرائيل في وارد القيام بها او جاهزة لها. لست خائفاً على الامن، ولا على الخلافات السياسية التي لا ننتهي منها. اولويتي الاقتصاد فقط. الموازنة بالنسبة الينا هي الجرافة التي ستشق الطريق الى الخطة الاقتصادية، والى مباشرة تطبيق اصلاحات مؤتمر سيدر. الدول المانحة تنتظر منّا اشارة ايجابية الى خفض العجز. نحن في صدد خفضه نقطة او نقطتين. نعرف انه مستمر وليس من السهل التخلص منه، لكن الاشارة الاولى المطلوبة منا اقرار الموازنة بعجز اقل».

في مشروع الموازنة ثغر، ولديّ اضافات عليه (هيثم الموسوي)

الازمة الاقتصادية «متأتية من المجتمع سياسياً واقتصادياً ومالياً. موازنة 2019 امام الامتحان الفعلي. لا يمكن فرض ضرائب على الفقراء لأنهم غير قادرين على تسديدها، ولا على الاغنياء لأنهم يرفضونها ويعتبرونها عقبة في طريق استثماراتهم بذريعة انهم يغذون الدولة. الفقراء معروفون في كل مكان، اما الاغنياء فنعثر عليهم في المصارف وفي كل ما يدور من حولها. تبقى امامنا الطبقة الوسطى التي نعدّها قادرة، مع ان معظمها - ويا للاسف - اصبح في كندا واوستراليا. لستُ موافقاً على حصر الضرائب بالطبقة الوسطى، لكننا أمام خيارات صعبة تلزمنا الوصول الى تمويل الخزينة بأفضل معيار من العدالة. يمكن النظر الى عصر نفقات السلطات العامة. في هؤلاء ايضاً نجد اغنياء وطبقة وسطى، لكن حتماً ليس بينهم فقراء. أوقفنا التطويع في الاسلاك العسكرية والامنية، والتوظيف في الادارة. تعويضات الجيش لن تُمس لكنه مدعو الى التقشف. سننظر ايضاً في الرواتب الخيالية في بعض الادارات».
لبّ مواجهة الفساد عند عون يكمن في توفير «كرباج» رئيسي، هو القضاء الذي يفرض تطبيق القانون: «أنا مرتاح الى المعركة التي يخوضها القضاء في الملاحقات التي يجريها ضد المرتكبين والفاسدين، سواء من داخله او في خارجه. في الفترة الأخيرة اخرجنا الى العلن كل الارتكابات التي اخفيت لسنوات طويلة، في المستشفيات الحكومية وفي الضمان الاجتماعي وقصور العدل والدوائر العقارية وفي الاجهزة الامنية وسواها، اضف الاختلاسات والتزوير. وضعنا ايدينا على ما لم نتوقعه في بعض الاحيان، ان تكون ثمة علاقة رشوة بين قاض ومحام وتواطؤ. من اجل ذلك معركتنا طويلة ومستمرة. تبدأ بتنظيف القضاء نفسه بنفسه، وقد بدأها وانا أخوضها بقوة. حضر إليّ اخيراً قضاة يخبرونني، منذ اطلقت معركة تنظيفه، انهم في كل مرة يتلقون مكالمات هاتفية من سياسيين، كما اعتادوا قبلاً، في معرض ملفات قضائية امامهم يقفلون السماعة للفور. الذريعة: مش فاضيين. هكذا قالوا لي كي يعكسوا نَفَسَاً جديداً في قصور العدل. ثمة حذر من الرشاوى. اذن ضربنا الارض بأقدامنا وبدأنا نفعل».
مكافحة الفساد بكرباج قضاء نظيف


يضيف: «القضاء عند رئيس الجمهورية، اي رئيس للجمهورية، صنو الاستقرار. كما الاول يضمن العدالة وفرض القانون، فإن الجيش والاجهزة الامنية يفرضان الاستقرار والانضباط. اريد ان ارى القضاء على صورة الامن، مصدر الاطمئنان الحقيقي لدى اللبنانيين جميعاً ومرجع احتكامهم الى العدالة. وهو قطع شوطاً رئيسياً في ذلك. القضاء، كالامن، قاعدة اساسية لبناء الاقتصاد واستجلاب الاستثمار واطلاق المشاريع».
عندما يُسأل عن تقويمه في منتصف السنة الثالثة، لا يقلل رئيس الجمهورية من حجم المشكلات السياسية الحالية والمتراكمة، لكنه يضيف: «نحن في استقرار امني نُحسد عليه من الدول المحيطة بنا. لا خلاف على الوطن، ولا خلاف على الاستراتيجيا التي قررها لبنان. استقرارنا السياسي هو الاساس. اما خلافاتنا الداخلية فلا تنتهي. الآلية المتبعة الآن في مجلس الوزراء هي الآتية: متفقون على سياسة النأي بالنفس، وعلى فرض الاستقرار السياسي رغم الخلافات على الملفات. اما خارج مجلس الوزراء، فليُغرّد كل فريق ما طاب له وحيث شاء وتحالف في الخارج مع مَن يريد. ممنوع التعرّض للاستقرار السياسي، ومحظر على اي احد التلاعب بالامن. ثمة مشكلة لا تزال مثار خلاف داخلي مرتبطة بالنازحين السوريين. انا اعدّها الاخطر التي نواجهها، بينما ثمة آخرون يقللون من اهمية هذا الخطر. مشكلة النازحين باتت تتحكم بأكبر مقدار من قطاعاتنا وقدراتنا الاجتماعية والاقتصادية والامنية والتربوية والانسانية. لا الاقتصاد قادر على تحمّل عبئهم، ولا المدارس تتسع لاستيعاب ابنائهم. كل ما نسمعه من الخارج هو شكرنا على حسن الضيافة، ثم ينكفئ عنا هذا الخارج ولا يساهم في معالجة المشكلة معنا، وتقليل تداعياتها، ليس على بنى الدولة فحسب، بل كذلك على بنى المجتمع اللبناني وتركيبته الحساسة».

عندما يذهب وزراؤنا الى دمشق يعودون بنتائج تبعث فيّ الاطمئنان


ليس لدى رئيس الجمهورية شكوك في ان نظام الرئيس بشار الاسد يريد عودة مواطنيه: «حتى الآن تقول ارقامنا الرسمية ان 192 الف نازح عادوا. اذن عادوا الى بلدهم، واستقبلتهم دولتهم، بمَن فيهم الذين غادروا او عادوا على نحو غير شرعي. عندما اتكلم مع سوريا لا اعقد صلحاً معها، ولا أطبّع علاقاتي بها ما دامت بين بلدينا علاقات ديبلوماسية قائمة ومنتظمة، وسفيران يقومان بعملهما. عندما يذهب وزراء لبنانيون الى هناك يعودون بنتائج تبعث فيّ الاطمئنان. حينما ذهب اخيراً وزير الزراعة كان لمناقشة تصريف الانتاج وخفض الرسوم المجباة عليه بعدما تسببت الحرب السورية في ايصاد طريق وصولنا الى الداخل العربي. كذلك عندما ذهب وزير شؤون النازحين. آلية العودة يتولاها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم بتكليف مني. مع ذلك، نواجه بعض التداعيات بأكبر قدر من الحزم. في الاجتماع الاخير للمجلس الاعلى للدفاع طلبت، عملاً بالقانون، التشدد في تطبيق اجراءين: اولهما كل نازح يدخل الى البلاد خلسة يُرحّل او يُسجن. وثانيهما كل عمل تجاري يُقدم عليه نازح في اي بقعة على الاراضي اللبنانية، بفتح دكان او ممارسة تجارة او عمل يعتدي به على حقوق اللبنانيين، ولا يستوفي الشروط القانونية، يُقفل للفور. هذان التدبيران بوشر تطبيقهما».
يضيف الرئيس عون امام زواره: «قد يكون البعض في الخارج تفهّم وجهة نظرنا حيال اصرارنا على العودة الآمنة للنازحين السوريين الى بلادهم. عندما حضر اليّ وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو (22 آذار 2019) فصلت له ما بين العودة الآمنة والحل السياسي الذي لا ازال اجده مؤجلاً ومتعذراً، وتكلمت عن مثلين: الاول هو قبرص التي انقضى على تقسيمها 45 عاماً ولا تزال بلا حل سياسي، الا ان النازحين من شطريها عادوا الى مساقطهم بعد وقف النار. والثاني فلسطين التي لا تزال منذ 71 عاماً تنتظر الحل السياسي الذي لم يصل بعد، ولا احد يعرف متى وهل يحصل حتى؟ اعتقد ان بومبيو، بعد الذي ادلى به امام الكونغرس لدى عودته، ربما اعتقد بصواب وجهة نظرنا، وهي ضرورة ان يعود النازحون الى بلدهم. ما قاله هناك فيه الكثير من موقفنا كدولة لبنانية حيال العودة الآمنة. هل أذكّر ايضاً بما قلته للمستشارة الالمانية انجيلا ميركل عندما حضرت الى بيروت (22 حزيران 2018): ماذا لو استيقظتِ يوماً ووجدتِ 41 سورياً قبالة كل 82 المانياً. سكتت ولم تجب. وصلنا في لبنان الى معادلة مماثلة. من 400 شخص على الكيلومتر الواحد صرنا 700 شخص».