اليوم، صار عمر رلى (اسم مستعار) 26 عاماً. لو أن الأمور سارت كما تشاء هي، لكان ذلك العمر «أول البداية»، تقول. البداية في كل شيء: العمل والحب والزواج والإنجاب. لكنه، كان بالنسبة إليها «آخر العمر». فرلى، التي كانت تحلم بأن تكون كغيرها من الفتيات المتعلمات والعاملات، حرمتها «السترة» التي أرادها لها والدها في سن مبكرة من «طموحات» كثيرة كهذه. كانت رلى لا تزال في عمر الثانية عشرة، عندما قرر والدها مصيرها. يومها، كانت لا تزال تلميذة في الصف السابع الأساسي. جاء والدها بعرضه المغري «شاب مناسب وآدمي ومنيح».

يعني «إبن عيلة». لم توافق رلى على عرض والدها. خافت من فكرة الزواج، كأي طفلة لا تعرف ما الذي يعنيه هذا الأمر. لم يقتنع الوالد برفضها، وظل مصراً، متأبطاً المقولة التي تقول «زواج البنت سترتها».
هكذا، صارت السترة أمراً واقعاً، لم تجد الطفلة مفراً منه. وبعد إصرار من العائلة، قبلت الاقتران... بخيار والدها. تزوجت في عمر الخامسة عشرة. في مثل هذه السن المبكرة، غالباً ما تكون الأمور «مشوشة»، تقول. وبابتسامة خجولة، تتابع «يعني البنت بهالعمر ما بتعرف شو يعني زواج ولا شو يعني تكون ست بيت». مع ذلك، حاولت القيام بأدوار تكبرها بسنوات. وبعد تقبل فكرة الزواج، جاءتها الأمومة مسرعة، فبعد عامٍ واحد على ارتباطها صارت أماً. هنا، صار الهم أكبر، فكيف يمكن أن تكون أماً، وهي التي لم تعتد بعد على كونها امرأة؟ كيف ستحمل طفلاً بين ذراعيها وهي لا تزال طفلة؟ أسئلة كثيرة جعلتها في «موقع صعب للغاية. كان كتير صعب عليّ ربّي طفلة»، تقول. مرت سنتان، وجاءت الطفلة الثانية. كبرت العائلة شيئاً فشيئاً، فكبّلت طموحات رلى، إذ كانت تسعى إلى تحقيق حلمها في «العمل كأيّ صبية». هكذا، لم تعد قادرة على فعل شيء، فصارت حياتها محبوسة بين الجدران الأربعة. مع ذلك، فعلت ما تحلم به ـــ ولو بخجل ـــ «صرت اشتغل من البيت، اشتري أغراض وبيعن لنساء الحي»، ولا تزال تقوم بذلك إلى الآن. وقد يتبادر إلى الذهن سؤال: لماذا تفعل ذلك؟ هنا، تسارع رلى إلى الإجابة «لأشعر بشيء من الاستقلالية».
ربما، هذا الشيء الوحيد الذي يشعرها بذاتها. لهذا السبب، لن تقبل رولا بزواج أي من بناتها في سن مبكرة، «لأنو حرام». ولهذا أيضاً، تقول «أوعا» لكل فتاة تفكر بالزواج المبكر «يعني حرام أقل من 22 عاماً، فما قبل هذه السن، لا أتصور أن الفتاة ناضجة وقادرة على تحمل مسؤولية بيت وأطفال».
اليوم، تندم رلى على ما فعله والدها. لو أنها تزوجت في «العشرينات، يمكن كنت على الأقل أكملت دراستي وعملت في المكان والاختصاص الذي أحب». وهذا سبب كافٍ، لتكون امرأة «قوية، قادرة على مواجهة الرجل، لأن البنت عندما تتزوج في سن مبكرة، تكون خاضعة لزوجها بلا شك، وهو ما حصل معي، إذ تعرضت للعنف، حيث كان يضربني». مع ذلك، لم تشكُ رلى وجعها لأحد، باستثناء والدتها. لم تكن تجرؤ على البوح أكثر «كنت بفضّل ضلّ ساكتة، بس كرمال بناتي، لا أكثر ولا أقل». إلى الآن، تتعرض رلى للعنف، وإن لم يكن كما في السابق، ولكنها تبقى ساكتة. وستظل تسكت للسبب الذي زوّجها على أساسه والدها: السترة.