أربع قصص لأربع فتيات صرن «متزوجات» في غفلة من عمر «المراجيح»، لكنهن، لسن وحيدات في مصيرهن. فثمة حكايا كثيرة لم نسمع بها. ربما، لأنها حلت على طريقة العشائر «الحبية». تلك الطريقة البشعة التي وقفت معها الدولة على الحياد. وإن تدخلت، فستفعل كما يفعل المصلحون... وبالقانون أيضاً، إذ ستعفي المغتصب من جريمته فيما لو قام بتثبيت زواجه.
وهذا عار الدولة بذاته:

إيفا غ. (14 عاماً)

زوّجت إيفا الصغيرة من خاطفها حسين م. هكذا، انتهت قصة القاصر التي اختطفها قبل خمسة أشهر حسن م. وابنه حسين من أجل مقايضتها بدين يترتب على والدها.
يومها، وجدت عشيرة الخاطف أنّ من العار إعادة الطفلة إلى ذويها. ففي المنطق العشائري «الجرة التي انكسرت لا يمكن لملمة مياهها». لذلك، جرى التوافق على تزويجها لحسين، أحد الخاطفين، واستعانوا لهذا السبب برجل دين. هكذا، صارت إيفا، الصغيرة التي كانت في البيت اسمها «دورا»، امرأة. شرّع اغتصابها رجل دين، بحجة استناده إلى فتوى تقول «بجواز عقد قران البكر، من دون ولي أمرها، إذا كانت بالغة وراشدة». هذا ما يفترضه الشرع مثلاً، أما في القانون الذي من المفترض أن يحمي حقوق إيفا، كقاصر، فالواجب هو ملاحقة المتورطين في الجريمة، لكن، ما الذي حدث؟ عندما تقدمت عائلة إيفا بشكوى أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، تقضي بملاحقة المتورطين في جريمة «الخطف والاكراه والاغتصاب والاتجار بالبشر، وقفت الدولة موقف المتفرج. فبعد أكثر من 3 أسابيع من اختطاف الطفلة واغتصابها، عادت إيفا بكرم العشيرة ولم تعِدها الدولة، فقد انتظرت هذه الأخيرة حكم العشائر. أما الخاطفون، وبرغم صدور اشارة قضائية استثنائية تقضي بملاحقتهم الليلية، فلم يتحرك العناصر الأمنيون لإلقاء القبض عليهم، برغم معرفتهم بأماكنهم. وهذا قاس. لكن، ثمة ما هو أقسى، فهو عندما تقف الدولة موقف المتفرج على اختطاف الصغيرة مرة أخرى، مع وجود شكوى بحق الخاطفين تقضي عقوبتها بالأشغال الشاقة المؤبدة، بحسب المادة 569 من قانون العقوبات التي تنص في بندها الخامس «على أن من حرم آخر حريته الشخصية بالخطف أو بأي وسيلة أخرى، عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة إذا استعمل الفاعل ضحيته رهينة للتهويل على الأفراد أو المؤسسات أو الدولة بغية ابتزاز المال». على عين القانون، تنازلت الدولة عن دورها وتركت القصة للعشائر «كي تحلها حبياً»، بحسب المحامية بشرى الخليل.
اليوم، إيفا عادت زوجة خاطفها. لم يكن أمام والدها خيار آخر سوى إسقاط الحق الشخصي، «فالدولة التي يفترض أن تحميني تركتني وحيداً». أما الشيخ الذي عقد القران، فلا يزال يمارس نشاطه «تحت الدرج».

فاطمة ق. (11 عاماً)

بعد إيفا، جاء دور فاطمة. ابنة بلدة السويسة العكارية الفقيرة، صارت هي الأخرى امرأة، بعقد من دون ولي أمرها. قد تكون هذه الفتاة حسمت أمرها بالزواج بالشاب الذي اختطفها ـ وهي قالت ذلك في شريط مصور ــ لكن هل هي «مسؤولة» في نظر القانون لتتخذ القرار وهي التي لم تخرج من طفولتها بعد؟ لا أحد أجاب والد الصغيرة عن سؤاله، اكتفى الغيورون بإرسال الوسطاء إليه لإقناعه بقبول زواج ابنته. أخضعوه. أما الدولة، فقد فعلت ما فعلته مع حسين غ. والد إيفا. انتظرت حكم العشائر، فيما بقيت الطفلة فاطمة «متزوجة».

كافيوتا ص. (14 عاماً)

كافيوتا هي ضحية اخرى. تشبه الأخريات. استغلها زوج عمتها عبد المجيد ص. اوقعها في حبه. تركت طفولتها خلفها وهربت مع رجل يكبرها بعشرين عاماً، لكنها، عادت الى منزل ذويها بعد اسبوعين. هي اليوم أسيرة المنزل خوفاً من هروبها المحتمل. لم تعد إلى مدرستها، فالعائلة خائفة مما قد تتعرض له. هكذا، صارت كافيوتا بلا شيء، فيما الخاطف موقوف ينتظر الافراج عنه.

زينب أ. (15 عاماً)

قبل بضعة أسابيع، هربت زينب مع شاب من قريتها الجنوبية وتوجهت مع حبيبها إلى إحدى الحوزات في العاصمة بيروت لعقد القران، الذي لم يكلفهما أكثر من بضع ليرات «بقشيش» للشيخ. وهو بقشيش لازم لكونها قاصراً. بعد أيام من الزواج، قرر الشاب ترك زينب، لتعود إلى عائلتها ضحية استغلال جنسي. المفارقة ان رجل الدين الذي عقد زواجهما لم يعطها نسخة عن العقد، تأكيدا على تواطئه مع الشاب ومعرفته المسبقة (ربما) بنياته. هكذا، لم يعد أمامها إثبات إلا فقدان عذريتها. أما الشاب، فقد أوقف في مكتب حماية الآداب، وقد اعترف في التحقيقات بأنه فعل ما فعله مع زينب، لكنه «لم يعد يريدها، لأنه يريد الالتحاق بالجيش لتأمين مستقبله».