لا يوافق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، مع ما يقال عن طبيعة دور القوات «المهادن» في هذه الأيام، ولا أنها في موقع المعزول إزاء دور التيار الوطني الحر والرئيس سعد الحريري وحزب الله. ولا يندم بالتأكيد على المشاركة في الحكومة، رغم أن «قوى سياسية حاولت طوال خمسة أشهر إبعادنا عن الحكومة، وكانت تفضل لو لم نشارك. لكن مشاركتنا أثبتت أنها فعالة وضرورية، وما حصل في ملف الكهرباء أكبر دليل على ذلك. ونحن مستمرون في أداء دورنا كاملاً، بدليل أن قوى لا نتفق معها سياسياً كحزب الله تؤيدنا في بنود كثيرة على طاولة مجلس الوزراء».يتفق جعجع أيضاً مع حزب الله على ضرورة التهدئة الداخلية، «فإذا كان الحزب في ظل هذا الوضع الإقليمي المتوتر، يريد تهدئة الوضع ولا يريد افتعال أي مشكلة ويذهب إلى معالجات ملفات المياه والكهرباء والصحة، فهل نذهب نحن إلى تفجيره ونحن نعلم خطورة الوضع الداخلي؟». بالنسبة إليه، طرفان سياسيان يتعاملان مع الوضع المحلي والإقليمي من زاوية استراتيجية، هما حزب القوات اللبنانية وحزب الله، «أما باقي القوى السياسية فتتصرف من الناحية التكتية».
يقول: «قرارنا التهدئة، رغم أن سقفنا السياسي لم يتغير، وعناويننا السياسية معروفة ولم نبدلها، لكن الخطر الداهم يتعلق بمالية الدولة والوضع الاقتصادي، فالدولة ليست على شفير الانهيار، بل تنهار. الخطر المالي والاقتصادي كبير، ونحن نرى أن لا جدوى من أي تصعيد، إذ يجب إنقاذ ما يجب إنقاذه في ظل الانهيار الحالي». وتبعاً لذلك، لا يرى جعجع أسباباً مبررة لـ«الحملة الحالية» على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، التي «ستترك آثاراً، ولو كانت هناك ملاحظات على هندسات مالية»، ملمحاً إلى أن هناك «أسباباً أصغر بكثير مما يُعتقد».
يعطي جعجع مثالاً على «دول إفريقية، تملك طاقة نفطية كبيرة، لكن بسبب سوء الإدارة تعيش شعوبها في الفقر». ويستطرد بأن «في لبنان طاقات بشرية هائلة، لكن إدارة الدولة حالياً إدارة كارثية. وهو لا يحبذ إعادة النظر بسلسلة الرتب والرواتب، فهي صدرت بقانون». لكنه لا يرى مانعاً من إعادة النقاش في بعض الرواتب التقاعدية.
رغم كثرة الانتقادات التي تطاول القوات لأنها حصرت نفسها في ملف الكهرباء، فإن لجعجع رأياً آخر مغايراً تماماً. ويشرح ملف الكهرباء والخطة التي أقرت بالتفصيل، و«ما حققته القوات» من تعديلات «رفضها الفريق الآخر طويلاً: قبل أشهر من الآن كان الوضع مختلفاً 180 درجة عمّا أُقرّ أخيراً في الخطة. لقد تمكنا نحن والقوى السياسية التي توافقت معنا على ضرورة تعديل خمس نقاط أساسية، هي عدم التزام أي حلّ موقت، وتحويله حلاً دائماً، موضوع إدارة المناقصات، استملاكات سلعاتا - نحن نتمنى أن يكون التبرير الذي أعطته وزيرة الطاقة صحيحاً، وهي للمناسبة تعمل بجدية -، والهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء وتعيين مجلس إدارة. كل ذلك ليس أمراً بسيطاً. وكل نقطة من هذه النقاط استلزمت أشهراً عدة للنقاش ومطالبات من جانب القوات من أجل إقرارها، وسنظل نعمل من أجل متابعة تنفيذ هذه الخطة».
بعد الكهرباء، تدخل القوات إلى ملفات كثيرة لن يفصح عنها قبل اكتمال تفاصيلها، لكن معركته المقبلة هي معركة الموازنة. بالنسبة إلى جعجع، هذا الملف الأهم حالياً، إذ «يجب اعتماد موازنة ثورية كبيرة، ومتقشفة إلى الحد الأقصى، وهذا الوقت ليس للمسايرات أو لبعض الرتوش من هنا أو هناك. فالموازنة يجب أن تعبّر عن سياسة التقشف القصوى». ويعطي مثلاً عمّا حصل في «البند المتعلق بوزارة السياحة، أقرّ في مجلس الوزراء رغم معارضة وزراء له، فمن غير المسموح أن يمرّ عقد بالتراضي ومن ثم يُدفع مليونا دولار للترويج للسياحة في لبنان، في حين أن شركات عدة قادرة على الترويج وفق نظام الرعاية المعتمد في المهرجانات».
لا يمل جعجع من الحديث عن ضرورة الاهتمام بالملفات الداخلية، مبرراً ذلك بانه «لا يجوز انتظار اي تطورات اقليمية وترك الوضع على ما هو عليه، لأنه يجب إضاءة شمعة في كل ما يجري ولا يجوز التخلي عن مقاومة التدهور الحالي». وعن موقعه من التحالفات حالياً، يقول إنه في السياسة العامة، الأكيد أنه لا يزال على توافق مع الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، «متفق معهما في النظرة العامة إلى الأوضاع الإقليمية وإلى موقع لبنان ودوره والاعتدال وضرورة حصر السلاح بالشرعية». وهو يرى أن «الحريري يميل إلى الحياد الإيجابي وموقفه في خطة الكهرباء متقدم عمّا كان عليه سابقاً»، وأن «القوات تستكمل حوارها مع تيار المردة منذ المصالحة بينهما والأمور تجري بوتيرة عادية».
أما التيار الوطني الحر، فمسألة أخرى. «صحيح أن التفاهم قائم بيننا، لكن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يتصرف وكأنه يحتكر التمثيل المسيحي ويمثل جميع المسيحين، رغم أن ذلك غير صحيح إطلاقاً. كذلك، لم أكن أعتقد أنه يمكن أن يتصرف باسيل في مسألة العلاقة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وسوريا على هذا النحو، وأن يعمل إلى إعادتها إلى الجامعة العربية». وعمّا إذا كان يتوقع أن يزور باسيل دمشق، يقول: «لا أعرف، لكن كل شي ممكن». ويؤكد رئيس القوات أنْ لا لقاء مرتقباً مع باسيل، ولا مع رئيس الجمهورية ميشال عون، لكن قنوات الاتصال مفتوحة. فالوزير السابق ملحم الرياشي زار عون، والاتصالات قائمة عبر قنوات مع باسيل، «لكن لا أحبّذ اللقاءات الفولكلورية، كذلك فإن المشكلة أن عون يحيل المتحدثين معه على باسيل».
جعجع: لم أكن أعتقد أن باسيل يمكن أن يعمل على عودة سوريا إلى الجامعة العربية


وعلى ما يقول، فإن «باسيل يتصرف على قاعدة أنه يحتكر التمثيل المسيحي، وهو في التعيينات يعمل على حصر التعيينات المسيحية به واستبعاد الآخرين، لكن القوات تتمسك بالآلية، لأنه حان الوقت كي تكون الإدارة مبنية على قواعد الكفاءة، حتى لو كان المعينون حزبيين أو ينتمون إلى أي تيار سياسي. لكن ما يجري حالياً، لا يبدو أنه يسير في هذا الاتجاه وستقف القوات ضده».
من الواضح بالنسبة إليه أن القوات تريد التصرف وفق أجندة واضحة داخلية وطرحها على مجلس الوزراء، ومنها أيضاً اقتراح بشأن عودة النازحين السوريين: «فبدلاً من أن يذهب باسيل يميناً ويساراً ويتحرك في كل الاتجاهات، من دون أي حل عملي، نقترح التواصل مع روسيا من أجل استحداث مناطق آمنة في الجانب السوري الحدودي، برعاية روسيا، من أجل نقل النازحين من لبنان إليها. وهذا الأمر أفضل الممكن في ظل الأوضاع الحالية، لأن لا أحد يمكن أن يتعرض لمناطق برعاية روسية، ويمكن روسيا أن تفرض هذا الأمر على سوريا وإيران من أجل حل هذه الأزمة». وستعرض القوات هذا الاقتراح على طاولة مجلس الوزراء.
إقليمياً، يراقب جعجع ما يحصل بين الولايات المتحدة وإيران، ويقول: «لا شيء غير معلن، ما يقوله الأميركيون في اللقاءات يقولونه علناً، فالظاهر هو نفسه المضمر، المنطقة تعيش حالياً في مواجهة أميركية إيرانية حيوية وكبيرة وشاملة، ولا شيء فيها مُخفى. فالأميركيون يريدون من إيران أن تنفذ البنود 12 التي سبق أن تحدثت عنها الإدارة الأميركية». ولا يعطي رئيس القوات اهتماماً كبيراً لتوصيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، من باب أن «واشنطن تصنف إيران على هذا النحو، وتصنيف الحرس الثوري هو تحصيل الحاصل». ويضع الرد الإيراني ورفع السقف الأميركي من باب «التصعيد الكلامي المتبادل في المرحلة الراهنة، لأن أي رد عملي لن يكون أمراً سهلاً. احتمالات الحرب والسلم متساوية، وإسرائيل تستفيد من الوضع لتصعّد أيضاً، لكن باب المفاوضات أيضاً مفتوح».