كما كان متوقعاً، قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعد عشرين عاماً في السلطة، تقديم استقالته قبل تاريخ انتهاء ولايته في 28 نيسان/ أبريل، ليتحقق بذلك أحد أهم مطالب المحتجين منذ أكثر من شهر. مهّدت الرئاسة لقرار الأمس بمسارين: الأول تمثل في تأليف حكومة تصريف أعمال برئاسة نور الدين بدوي، أول من أمس، للحفاظ على عمل المؤسسات، علماً بأن تأليفها استغرق عشرين يوماً منذ تعيين رئيسها في 11 آذار/ مارس الماضي، وهي لا تبدو قادرة على تهدئة الشارع حتى الآن، لكون أغلب أعضائها غير معروفين، أو كانوا أصلاً معاونين لوزراء قدامى. أما المسار الثاني، فتمثل في فتح تحقيقات في قضايا فساد، ومنع أشخاص من مغادرة البلاد، لعلّ أبرزهم علي حداد، أحد رجال الأعمال وأكثر المقرّبين من بوتفليقة وشقيقه سعيد، الذي يوصف من قِبَل وسائل الاعلام بـ«الحاكم الفعلي». كما فُتحت تحقيقات «في قضايا فساد» لعشرة رجال أعمال كبار آخرين، لم يتمّ الإفصاح عن أسمائهم، لكن قاسمهم المشترك، بحسب وسائل إعلام محلية، قربهم المعروف من السلطة الحاكمة.
تفادي فراغ دستوري
تفادى الرئيس بوتفليقة، بقرار الاستقالة، حالة فراغ دستوري كان محتوماً في حال انتظر إلى نهاية ولايته، في ظلّ قراره تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة قبل عشرة أيام من ذلك الموعد (في 18 نيسان/أبريل). إذ إن الدستور لا ينظم في مواده حالة خروج الرئيس من منصبه من دون إجراء انتخابات رئاسية تعوض غيابه. من هنا، يعتبر قرار الاستقالة واحداً من المخارج الدستورية المتاحة لتجاوز الأزمة، إذ بات المسار القانوني واضحاً بتفعيل المادة 102 من الدستور، التي تقضي بشغور منصب الرئيس، كما طالب رئيس أركان الجيش، أحمد قايد صالح، قبل أسبوع. فهي تقضي (في حالتَي استقالة الرئيس أو وفاته)، بتولي رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية في البرلمان) رئاسة الدولة لمدة 90 يوماً بصلاحيات محددة، تتمثل في تنظيم الانتخابات الرئاسية، من دون المساس بالحكومة القائمة.
برزت دعوات إلى إنشاء مجلس رئاسي لقيادة مرحلة انتقالية قصيرة المدى


وكون البيان الرئاسي أمس أعلن أن بوتفليقة سيقوم بـ«إصدار قرارات هامة طبقاً للأحكام الدستورية، قصد ضمان استمرارية سير الدولة أثناء الفترة الانتقالية التي ستنطلق اعتباراً من التاريخ الذي سيعلن فيه استقالته»، يبقى احتمال أن يتولى رئيس المجلس الدستوري، الطيب بلعيز، رئاسة الدولة بالنيابة، وارداً في حال أعلن الرئيس حلّ البرلمان بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، في خطوة قد تستهدف تهدئة الشارع، والتمهيد للمرحلة الانتقالية المقبلة. وفي هذه الحالة، تؤول رئاسة الدولة بالنيابة إلى رئيس المجلس الدستوري، مثلما تنص عليه الفقرة السادسة من المادة 102، من أنه إذا اقترنت استقالة الرئيس أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمة لأي سبب كان، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً، ويثبت بالإجماع الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية، وحصول المانع لرئيس مجلس الأمة، ثم يتولى رئيس المجلس الدستوري مهام رئيس الدولة، على أن لا يترشح لرئاسة الجمهورية لاحقاً.

... لمرحلة انتقالية قصيرة
في ضوء تركيبة الحكومة المؤلفة حديثاً، وهويات المرشحين لتولي مهام رئيس الجمهورية لفترة انتقالية، يرى مراقبون أن قرار استقالة بوتفليقة لا يكفي وحده لإنقاذ البلاد. فبالنسبة إلى الخبير في جيوسياسية المغرب العربي، إبراهيم أومنصور، «لا يمكن تلبية المطالب الشعبية إلا بتغيير النظام وفتح المجال للشباب». ويعتبر أومنصور أن «تطبيق المادة 102 تجاوزه الزمن»، لكون مطالب المحتجين باتت تتلخص بـ«تغيير جذري في النظام، وليس فقط نهاية رئاسة بوتفليقة».
وستحدد الأيام المقبلة إذا ما كانت القوى السياسية والشعبية ستقبل باستمرار بدوي في قيادة الحكومة التي تدير المرحلة الانتقالية لغاية تنظيم انتخابات رئاسية جديدة، ولا يُعرف إذا ما كان المحتجون سيقبلون بتولي عبد القادر بن صالح، الذي يشغل منصب رئيس مجلس الأمة منذ عام 2002 بتعيين من بوتفليقة، منصب الرئاسة لثلاثة أشهر، لكونه ينتمي إلى «حزب التجمع الوطني الديموقراطي» (من الائتلاف الحاكم) الذي ظلّ متحالفاً مع حزب «جبهة التحرير الوطني» (الذي ينتمي إليه بوتفليقة) لما يقارب 20 عاماً، قبل أن ينقلب أمينه العام، رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى​، على الرئيس ومحيطه، بعد إطاحته من خلال حلّ الحكومة السابقة، ليؤيد بعدها دعوة قايد صالح إلى رحيل الرئيس.
أيضاً، في حال انتهى المسار القانوني بتولي رئيس المجلس الدستوري، الطيب بلعيز، فليس معلوماً موقف الشارع والمعارضة منه، خصوصاً أنه من أقرب الشخصيات من بوتفليقة، وقد رافقه طيلة فترة حكمه في وزارات سيادية مثل العدل والداخلية، وأخيراً مديراً لديوانه ومستشاراً له. كما يعيب عليه البعض عدم دعوته المجلس، عقب دعوة قايد صالح، إلى عقد جلسة للفصل في موضوع الشغور، بحجة عدم اكتمال النصاب.
في ضوء ذلك، برزت دعوات إلى إنشاء مجلس رئاسي من شخصيات وطنية مقبولة لقيادة مرحلة انتقالية قصيرة المدى، مثلما دعا إليه «الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين»، الذي اقترح أيضاً تعليق العمل بالدستور، وإصدار إعلان دستوري لتسيير المرحلة الانتقالية. كما دعت أحزاب وشخصيات من المعارضة، السبت الماضي، إلى تنصيب «هيئة رئاسية» من شخصيات ذات كفاءة ومصداقية ونزاهة، تشرف على مرحلة انتقالية مدتها 6 أشهر، في إطار خارطة طريق توصي بتعيين حكومة كفاءات لتصريف الشأن العام، وتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، إلى جانب إنشاء هيئة مستقلة للإشراف وتنظيم الاستحقاقات.