تمهيداً للإضراب الشامل والعصيان المدني، رمت المعارضة السودانية، ممثلة بأحزاب المعارضة و«تجمع المهنيين» الذي يقود برامج الاحتجاجات، بالعصيان المدني ليوم واحد، أمس، كبالون اختبار لإحدى أقوى الأوراق التي تحملها بوجه نظام الرئيس عمر البشير، المستمر في السلطة بحكم «عسكري».وفي تحدٍّ لحالة الطوارئ التي يسعى البشير إلى فرضها، بأربعة أوامر تتعلق إحداها بحظر التجمع والتجمهر والإضراب وتعطيل المرافق العامة، طغت مظاهر الإضراب في غالبية شوارع العاصمة بوضوح. وبدا ذلك في حركة المواصلات الخفيفة، وإغلاق بعض الشركات الخاصة، وبعض المحالّ التجارية، ومعظم الصيدليات العاملة في منطقة شرق الخرطوم (بنسبة 85% كما أكد «تجمع المهنيين»)، في ظل استجابة قطاعات مهنية وشركات خاصة وأطباء وصيادلة ومحامين وصحافيين، بالإضافة إلى مهندسين زراعيين ومصرفيين وتجار وأصحاب محالّ تجارية. إذ نشرت «لجنة أطباء السودان» المستقلة صوراً للأطباء وهم يرفعون لافتات الإضراب في عدد من مستشفيات البلاد، ومنها مستشفى بحري، وإبراهيم مالك، وبشائر، في الخرطوم، ومستشفى كسلا، وحلفا الجديدة (شرق)، وشارك العاملون في صحف «السوداني»، و«التيار»، و«الجريدة»، و«اليوم التالي»، في الإضراب.
غير أن وسط الخرطوم شهد حراكاً يُعَدّ طبيعياً، في ظل استمرار المؤسسات الحكومية والبنوك التجارية في أعمالها. لكن حجم المشاركة في الإضراب العام لا يُقاس بالاستجابة في المؤسسات الحكومية. ففي ظل أوامر الطوارئ، التي دخلت حيّز التنفيذ في الـ28 من الشهر الماضي، وتولى إنفاذها رئيس القضاء والنائب العام، أكد موظفون حكوميون في حديث إلى «الأخبار»، أن الإضراب عن العمل بدا أقل في الدوائر الحكومية، لما يعرّض ذلك المضربين عن العمل للاعتقال والسجن لمدد تصل إلى عشر سنوات، فضلاً عن الغرامة المالية. وذكر موظف في شركة تعمل في مجال النفط، رفض ذكر اسمه، أن النتيجة ستكون رفضه من العمل من غير حقوق نهاية الخدمة، مشيراً إلى أن شركات النفط تعمل تحت إدارة جهاز الأمن، لكنه لفت إلى أن «الكثير من الموظفين والعمال نفذوا إضراباً غير معلن بالذهاب إلى أماكن العمل من دون ممارسته».
يخطط «تجمع المهنيين» لإضراب سياسي وعصيان مدني حتى إسقاط النظام


في ضوء ذلك، أكد عضو لجنة الإعلام في «تجمع المهنيين»، محمد الأسباط، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «سيتم تقييم الموقف» بشأن حجم المشاركة، موضحاً أن اختيار توقيت الإضراب جاء «وفقاً لترتيبات وخطط معدة مسبقاً، أخذت في الحسبان حركة الشارع والمسار التصاعدي لتطور حركة الشارع والاحتجاجات». وأوضح الأسباط أن التجمع وشركاءه في تحالف «الحرية والتغيير»، لديهم «خطط واضحة تستهدف الوصول إلى الإضراب السياسي والعصيان المدني، حتى إسقاط النظام».
اختبار تجربة الإضراب أتى قبل يوم من عزم البرلمان على مناقشة قانون الطوارئ (اليوم)، إذ نص الدستور على أن يعرض إعلان الطوارئ على الهيئة التشريعية خلال 15 يوماً، فيما يخشى البشير أن يسقط القانون بعدم إجازته من الأعضاء، خصوصاً أن حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم بات ناقماً على الرئيس بعد تخليه عن رئاسته الحزب وحلّ الحكومة وإحلال مكان الوزراء عسكريين من الجناح المؤيد له في الجيش، في ضوء حديث عن نيته تشكيل حزب جديد خالٍ من الإسلاميين، الذين أتى عبرهم إلى السلطة، لتسوية علاقاته مع الولايات المتحدة ودول الخليج الحليفة له.
لكن إسقاط قانون الطوارئ اليوم قد يدفع البشير إلى تعطيل العمل بالدستور، وهو خيار يسمح له بالبقاء في السلطة من دون الحاجة إلى خوض الانتخابات التي يسعى إلى تعديل الدستور قبل موعدها، بما يسمح له بولاية جديدة، وذلك بتمرير التعديل في البرلمان، حيث يحتاج إلى أغلبية الثلثين التي لم تعد مضمونة.