تنطلق اليوم قمة ثلاثية جديدة من سلسلة لقاءات «أستانا» في سوتشي الروسية، وعلى جدول أعمالها ملفاتٌ قديمة ومستجدّة، تشمل مصير مناطق شمال سوريا وشرقها، ومستقبل مسار «الحل السياسي». وكما سابقاتها من القمم الرئاسية، مُهِّد لـ«ثلاثية سوتشي» بنشاط ديبلوماسي وعسكري لافت لكبار مسؤولي الدول «الضامنة»، تضمّن مشاورات واتصالات مع الجانب الحكومي السوري وباقي الأطراف المعنية.وكان أبرز ما خرج في غضون تلك التحضيرات، الكشف عن المقترح الروسي المقدم إلى أنقرة، لشنّ عملية عسكرية منسّقة ومدروسة في محيط إدلب، وما تلاه من حديث روسي صريح يؤكد أن اتفاق «خفض التصعيد» هناك «مؤقت». عودة الحديث عن «عملية عسكرية مدروسة» جاء بعد انقضاء المهلة المتاحة لتركيا، لإنفاذ «اتفاق سوتشي» على الأرض، ولا سيما إنشاء المنطقة «المنزوعة السلاح»، وهو اتفاق خرج بعد أيام على رفض علني لمقترح مشابه حمله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى طهران، حينما التقى نظيريه الروسي والإيراني.
يطرح شاناهان في قمة «الأطلسي» إنشاء «قوة مراقبة» في شرقيّ الفرات


يومها، التزمت روسيا منح «فرصة» لتركيا، لاجتراح طريق «بديل» لحل ملف إدلب، من شأنه أن يؤجّل الحلّ العسكري أو يلغيه، بحسب نسبة نجاحه. أما الآن، فيبدو تقييم التزام تركيا في تنفيذ «اتفاق سوتشي» وما قد يبنى عليه، مرتبطاً بتطورات طارئة قد تكون غيّرت الأولويات مرحلياً؛ إذ عكس النشاط الروسي الأخير اهتماماً بالتعاون مع أنقرة لضمان مرحلة الانسحاب الأميركي وما بعده، وإن تطلّب ذلك تمديد المهلة الممنوحة لحلحلة ملف إدلب. تركيز موسكو على خروج الجانب الأميركي، ترافق وتنشيطها سياقاً جديداً في إطار مفاوضاتها مع أنقرة، وهو إحياء «اتفاقية أضنة». ويهدف هذا التوجه إلى سحب أي ذرائع قد تسوقها تركيا لتبرير بقاء طويل الأمد لقواتها في المناطق التي تحتلها (أو قد تحتلها) من سوريا، عدا عن التأسيس لعودة التواصل التركي ـــ السوري لاحقاً.
وعلى عكس «التفاؤل» الروسي بالتزام أنقرة إعادة تلك المناطق إلى السلطة الحكومية الشرعية لاحقاً، تبدو دمشق مشككة بالنيات التركية، وهو ما أعلنته صراحة في شأن «اتفاق خفض التصعيد»، معتبرة أن تركيا استغلته لدخول إدلب برعاية «جبهة النصرة»، لا لتصفيتها. هذه الرؤية تمثلت في تأكيد وزارة الخارجية السورية أكثر من مرّة، وآخرها أمس، أن تفعيل «اتفاق أضنة يستوجب توافر مجموعة من المعطيات، هي انسحاب القوات التركية... والتوقف الكامل عن دعم كافة أشكال الإرهاب»، مع الإشارة إلى أن «أمن الحدود وسلامتها بين البلدين مسؤولية مشتركة».


وضمن الظروف التي تحيط بـ«قمة سوتشي»، يرجّح أن تخرج بتفاهمات حول دفع مسار «اللجنة الدستورية» وتعزيز ملف عودة اللاجئين، مع الإشارة إلى الاستمرار بـ«مكافحة الإرهاب»، بما يحمله هذا المصطلح من أوجه للتفسير وفق مصالح كل طرف. ومن الممكن الركون إلى أن الهدف المشترك بين «ضامني أستانا»، وإن اختلفت آلية تحقيقه وإمكانية الاستفادة منه، خروج اللاعب الأميركي من شرقيّ الفرات. وهو خروجٌ لا يزال غامض المعالم، وفق ما تعكس التصريحات الأميركية والتركية المتضاربة حيناً، والمشككة حيناً آخر. وبعد زيارة هي الأولى من نوعها للمنطقة، كشف وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، باتريك شاناهان، أنه سيعرض على شركاء بلاده في «التحالف الدولي» إنشاء «قوة مراقبة» في شمال شرق سوريا. المشروع الذي يناقشه شاناهان على هامش اجتماع «حلف شماليّ الأطلسي»، أمس واليوم، مقترح أميركي كُشف عنه منذ أكثر من أسبوعين عبر تسريبات إعلامية.
وبينما يلبّي الطرح المقدم تطلعات «مجلس سوريا الديموقراطية» وشركائه شرقي الفرات، بفرض إشراف دولي على «المنطقة الآمنة»، فإن أنقرة كانت قد عبّرت صراحة عن رفضها أي حلّ يلغي إدارتها لتلك المنطقة المقترحة. وأوضح الوزير الأميركي، خلال حديث للصحافيين في طريقه نحو بروكسل، أن عدة نقاشات جرت حول شمال سوريا عقب انسحاب القوات الأميركية، مشيراً إلى أن «التحالف بموارده وقدراته... خيار يمكنه أن يقود جهود ضمان الأمن والاستقرار». ولفت شاناهان إلى أنه ناقش خلال زيارته الأخيرة للعراق، مع مسؤولي «التحالف»، كيفية انسحاب القوات الأميركية من سوريا «من دون نقاش الأماكن التي ستنتقل إليها». وفي السياق، برز أمس تصريح لافت لرئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، السيناتور جايمس إنهوف، شكك فيه في «معرفة أحد لتاريخ محدد للانسحاب»، وذلك بعد حديث أجراه مع الرئيس دونالد ترامب، وأبدى فيه معارضته لسحب القوات وفق جدول زمني مسبق، من دون مراعاة الوضع على الأرض.