أقصى رسائل التصعيد ترسلها واشنطن إلى طهران هذه الأيام، عبر الأجواء المحيطة بالجولة العربية لوزير الخارجية مايك بومبيو. والجولة التي يقوم بها من عُهدت إليه مهمة «توضيح السياسة الأميركية» في المنطقة بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من سوريا، وعنوانها «طمأنة الحلفاء»، لا تترك فرصة للتأكيد أن الانسحاب الأميركي من سوريا وانتهاء الحرب على «داعش»، لا يعنيان تراخياً وانكفاءً في مواجهة إيران وترك الحلفاء لمصيرهم. بل على العكس من ذلك؛ يشدد بومبيو في تصريحاته على أن عنوان المرحلة المقبلة هو مشروع بناء «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» في وجه إيران وحلفائها الإقليميين، لا السماح لها بالاستفادة من الوضع المرتقب. يسعى المتجوّل الأميركي، الذي وصل أمس إلى قطر فالسعودية، بعد زيارة الأردن والعراق ومصر والبحرين والإمارات، إلى رسم مشهد المرحلة المقبلة من منظار واشنطن، ومعالمه جمع «الحلفاء» في إطار واحد، وحول هدف مشترك هو إيران، والتأكيد أن الضغوط على طهران جدية، وستتواصل عبر تشديد العقوبات وتخفيف الإعفاءات منها تدريجياً. مشهد تجلّى في خطاب بومبيو في مصر، واستكمل في التصريحات على هامش جولة الأيام الثمانية التي ستشمل سلطنة عمان والكويت.ويتبلور التحشيد الأميركي في قمّة حول الشرق الأوسط تحدّث عنها وزير الخارجية على هامش الجولة ستعقد في بولندا، لمناقشة الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، «وهذا يشمل عنصراً مهماً وهو ضمان أن لا يكون لإيران تأثير مزعزع للاستقرار»، بحسب ما قال. ومن محطته القطرية، حيث وقّع مذكرة تفاهم لتوسيع قاعدة «العديد» الجوية، أوضح بومبيو أمس أن القمة التي ستعقد في وارسو يومي 13 و14 شباط/فبراير المقبل، ستبحث موضوعات مختلفة بينها «سبل جعل سلوك الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثل (سلوك) أي بلد طبيعي»، فيما الحضور سيشمل دولاً من آسيا وأفريقيا وباقي أنحاء العالم، و«لن يقتصر الأمر على الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط».
المساعي والتصريحات الأميركية تلقّتها إيران بالتقليل من جدواها من جهة، وغضب من جهة أخرى، تُرجم أزمة بين وارسو وطهران، عبر استدعاء القائم بالأعمال البولندي، الذي طمأن إلى أن المؤتمر «لا يناصب إيران العداء»، وفق وكالة الأنباء الإيرانية. أعقب ذلك بيان للخارجية البولندية شدّد على أن «من حق المجتمع الدولي مناقشة مختلف المشكلات الاقليمية والعالمية»، كما من حق بولندا استضافة «مؤتمر يهدف إلى إيجاد قاعدة للتحرك من أجل استقرار وتنمية الشرق الأوسط». وفي حين يدرس مسؤولون إيرانيون إلغاء استضافة أسبوع الفيلم البولندي، ذكّر وزير الخارجية، جواد ظريف، باستضافة بلاده مئة ألف لاجئ بولندي إبان الحرب العالمية الثانية، قائلاً: «لا يمكن للحكومة البولندية غسل العار: في حين أنقذت إيران البولنديين في الحرب العالمية الثانية، تستضيف (بولندا) الآن عرضاً هزلياً يائساً مناوئاً لإيران». وأكد ظريف في مكان آخر رهانه على فشل الخطوة الأميركية، مشيراً إلى أن «من شاركوا في آخر قمة استعراضية ضد إيران برعاية أميركية إما ماتوا أو تم تهميشهم، أو خجلوا من خطوتهم تلك». وبحسب أمين مجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني، علي شمخاني، الذي توقع للقمة أنها «لن تصل إلى النتيجة المبتغاة»، فإن الدعوة الأميركية إلى عقدها ما هي إلا تأكيد على فشل سياسة العقوبات «التي وصلت إلى حدها الأقصى».
جهانغيري: سبب عقد القمة هو «فشل العقوبات في تركيع إيران»

وهو موقف تكرر على لسان نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، الذي رأى أن سبب عقد القمة هو «فشل العقوبات في تركيع إيران».
وبعيداً من تقييم طهران، التي بدت متمسكة بعدم قدرة القمة على التأثير ضدها، فإن ما تنصبّ عليه الحسابات الأميركية هو «توحيد صفوف الحلفاء»، سواء عبر دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى القمة، وفق ما نشر الإعلام الإسرائيلي، جنباً إلى جنب مع القادة العرب، أو تكرار المواقف الداعية إلى «وحدة مجلس التعاون الخليجي» وحل الأزمة بين قطر وجيرانها. رسالة «رأب الصدع» التي حملها بومبيو إلى قطر وطار بها إلى الرياض في محطته التالية، عبر عنها بوضوح لا يحتاج إلى تفسير: «عندما يكون لدينا تحد مشترك لا تكون النزاعات بين البلدان ذات الأهداف المشتركة مفيدة... نأمل أن تزيد وحدة مجلس التعاون الخليجي في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة»، لأن هذه «الوحدة»، بحسب بومبيو، «ضرورية» من أجل «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي». وعلى رغم هذا، إلا أن الضيف الأميركي الذي حطّ أمس في الرياض في سابع محطة له حيث يلتقي ولي العهد محمد بن سلمان، أقرّ بأنه «ليس من الواضح على الإطلاق أن الخلاف أقرب إلى الحل اليوم من ما كان عليه أمس»، مضيفاً: «يؤسفني ذلك».