طهران | أزمة سياسية حادة، هي الأولى من نوعها، تشهدها طهران. فبعد أن اعتاد الشارع، والمراقبون في الخارج، على الانقسام التقليدي بين تياري «الإصلاحيين» و«المحافظين»، تفجرت أزمة جديدة داخل جبهة «الإصلاحيين»، أو بشكل أدق بين هذا التيار وحليفه في الوسط «تيار الاعتدال» (تيار روحاني). وهو خلاف تفجّر اليوم، لكن بدأت بوادره منذ ميل روحاني إلى «المحافظين» على حساب حلفائه وداعميه. لكن يبدو أن اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، تفرض على «الإصلاحيين» النأي بالنفس عن «فشل» الرجل، والسعي في استعادة ثقة الشارع الخائب من الرهانات على الاتفاق النووي.في الشكل، يتمظهر الخلاف الجديد على شكل سجال حاد بين الطرفين. أما في المضمون، فيشي التراشق الإعلامي بتدشين معركة رئاسية حامية مبكراً، وقبل عامين من موعدها مع انتهاء الولاية الثانية والأخيرة للرئيس. وقد نشب الخلاف إثر تصريح مدير مكتب روحاني، محمود واعظي، بأن الأصوات التي حصدها الرئيس الحالي في الانتخابات، سببها شعبيته، لا دعم «الإصلاحيين»، ما أثار حفيظة الأخيرين، الذين يعتبرون أن الفضل الأول في وصول روحاني إلى سدة الرئاسة، يعود إليهم، خصوصاً دعم الرئيس السابق محمد خاتمي. تصريح واعظي ترتبت عليه ردود فعل صاخبة من معسكر «الإصلاحيين» ونوابهم في البرلمان، تمحورت حول اتهام الحكومة بالفشل وبأن ليس لديها أي رؤية لمستقبل البلاد.
هذا في السجال الإعلامي، لكن في الخلفية يبدو أن «الإصلاحيين» يحاولون الخروج من كنف روحاني قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما النيابية، ورمي فشل الاتفاق النووي وتبعاته الاقتصادية على كاهل هذا الفريق، أمام الخيبة التي تسود الشارع الإيراني من الوعود التي قدمت، وتم التعويل عليها طويلاً في زمن المفاوضات مع الخارج. وهي وعود منحت فريق روحاني زخماً في الانتخابات الماضية، وأظهرت أن الشارع الإيراني يرغب في منحه فرصة لاستكمال مشروعه، قبل أن يقطع الطريق قرار الإدارة الأميركية بالانسحاب من الاتفاق. لا يريد «الإصلاحيون»، الذين حصدوا 30 مقعداً من أصل 30 في طهران في الانتخابات البرلمانية، أن تتم محاسبتهم على أساس أنهم هم وراء هذا الفشل.
يستعد «الإصلاحيون» لتشكيل كتلة موحدة برئاسة محمد رضا عارف


لا ينكر هاني نعمت زاده، أحد الأشخاص المعروفين في تيار «الإصلاحيين»، في حديث إلى «الأخبار»، أن أصل الخلاف الجاري بين «الإصلاحيين» وحكومة روحاني، يرجع إلى الوعود التي أطلقها هذا التحالف على الشعب الإيراني بتحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بعد إتمام الاتفاق النووي، وهو ما لم يحصل. وفق زاده، ما أثار حفيظة قوى «إصلاحية»، أن الرئيس يتودد إلى تيار «المحافظين» أكثر وينأى بنفسه عنهم، وهذا ما اتضح أكثر في هوية وزرائه، الأمر الذي فجر الخلاف داخل البرلمان مع الحكومة، خصوصاً حول ملف الاقتصاد. ويضيف زاده أن هناك «لعبة سياسية تلوح في الأفق» للوصول إلى «تيارين إصلاحيين» في البلاد. فتيار «الإصلاحيين» الآن أدرك أن مكانته على الساحة السياسية مهددة، ولذلك فهو يعكف على لملمة جراحه وتشكيل كتلة «إصلاحية» جديدة، يكشف زاده أن من سيرأسها هو محمد رضا عارف، أحد أبرز الوجوه إبان فترة خاتمي. وفي هذا الاتجاه، يبدو أن «الإصلاحيين» مصرون على خوض معاركهم في مختلف الدورات الانتخابية المقبلة بزخم كبير، بما فيها رئاسة الجمهورية، على رغم الصعوبات جراء خيبة أمل الشارع الإيراني وصعود أسهم «المحافظين»، والسعي لاستعادة ثقة الشارع والتخلص من المسؤولية عن فشل حكومة روحاني. ويستدل زاده على انعكاس سخط الشارع الإيراني على «الإصلاحيين»، هذه الأيام، بالهجمة الواسعة على النائب عن مدينة سروان محمد باسط درازدهي، إثر حادثة المشادة الكلامية بينه وبين موظفي الجمارك، والتي نتجت منها «الهجمة المنظمة عبر متابعة البرلمان للموضوع وفتح تحقيق»، بحسب ما يقول.
على المقلب الآخر، ينبّه النائب السابق عن تيار روحاني، حسين روي وران، أنه «من الخطأ أن نقول إن الرئيس روحاني هو جزء أصيل من التيار الإصلاحي، بل هو جزء من التيار الأصولي (المحافظين) باعتباره عضو جمعية العلماء المجاهدين التابعة للتيار الأصولي، وقد اختلف معهم وترشح للرئاسة وهناك لاقى دعم الإصلاحيين و(الرئيس السابق) خاتمي». ويلفت إلى أن تلك التحالفات جعلت روحاني ينسق مع «الإصلاحيين»، لكن «ما يحدث الآن أن إدارة الأزمة الاقتصادية الخانقة لها تبعات اجتماعية وهناك انتقاد شديد جداً لأداء الحكومة في هذا المجال يحاول التيار الإصلاحي أن ينأى بنفسه عنه». ويعتقد روي وران أن «العنوان اليوم روحاني بينما الخلاف إصلاحي داخلي»، يسعى «الإصلاحيون» من خلاله في أخذ مسافة عن روحاني من الآن استعداداً لضمان الفوز في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وسط الخلاف الذي تتسع رقعته شيئاً فشيئاً، يلتزم تيار «المحافظين» موقف النأي بالنفس عن سجال الخصمين. ويقرأ «المحافظون» الحدث من زاوية أن روحاني لن يستطيع ترشيح نفسه مرة جديدة بعد انتهاء ولايته الثانية، ما يجعل بعضهم يعلّق بالقول إن «الأجدر الآن هو إيجاد حلول وسياسات لتفادي الأزمات»، لكن، في الوقت نفسه، لا يخفي كثير منهم سعادته بالفرصة التي يمكن انتهازها والإعداد من الآن للانتخابات الرئاسية المقبلة التي يرون أنها «مبشرة» لتيارهم، باعتبارهم أن السخط الشعبي على الحكومة يصب في مصلحتهم.