طولكرم | منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ومسلسل تنكيل العدو الإسرائيلي بعائلة وليد نعالوة مستمر؛ الهدف الأول كان الضغط على نجلها المطارد آنذاك، الشهيد أشرف، الذي نفذ عملية «بركان» وقتل اثنين من المستوطنين، ثم اختفى 67 يوماً، والهدف الثاني الآن هو الانتقام من العائلة وكسر الإرادة الفلسطينية كي لا يكرر أي شاب آخر العمل المقاوم نفسه.تعامَل العدو مع عائلة نعالوة بأسلوب «الانتقام الجماعي المتدحرج» الذي بدأه باقتحام منزل العائلة أول مرة في ضاحية شويكة، شمال طولكرم (شمال الضفة المحتلة)، ثم اعتقال أفراد العائلة بالترتيب، وبعدها استجواب العشرات من الأقارب وسكان الحي، وامتد ذلك ليطاول شقيقتَي الشهيد المتزوجتَين بعيداً عن بيت العائلة. هكذا، لم تسلم بيوت أعمام المطارد وأخواله والأقارب كافة من الانتقام، سواء بالاعتقال أو الدهم والتخريب.
كانت الاعتقالات متنوعة ومتفاوتة، فمنهم من اعتُقل لساعاتٍ كشقيقته الصغرى سندس، والبقية عانوا الاعتقال المتكرر، بينما اعتُقلت شقيقته المحاضرة الجامعية فيروز مرتين من منزل عائلتها في حي المعاجين في نابلس. وصار واضحاً أن العدو يتناوب على أفراد العائلة وحتى أصهارها، إذ استمر الاعتقال الأخير لفيروز 28 يوماً، ووصفه محامي «مؤسسة الضمير» بـ«القاسي بعدما استمر التحقيق معها لساعات طويلة وصلت ذروتها إلى 20 ساعة». ثم ما إن أفرج العدو عن فيروز، حتى اعتقل زوجها الدكتور نصر شريم وهو لا يزال أسيراً.
وبحسب إحصائية مشتركة أصدرتها المؤسسات المعنية بحقوق الأسرى والإنسان، سجّل الشهر الأول لمطاردة نعالوة اعتقال 100 فلسطيني على الأقل من طولكرم وحدها، بينهم 11 سيدة، فيما تحولت ضاحية شويكة إلى «مسرح دهم يومي لجنود العدو».

لائحة اتهامات للأمّ
من داخل سجن «الدامون»، تلقت وفاء مهداوي خبر استشهاد نجلها الأصغر أشرف بعد 67 يوماً من مطاردته، نجح خلالها في «كسر منظومة أمن العدو وإثبات هشاشتها» كما يُجمع محللون كثر. مشاعر الوالدة كانت متضاربة، إذ كان العدو يضغط عليها كي يسلم نجلها نفسه، ومن جهة أخرى يتهمها بـ«التحريض» بسبب قولها له: «دير بالك على حالك يمّا!»، وفي الوقت نفسه لم تكن تعلم شيئاً عن ابنها لشهرين. بينما هي كذلك، ولا تزال تتعرض لتحقيق قاسٍ ومكثف، جاءها خبر استشهاده واحتجاز جثمانه، ثم هدم منزل العائلة.
تقول محامية «هيئة شؤون الأسرى»، حنان الخطيب، إن «حالة الحزن والصدمة» التي بدت على والدة الشهيد كانت من أقسى المشاهد التي مرت بها مع أنها زارت مئات المرات أسرى وأسيرات. وبجانب فحوى تلك الرسالة التي يرى فيها العدو «تحريضاً»، يُسجن الوالدان بتهمة معرفتهما المسبقة بنية أشرف تنفيذ عملية، إذ يفيد المحامي وسام إغبارية بأن «محكمة الاحتلال رفضت طلب الاستئناف الذي قُدم للإفراج عن الوالدة وابنها أمجد».
ومع أن محكمة «سالم» العسكرية التابعة للعدو طلبت من النيابة الإسرائيلية إنهاء ملف والدة نعالوة خلال ثلاثة أشهر، فإن ذلك لم يحدث، وهو في رأي أسرى محررين «يدل على اعتقال تعسفي وانتقامي، لأنه لم تثبت أي تهمة ولا توجد أدلة، كما أن الاتهامات لم تأتِ أصلاً من بداية اعتقال الوالدين». وأمس، نقلت «هيئة شؤون الأسرى» رسالة من والد الشهيد روى فيها مشاهد من معاناة العائلة على مدى الشهرين الماضيين تؤكد ما سبق ذكره.

البيت مهدوماً... كلياً
في السابع عشر من الشهر الجاري، اقتحم المئات من جنود العدو حارة النعالوة في شويكة وهدموا الجزء الأكبر من منزل عائلة أشرف، بعدما نص القرار النهائي لمحكمة العدو على هدم الطبقة الأرضية والطبقة الثانية حيث تسكن العائلة ونجلها الشهيد، إذ لم تنجح العائلة بعد سلسلة اعتراضات من منع هدم الطبقة الثانية التي تقطن فيها، فدُمّر المنزل باستثناء الطبقة المتبقية التي تعود إلى نجلها الأكبر أمجد المسجون أيضاً منذ ما يزيد على شهرين.
ولا يسمح القرار للعائلة بالمساس بالبناء المهدوم أو إجراء تعديلات عليه أو استعماله لأي غرض، مهما كان، نظراً إلى كونه «مُصادَراً»، ما يعني أنه صار غير صالح للسكن، لأنه حالياً طبقة ثالثة معلقة في الهواء بعدما هدم العدو الجدران كلها في الطبقتين السفليتين. وجراء ذلك، قرر الفلسطينيون إنشاء حملات شعبية لإعادة إعمار منزل العائلة في مكان آخر.

الترهيب بـ«الإبعاد»!
جراء سلسلة العمليات المتواصلة، صار العدو يعمل بذرائع مختلفة لملاحقة أقارب منفذي العمليات، وهدفها الواضح للفلسطينيين هو الضغط على المطلوبين في حالة انسحاب المنفذ بنجاح، أو «الانتقام الجماعي» في حالتَي الانسحاب والاستشهاد، وذلك لردع الشباب عن التفكير في عمل مشابه. وبينما كانت غالبية الحالات تنتهي إلى حد ما بعد «تسوية الحساب» مع المطارد، بدا الانتقام مضاعفاً مع عائلة أشرف، في ظل مواصلة اعتقال ذويه.
لكن المصير الأكثر خطورة الذي ينتظر العائلة هو المسار المتبلور حديثاً بعدما صدّق برلمان العدو (الكنيست) بالقراءة التمهيدية الأولى على مشروع قرار يسمح بإبعاد عائلات المقاومين خارج أماكن سكنهم. ورغم أن العدو يمتلك هذه الصلاحية كحكم عسكري مطبق على الضفة كلها، من دون الحاجة إلى القانون الجديد، فإن تطبيقه الإبعاد كان يخص الأفراد، لكن القانون يشرعن «طرداً جماعياً للعائلات»، وهو ما فتح باب المطالبة الإسرائيلية مبكراً بإبعاد عائلة الشهيد أشرف.