بين اقتراحات مشروطة وتلويح بخيار استمرار الحرب، لا تزال لغة التصعيد سيدة الموقف على طاولة المفاوضات اليمنية، في ثاني أيام الجولة الحالية، المنعقدة منذ أول من أمس، في قلعة يوهانسبرغ، في مدينة ريمبو السويدية، برعاية الأمم المتحدة، بهدف اتخاذ إجراءات لـ«بناء الثقة»، قد تؤدي في النهاية لوقف العدوان الذي تقوده السعودية منذ آذار/ مارس عام 2015. تصعيدٌ في اللهجة، وآخر الميدان، يشيان بأن مصير «المشاورات» الحالية، كما يُصر المبعوث الأممي مارتن غريفيث على وصفها، قد يكون على غرار السابقة، التي بدأت أولاها بعد شهرين من بدء العدوان، وصولاً إلى المحاولة الأخيرة الفاشلة هذا العام، في 6 أيلول/ سبتمبر الماضي.في اليوم الثاني لمشاورات السويد، لا يظهر أي تقدم في الملفات التي ينقلها الوفدان من المرات السابقة الأربعة، سوى ما تم إنجازه، أول من أمس، في ملف الأسرى والمعتقلين الذي لم يتبقّ أمام الجانبين فيه سوى التنفيذ، على أن يتمّ على أربع مراحل كما أشارت مصادر «الأخبار»، تبدأ بتبادل الكشوفات خلال الأيام المقبلة. أما في بقية الملفات، سواء الإنساني ومصير مدينة الحديدة ومينائها، أو الملف الاقتصادي، المتمثل بالبنك المركزي المنقسم بين الطرفين في صنعاء وعدن، لا تقدم يذكر، بل تتجه نحو سكة بعيدة من أي حل. تصر حكومة عبد ربه منصور هادي على التعنت في اقتراحين، الأول متعلق بإعادة فتح مطار صنعاء، والثاني بالحديدة. ففي الأول، استمر وفد «الشرعية»، أمس، في لغة التصعيد، مشترطاً لإعادة فتح مطار صنعاء، تفتيش الطائرات أولاً في مطار عدن أو سيئون الخاضعين لسيطرة «الشرعية»، الأمر الذي ترفضه صنعاء، كما شدد، أمس، عضو وفد حكومة «الإنقاذ» المفاوض في السويد، عبد الملك العجري، بالقول إن «الفكرة غير واردة إطلاقاً». أما في شأن الثاني المتعلق بمصير مدينة الحديدة، شريان الحياة الرئيسي في البلاد، بدت لهجة التصعيد مدمرة لطاولة المفاوضات، إذ ترك وفد حكومة هادي «خيار العملية العسكرية» مطروحاً، في حال لم تنسحب قوات حكومة «الإنقاذ» من المدينة ومينائها الرئيسي، و«تسليمها إلى الحكومة الشرعية، وبالذات إلى القوات التابعة للأمن الداخلي»، كما قال، أمس، وزير خارجية حكومة هادي، خالد اليماني، الذي يرأس وفد «الشرعية» إلى المحادثات، رداً على أسئلة وكالة «فرانس برس»، وهو ما ترفضه أيضاً حكومة «الإنقاذ»، وشدد على ذلك، أمس، رئيس الوفد، محمد عبد السلام، في حديث إلى قناة «الجزيرة»، بالقول إن ميناء الحديدة يجب «تحييده عن النزاع العسكري»، وأنه لا بد من تشكيل حكومة أولاً «ثم يُسحب السلاح من جميع الأطراف»، إذ تتضمن تطلعات «الإنقاذ»، تشكيل حكومة جديدة وإلغاء المرجعيات الثلاث، وهي المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، فضلاً عن قرار مجلس الأمن رقم 2216، وإبقاء ميناء الحديدة تحت مراقبة الأمم المتحدة، على أن «المرحلة الانتقالية ستؤسس لمرجعيات جديدة، ويجب أن تكون الدولة هي التي تدير شؤون البلاد»، كما قال أول من أمس، في حديث إلى قناة «الميادين» التلفزيونية.
تصر حكومة هادي على التعنت في اقتراحين الأول متعلق بفتح مطار صنعاء والثاني بالحديدة


وفيما تبدو محادثات أمس، حاسمة لوفد «الإنقاذ»، في شأن مصير المفاوضات، كما عبر عبد السلام، بالقول إن «يوم غد سنحكم إذا ما كانت جولة استوكهولم جدية أم لا»، يُغلق تعنت حكومة هادي في التلويح بالخيار العسكري في الحديدة، واستمرار المعارك في المدينة، الباب أمام أحد أهم أهداف غريفيث من وراء الانخراط في المفاوضات الحالية، عقب ما يزيد على ثمانية أشهر على تعيينه، وهو لعب الأمم المتحدة دوراً رئيسياً في ميناء الحديدة، لـ«الحفاظ على خط الإمداد الإنساني الرئيسي، وزيادة قدرته وفاعليته»، كما قال الشهر الماضي، بعد الإعلان عن المفاوضات الحالية، في حين يغيّم شبح الميدان على «المشاورات»، مع استمرار «التحالف» الذي تقوده السعودية، في شن غارات جوية في الحديدة، قتل على إثرها، أمس، أربعة صيادين، في استهداف قارب صيد قبالة سواحل المدينة، في مديرية المنيرة، إذ أكد الناطق الرسمي للقوات المسلحة، التابعة لـ«الإنقاذ»، العميد يحيى سريع، إن «طيران العدوان شن خلال الساعات الماضية 19 غارة، بالتزامن مع قصف مدفعي وصاروخي كثيف، وزحوفات وتعزيزات للمرتزقة في عدد من الجبهات، وذلك خلال اليوم الثاني من المشاورات في السويد».

أفق دولي مسدود
في حين لا تبدو المشاورات الحالية، سبيلاً لوقف العدوان المستمر منذ أربعة أعوام، لا تبدو الدعوات الدولية لوقف الحرب، التي لم تتوقف منذ بدئها، سبيلاً آخر. لعل أهم تلك الدعوات، أخيراً، مطالبات مشرعين أميركيين، منذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إدارة الرئيس دونالد ترامب، وقف دعم الرياض في اليمن، ووقف مبيعات الأسلحة لها، في إطار الخلاف داخل الولايات المتحدة بين الكونغرس وإدارة ترامب، في شأن علاقة سكان البيت الأبيض بولي العهد محمد بن سلمان. لكن الخلاف القائم، لا يبدو أنه سيفضي إلى منع ترامب من دعم الرياض في حرب اليمن، على رغم أن أعضاء في مجلس الشيوخ، يعتزمون الرد على موقف ترامب من جريمة اغتيال خاشقجي، بدعم تشريع لإنهاء الدعم الأميركي للحرب التي تقودها الرياض، كأحد خيارات ثلاثة يمكن أن يمضي فيها أعضاء المجلس، إلى جانب خياري وقف مبيعات الأسلحة، أو فرض عقوبات جديدة. وفي حين يبحث الأعضاء، تشريعاً يمكن أن يحظى بدعم كاف من الحزبين لإقراره في مجلس الشيوخ، من المتوقع أن يصوت مجلس الشيوخ الأسبوع المقبل، على تشريع خاص بسلطات الحرب، ولكن من أجل أن يصبح هذا التشريع قانوناً، لا يكفي أن يوافق مجلس الشيوخ عليه هذا الشهر، إذ يتعين أن يوافق عليه مجلس النواب، وأن يوقعه ترامب أيضاً، وهذان أمران لا يتوقع حدوثهما هذا العام.