زرنا فريق عمل «فاطمة» في «هُنا سنتر» (الحمرا) قبل انتقاله لإجراء الاستعدادات الأخيرة على المسرح. هناك، شاهدنا العرض من دون العناصر السينوغرافية من إضاءة وديكور وفيديو، بل مع الراقصتين فقط بأزياء العرض (ريّا مرقص) والموسيقى المرافقة. علماً أنّ ظروف مماثلة تفضح غالباً عيوب العمل، إذ تظهره عارياً من أي مؤثرات خارجية، وتلقي الثقل على الراقصتين.
كان واضحاً أننا أمام تجربة مهمة. يخبرنا علي شحرور عن بدايات المشروع، التي انطلقت مع فكرة تصميم عرض راقص على أغنيات لأم كلثوم. المخزون الكبير من المشاعر الكامن في الحالة التي تمثلها المطربة وأداؤها وأغنياتها كلاماً ولحناً، دفع الكوريغراف إلى اختيار أغنيات «كوكب الشرق» نقطة انطلاق للعرض. خيار العمل مع راقصتين غير محترفتين، رانيا الرافعي وأمامة حميدو، نتج عن رغبة شحرور في البحث عن حركة الجسد العفوية ضمن موروثنا الثقافي والشعبي. تؤكد رانيا وأمامة أن خلفيتهما الدينية والثقافية أدت دوراً أساسياً في مساهمتهما في العرض. الارتجالات خلال التمارين كانت مبنية على تجربتهما الجسدية الشخصية النابعة من ثقافة ومجتمع إسلامي ولدتا وكبرتا فيه، وخصوصاً أنّ العرض لا يطرح أسئلة مجردة عن ثقافة حركة الجسد في الحيز العام، بل عن حركة جسد المرأة في المجتمعات الإسلامية المشرقية. العنصر الديني ليس جديداً على عروض علي شحرور. في عرضيه السابقين مع الراقصة إيميلي توماس «على الشفاه، ثلج» (٢٠١١) و«دنس، موت صغير، حركة أولى» (٢٠١٢)، كانت العلاقة بين الجسد والحركة والدين وحتى أم كلثوم، محور اهتمام الفنان.لكن في «فاطمة»، نشهد انتقال الكوريغراف إلى مرحلة أكثر نضجاً. قراره بالعمل مع راقصتين غير محترفين، والبحث خارج لغة الرقص المعاصر الأوروبية والأميركية، دفعا به إلى استكشاف مساحات أكثر عضوية وتواصلاً مع الثقافة التي ينبع منها فريق العرض والجمهور. حتى الحركة القاسية التي قد تصل إلى «العنف» النفسي والجسدي وكانت مبالغة أو مسقطة أحياناً في العروض السابقة، وجدت في «فاطمة» مكانها وتفاعلها مع ثقافة ندركها جيداً. يقول شحرور إنّ البحث خلال تركيب العرض استند إلى مراجع في الميثولوجيا الإغريقية كميديا وأنتيغونا، لكن البحث الحقيقي تمحور حول فاطمات تمتد من خسارة فاطمة الزهراء لوالدها الرسول إلى فاطمات أخرى عبر التاريخ.
مع «فاطمة»، ينضم شحرور إلى البحث عن الحركة في الرقص المعاصر الذي يجريه ألكساندر بوليكيفيتش في حركة الرقص البلدي، وخلود في العلاقة الصافية بين الجسد والإيقاع، ودانيا حمود في بحثها عن الحركة في اللاحركة. تجارب مهما تعثرت أحياناً، إلاّ أنها تبحث في جوهرها عن الحركة لا عن تصميم عرض مبهر، مما يضمن تطور لغات الرقص المعاصر العربي.