هو الاقتراح الأخير على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي ستعقد الاثنين المقبل، لكنه قد يكون الأهم. في البند رقم 39 اقتراح معجل مكرر «لإخضاع الصفقات العمومية في الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات وسائر الهيئات واللجان وأشخاص القانون العام، التي تتولى إدارة مال عام لصلاحيات إدارة المناقصات». صحيح أن هذا البند انضم متأخراً إلى جدول أعمال الجلسة الذي كان مؤلفاً من 38 بنداً، كونه قُدّم قبيل توزيع الجدول بأيام، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أنه تأخر لسنوات طويلة، كان خلالها المال العام يُصرف بلا حسيب أو رقيب.مجلس الإنماء والإعمار ومؤسسة كهرباء لبنان على سبيل المثال، وهما يحصلان على موازنة سنوية ضخمة ينفذّان مناقصاتهما بشكل مستقل، ولا يخضعان لأي نوع من الرقابة، باستثناء الرقابة المؤخرة لديوان المحاسبة، الذي ينقصه الكثير من الإمكانيات للقيام بدوره. البلديات تنفذ صفقاتها بنفسها أيضاً، وكذلك الهيئات العامة والمصالح المستقلة. كلها متحررة من موجب العودة إلى إدارة المناقصات، ومتحررة، بفضل مخالفتها القانون، من موجب اتباع ذات الأسس المنصوص عليها في نظام المناقصات (المادة الثانية من نظام المناقصات) التي بقيت حبراً على ورق لانعدام الرقابة على البلديات والمؤسسات.
في الاقتراح الموقع من النائبين نواف الموسوي وهاني قبيسي سعي لطي مرحلة الفوضى في صرف الأموال العامة. وهو يبدو بمثابة الاختبار المباشر لجدية الكتل النيابية في سعيها للإصلاح ومكافحة الفساد. من اسمي النائبين الموقعين، يتضح تبني كتلتي الوفاء للمقاومة والإنماء والتحرير للاقتراح. لكن ليتحول إلى قانون، فهو بحاجة إلى موافقة نصف عدد النواب الحاضرين في الجلسة زائد واحد. لكن مع ذلك، فإن التركيز سينصب على الكتل الكبيرة، لاسيما تيار المستقبل والتيار الوطني الحر. وليس على سبيل الحصر، فالأول هو الأب الروحي لمجلس الإنماء الإعمار وبلدية بيروت والثاني هو الأب الروحي لمؤسسة كهرباء لبنان، وكلا الجهتين مسؤولتان عن تنفيذ صفقات بمليارات الدولارات. وعلى ما يشير مقدما اقتراح القانون في تعليلهما لصفة العجلة، فإن «صفقات كهرباء لبنان بلغت العام 2016 حدود ثلاثة آلاف مليار ليرة نفذت خارج إدارة المناقصات ومن دون أيّ رقابة داخليّة أو خارجيّة وبغياب مجلس إدارة. أما صفقات مجلس الإنماء والإعمار، فبلغت في العام 2015 حدود 700 مليار ليرة خارج إدارة المناقصات». وهذا ليس سوى غيض من فيض ما يصرف من أموال عمومية بعيداً عن الرقابة. أما النتيجة، فهي أن 95 في المئة من الصفقات العمومية تجرى خارج إدارة المناقصات. وهذا يعني بحسب الأسباب الموجبة للاقتراح أن «الصّفقات العموميّة التي تستنزف الماليّة العامّة، وتُنفَق في معظمها من دون آليّات تضمن الشّفافيّة والمنافسة والمساواة، تحوّلت من فرصةٍ للإنماء وتحقيق الرّفاه وتأمين احتياجات المرافق العامّة بأفضل نوعيّة وأقلّ تكلفة إلى مزراب للتّنفيعات والهدر من دون المردود المنتظر». وهذا يقود إلى أن «تراكم العجز في الماليّة العامّة، وعدم مقدرة الاقتصاد على تحمّل فرض ضرائب جديدة، يفرضان ترشيد الإنفاق، وهو ما لا يمكن أن يحصل من دون إجراءات موحّدة للصّفقات وآليّة رقابيّة رادعة، وتكليف الجّهة الأكثر اختصاصاً في تولّي تلك المهام بالتّعاون مع الجهّات الرّقابيّة الأخرى».
وبناء عليه، فقد نص الاقتراح المعجل المكرر على إخضاع كل الصفقات العمومية التي تتجاوز قيمتها 100 مليون ليرة، من دون استثناء، إلى إدارة المناقصات.
حتى تلك التي تقل عن هذا المبلغ ستخضع، بحسب الاقتراح، لرقابة غير مباشرة لإدارة المناقصات. فهو يشير إلى إلزام كل الجهات المعنية إيداع إدارة المناقصات دفاتر الشروط الخاصة بها قبل 20 يوماً من تاريخ الإعلان عنها أو تبليغ أصحاب العلاقة، ولإدارة المناقصات أن تنتدب مندوباً من قبلها يشارك في لجان التلزيم وأن تعد، عند الاقتضاء، تقارير وترفعها إلى المجلس النيابي وتبلغها إلى المرجع الصالح لعقد النفقة وإلى التفتيش المركزي وديوان المحاسبة.
95 في المئة من الصفقات العمومية تنفذ خارج إدارة المناقصات


إذا مر هذا الاقتراح في الجلسة العامة، فإن مزراب الاتفاقات الرضائية، أحد أبواب الفساد، لن يكون مفتوحاً على مصراعيه. إدارة المناقصات ستكون بالمرصاد. فهي «تتولى مراقبة هذه الأفعال والتدقيق في أسبابها الموجبة ودفاتر شروطها، قبل إصدار قرار معلل في شأنها خلال 15 يوماً. وفي حال عدم موافقة المرجع الصالح (الوزير المختص أو رأس الهيئة العامة) على أسباب التعليل، يعرض الملف على مجلس الوزراء ويكون قرار المجلس ملزماً. لكن في هذه الحالة تصدر إدارة المناقصات تقريراً خاصاً ترفعه إلى رئيس مجلس النواب لتوزيعه على أعضاء المجلس»، الذين لهم، بطبيعة الحال، أن يسألوا أو يستجوبوا السلطة التنفيذية. وفي ذلك فارق شاسع مع ما يجري حالياً، حيث يتغاضى الوزير عن الملاحظات مقابل اكتفاء إدارة المناقصات بإبلاغ التفتيش المركزي بذلك (المادة 18 من قانون المناقصات).
حتى الدراسات والاستشارات، وجدت طريقها إلى الاقتراح. إذا صار الاقتراح قانوناً، فسينطوي على تعديل للمادة 150 من قانون المحاسبة العمومية التي تجيز عقد صفقات الخدمات التقنية (الدراسات والاستشارات...) بالتراضي، وهذه المادة كانت واحداً من أسباب استنزاف المال العام على مدى سنوات. صارت الطريق معقدة أكثر. لا تراضي في الصفقات التي تفوق قيمتها 100 مليون ليرة، إنما يجب إخضاعها لاستدراج عروض يسبقه تأهيل علني.
كل هذه الخطوات ستكون فارغة إذا لم تقرن بتعزيز ملاك إدارة المناقصات، ولذلك ينص الاقتراح على رفع عدد المراقبين إلى 40 إضافة إلى رئيس الإدارة ورئيس المصلحة الإدارية (سبعة حالياً). أما في ما خص سائر وظائف ملاك الإدارة، فتحدد بمرسوم يتخذ في مجس الوزراء. وهذا ليس كل شيء. في الاقتراح تعويضات رمزية مخصصة لأعضاء لجان التلزيم، بعدما كان هؤلاء ينفذون أعمالهم مجاناً.