لم يعد محمد عراجي مضطراً لانتظار «شفقة» مشغلي «برنامج الجسر البحري للصادرات اللبنانية» ليوافقوا على تحميل شاحناته المركونة في الأردن منذ نحو عام وإعادتها إلى لبنان. بعد افتتاح معبر نصيب، منتصف الشهر الجاري، يتحضر سائقوها لإعادتها براً عن طريق سوريا، كما اعتادوا أن يفعلوا قبل إقفال المعبر الحدودي مع الأردن. سدّد عراجي، أحد أصحاب برادات التصدير الزراعي، الغرامات المتوجبة للدولة الأردنية عن كل يوم مكوث تحت مصنّف «ترانزيت»، إضافة إلى الخسائر التي تكبّدها جراء توقف شاحناته عاماً عن العمل. شاحنات عراجي وصلت إلى الأردن على متن باخرة تابعة لإحدى الشركتين اللتين كلفتهما الحكومة اللبنانية نقل شاحنات التصدير بحراً من لبنان واليه، في إطار برنامج النقل البحري الذي أطلقته «المؤسسة العامة لتشجيع الإستثمارات» (إيدال) كبديل عن النقل البري بعد إقفال نصيب. كما كان يدفع للنقل البري، دفع عراجي لشركة الشحن أجرة النقل البحري لشاحناته إلى ميناء العقبة. وبموجب البرنامج، تقاضت الشركة من «إيدال» 3 آلاف دولار إضافية عن كل شاحنة كدعم من الحكومة اللبنانية. ولو عادت شاحناته على متن الباخرة، كانت الشركة ستتقاضى 3 آلاف دولار إضافية عن كل شاحنة أيضاً. لكن ما حصل، بحسب عراجي، أن الشركة تباطأت في إعادة الشاحنات بذريعة الازدحام. والإزدحام هنا ليس بسبب البرادات الزراعية فقط، إنما بسبب شاحنات تصدير المنتجات الصناعية التي تستفيد من برنامج الدعم أيضاً. يقول عراجي إن الشركتين «كانتا تفضلان نقل المنتجات الصناعية أولاً لأن كلفة نقلها أعلى من كلفة نقل المنتجات الزراعية. ولا مشكلة لديهما في جعل شاحناتنا تنتظر لأشهر».ما حصل في الأردن مع شاحنات عراجي وغيره، حصل مثله في مرفأ دبا السعودي الذي شكل وجهة التصدير البحري الأولى طوال السنوات الماضية. هناك تعرض أصحاب الشاحنات وسائقوها لـ«الإبتزاز من قبل أصحاب الباخرة». شقيق عراجي احتجز لأيام في دبا ومنع من الخروج خارج حرم المرفأ. وكان عليه، في انتظار موافقة الشركة على عودته وشاحناته، تكبد رسوم إضافية عن كل يوم ركن في المرفأ.

الاحتكار لشركتين
عند بدء أزمة المصدّرين اللبنانيين، بعد إقفال معبر نصيب في نيسان 2015، قدم المصدّرون والتجار اقتراحات عدة لرئيس الحكومة آنذاك تمام سلام للتعويض عن إغلاق المعبر، من بينها تشغيل طريق الوزاني ــــ إربد على أن يشرف عليها جمرك لبناني وسوري، أو شراء الدولة عبّارات للنقل البحري يشرف الجيش على تشغيلها. في النهاية، «انتصر» خيار النقل البحري لمصلحة شركتين اثنتين فقط، هما «فالكون شيبينغ» و«غلوبال انفستمنت» اللتين يعدّ أصحابهما من المقربين من تيار المستقبل.
الشركتان سجلتا لحسابهما لدى البرنامج أربع بواخر لنقل البضائع. لكن، بعد مدة قليلة، انحصر النقل بباخرتين اثنتين، الأولى «بقاع دريم» ويشغلها الفلسطيني محمد يوسف، والثانية «آزوف 2» ويشغلها علي عبد الفتاح وعادل التيني.
رئيس نقابة مالكي الشاحنات المبردة في لبنان عمر العلي يؤكد أن الثلاثة يملكون شاحنات للنقل البري. ويلفت الى أن الباخرتين اللتين حُصر التصدير عبرهما «صالحتان لتصدير المواشي وليس لتصدير المنتجات الزراعية»!

الدعم يتحوّل ابتزازاً
العلي أكد لـ«الأخبار» أن برنامج الدعم تحوّل إلى «ابتزاز للمصدّرين وأصحاب البرادات بسبب تحكّم الشركتين بالأسعار ومواعيد النقل»، مشيراً إلى «غياب تام» لـ«إيدال» ومديرية النقل البحري في وزارة النقل والأشغال العامة. ولفت الى أن عشرات التجار والمصدرين تعرضوا لانتكاسات مالية، و«بعضهم دخل السجن في شكاوى شيكات من دون رصيد بناء على دعاوى من الدائنين». إذ أن «المواسم اللبنانية تثمر في وقت واحد ويتزاحم التجار لتصدير بضاعتهم، ما يؤدي الى انخفاض الأسعار وارتفاع كلفة التصدير، فضلاً عن انتظار المصدرين طويلاً لدورهم، مما يلحق ضرراً بجودة المزروعات بسبب الأثر السلبي للتبريد لفترات طويلة».
حتى «ايدال» أبدت انزعاجها من أداء البرنامج، واشارت في تقرير اصدرته العام الماضي لتقييم العامين الأولين من البرنامج، الى أن «التحدي الأساسي استقطاب عدد اكبر من شركات الشحن البحري لزيادة عامل المنافسة، ما يؤدي الى خفض الأسعار».
هذه المآخذ تثير شكوكاً حول سبب توافق الحكومة و«إيدال» على احتكار الباخرتين التصدير البحري منذ ثلاث سنوات، وحول الجهة السياسية التي تغطي احتكار الشركتين اللتين حظيتا بمليارات الليرات من هذا البرنامج الذي لم يتمكّن من إعادة الصادرات الزراعية الى المستوى الذي كانت عليه قبل عام 2015، بحسب وتقارير غرفة التجارة والصناعة والزراعة في زحلة والبقاع.
خيار النقل البحري انحصر بشركتين أصحابهما من المقربين من تيار المستقبل


«في شي غلط»، يقول النائب عاصم عراجي. يتحدث عن «شبهات عدة» تحوم حول تطبيق البرنامج الذي «استبشرنا به خيراً في البداية قبل أن نكتشف بأنه خيار خاطئ». بعد إقفال معبر نصيب، كان عراجي واحداً من نواب البقاع الذين توافقوا مع سلام ووزير الزراعة السابق أكرم شهيب على التصدير البحري. لم تمر أشهر حتى تحول خط النقل إلى «تاكسي خاص على حساب الدولة: فساد وغلاء أسعار وابتزاز للتجار ومزاجية لدى أصحاب البواخر في اختيار من يريدون نقل شاحناته»!. والأغرب أن «بعض التجار عملوا على تهريب منتجات زراعية من سوريا وتوضيبها في لبنان وتصديرها عبر خط النقل. فيما البضائع اللبنانية تكسد في الأرض». يقول عراجي إن الحكومة تكبدت إلى الآن أكثر من 44 مليار ليرة على دعم التصدير البحري «لكن الشركتين وحدهما استفادتا. فيما تكبّد المصدّرون خسائر بسبب طول مدة وصول البضاعة إلى المستورد وبجودة أقل بسبب مستوى التبريد المرتفع. يعني راح الدعم على الفاضي. ولو اشترت الدولة عبّارات لكانت الكلفة أقل بكثير». يخلص عراجي إلى أنه «بعد فتح معبر نصيب، صار لازم نسكر هالدكانة»!



النقل البري صار أغلى
مطلع الأسبوع الجاري، توجهت اولى شاحنات التصدير الزراعي من البقاع نحو سوريا عبر جديدة يابوس، للمرة الأولى بعد افتتاح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن. انتظر المزارعون والتجار طويلاً إعادة فتح المعابر السورية مع دول الجوار لأنها المنفذ اللبناني الوحيد للتصدير البري. لكن فرحتهم بفتح نصيب لم تكتمل، بسبب الرسوم الإضافية التي فرضتها سوريا والسعودية على عبور «الترانزيت». يقول رئيس رئيس نقابة مالكي الشاحنات المبردة في لبنان عمر العلي إن النقابة حاولت إرسال شاحنات إلى الأردن كاختبار بأن المسار عاد آمناً. واقترحت تصدير البصل والبطاطا البقاعية إلى الأردن لأنها منتجات تتحمل ظروف النقل وطول المسافة. لكن التجار اللبنانيين فوجئوا بقرار أردني مستحدث يمنع دخول هذين المنتجي، إضافة إلى قرار وزارة الإقتصاد السورية برفع رسوم «الترانزيت» عن كل شاحنة وكل دخول. فبعدما كانت السلطات السورية تتقاضى نحو 89 دولاراً عن كل شاحنة، يقضي القرار الجديد باستيفاء ما معدله 700 دولار. كما رفعت السعودية الرسوم إلى 100 ريال عن كل طن تحمله الشاحنة و1200 دولار بدل تأشيرة الدخول لسائقها لمدة 6 أشهر. وفرضت على المصدرين الحصول على إفادة من السفارة السعودية في بيروت بكمية البضائع المصدرة ونوعيتها ووجهة الإستيراد، تصدق من غرف التجارة ووزارتي الخارجية في بيروت والرياض. بحسب العلي، «يستلزم إنجاز المعاملات المطلوبة أكثر من 20 يوماً،ما يعني تكديس البضاعة وتراجع جودتها».


ستة آلاف دولار للشاحنة
في 17 أيلول 2015، بعد خمسة أشهر على إقفال معبر نصيب، أطلقت «إيدال» برنامج «الجسر البحري للصادرات اللبنانية»، بناء على قرار مجلس الوزراء، لمدة سبعة أشهر، قبل أن يُجدد لمدة عام، وبعدها لعام ثالث. وفق تقارير «إيدال» المنشورة على موقعها الإلكتروني، سجلت في البرنامج شركتان تملك كل منهما باخرتين سعة كل باخرة 60 شاحنة. عملت البواخر الأربع بشكل منتظم بمعدل رحلة كل خمسة ايام. واعتمد مرفأ طرابلس لانطلاق البواخر مروراً بقناة السويس الى دبا والعقبة (بديلاً عن معبر نصيب) ومرسين التركية (بديلاً عن معبر التنف في العراق). ورصدت للبرنامج كسلفة خزينة 21 مليار ليرة لغاية نهاية 2016، كدعم مباشر لنقل شاحنات الصادرات. في آذار 2017، قرر مجلس الوزراء تجديد البرنامج ومنحه سلفة خزينة إضافية بقيمة 17 مليار ليرة لغاية آذار 2018. وخصص دعماً عن كل شاحنة تنقل بمعدل 6 آلاف دولار ذهاباً وإياباً. واحتسب معدل دعم نقل كل شاحنة بالفارق بين كلفة النقل البري والبحري.