ضربتان «موجعتان» للمقدسيين في أقل من 24 ساعة أطاحتا عقارين مهمّين، إن كان لجهة القرب من المسجد الأقصى، أو لجهة المساحة المستولى عليها. إذ هجم عشرات المستوطنين فجر أمس، بحماية من شرطة الاحتلال، على عقار في حارة السعدية في البلدة القديمة، واستولوا عليه، من دون أن يتضح بعد تفاصيل تسليم العقار، أو طريقة السيطرة عليه للناحية «القانونية». العقار المكوّن من 3 طبقات، والعائد إلى عائلة جودة، ويبعد 100 متر فقط عن الأقصى، كانت «الأخبار» قد أنجزت تحقيقاً مفصلاً عنه قبل عامين (راجع: فلسطينيون وإماراتيون يبيعون القدس، العدد 2895 في 27/5/2016) ، بعدما حصلت على أوراق تفصيلية بشأنه، أظهرت بيعه في الخامس من تشرين الثاني 2014 من مالكه (لمياء جودة، وابنها أديب جواد جودة)، للمدعو فادي السلامين، المحسوب على القيادي المفصول من حركة «فتح» محمد دحلان، المقيم في الإمارات، وقد سجله المشتري لمصلحة شركة إماراتية تابعة للأخير.وبعدما سبّب التحقيق حجز أموال السلامين أولاً (بقرار من النائب العام الفلسطيني)، وثانياً إلغاء البيع كما أعلن بنفسه (بأمر قضائي إسرائيلي)، بيعَ العقار للمدعو خالد محمد عبد الحميد عطاري، في 28/9/2016، أي بعد شهور قليلة على تحقيق «الأخبار»، وهو ما يظهر حرص عائلة جودة على بيع البيت، رغم ما أثير حوله من ضجة. ورغم أن العائلة لم تقدم توضيحات بشأن البيع الأول، اكتفت آنذاك بالدفاع عن نفسها ووطنيتها (ابنها أديب كان يعمل شرطياً إسرائيلياً، كذلك فإنه يحمل مفتاح كنيسة القيامة بوصفه أميناً عليه).

عقد البيع الجديد


«الأخبار» حصلت على نسخة من عقد البيع الجديد، علماً أن السلامين حرص على إظهار أن البيع له قد ألغي (عبر منشور على صفحته بتاريخ 12/5/2017)، كذلك فإنه استغل الحادث أمس، ليوحي عبر منشورات متتالية أن شراءه العقار (بمبلغ 2.5 مليون دولار لم يعقب بعدُ على أن مصدرها إماراتي) كان بهدف حمايته، وأن المشتري الجديد تقف خلفه السلطة التي كان هو نفسها على علاقة جيدة بها قبل أن يختلف معها وينضم إلى دحلان، فضلاً عن تقديم فادي دعوى (قائمة) في القضاء الأميركي ضد «بنك فلسطين» (راجع: كِباش مع «بنك فلسطين»: تحقيق «الأخبار» بتدبير المصرف والمخابرات!، العدد 3488 2018/6/11) .
أما عقد البيع الجديد (المشطوب فيه أرقام الهويات الشخصية والمبلغ المبيع به العقار كما وصلنا من المصدر)، فشمل إشارة واضحة إلى البيع السابق للسلامين، وأن إلغاءه كان لأن الأخير لم يكمل دفع المبلغ المستحق على الحساب بعد إرساله الدفعة الأولى فقط (نحو مليون ونصف مليون). وبذلك، قدمت دعوى وأُلغي البيع. وكان لافتاً، على نحو يدين السلامين، أن البند الثاني في العقد الجديد ذكر أن فادي «لم يتقدم بلائحة دفاعية، والدعوى تحت القيد والانتظار في المحكمة (الإسرائيلية)»، خاصة أن العائلة لم توضح أنها ردت الدفعة الأولى التي تسلمتها منه، كذلك إن البند الرابع (فقرة ب) أكد «إبطال الوكالة الدورية غير القابلة للعزل التي أعطيت من الفريق الأول للسلامين»، وهي خطوة قانونية تحتاج إلى «واسطة» مع الإسرائيليين لتتم.
قدّم السلامين ما حدث على أنه «دليل براءة» وأن السلطة هي المتهم


وفي البند 14 من عقد البيع، يظهر أن هناك طرفاً ثالثاً سُمّي «الأمين» سيتسلّم الدفعة الأولى من المشتري حتى إتمام عملية البيع بصورة سليمة، وذلك عائد إلى خوف البائع والمشتري (كما يظهر في البند 16) من أنه «لا سمح الله (إذا) لم يتم إبطال الصفقة مع السلامين يلتزم المشتري ترجيع الوضع القانوني كما كان قبل التوقيع على هذه الاتفاقية، ويلتزم البائعون إعادة المبالغ إلى المشتري...». ولم تشمل اتفاقية البيع أي إشارة إلى موضوع تسريب العقار إلى جهات إسرائيلية أو التحذير منه، رغم أن العقد شمل بالتفصيل قضية السلامين الذي من المفترض أنه ألغي البيع له بناءً على سبب سياسي (ملكية الإمارات) وسبب قانوني ظاهري (عدم سداد الدفعة الباقية)، وهو ما يدل بالحد الأدنى على أن العائلة غير حريصة على مآل بيتها.
وبشأن الحدث، اكتفى الابن أديب بمنشور على صفحته على «فايسبوك» أمس، يكتفي فيه بالإشارة إلى حدوث البيع «قبل أكثر من عام» (من دون تحدد التاريخ)، وأنه «قمنا قبل بيعه العقار بالسؤال عن شخص الدكتور خالد العطاري من شخصيات فلسطينية بارزة وقد أشادوا جميعاً بأخلاق... وبعائلته وبالأخص إخوته ذوي السمعة الطيبة»، وذلك من دون تلميح إلى كونه مسؤولاً عن التسريب أو أنه جرى جبراً عنه، ومن دون تحمّل أدنى مسؤولية عمّا حدث من جهة العائلة، أو حتى التعقيب (فضلاً عن الاستنكار) على اقتحام المستوطنين.



والأنكى أن التسريب حدث رغم أنه انتشر بين المعنيين مقطع مسجّل، وصل «الأخبار» نسخة عنه لمكالمة مسجلة مع أحد أقرباء العائلة، وهو عدنان غالب الحسيني، الذي كان محافظ القدس السابق في السلطة ووزيراً لشؤون القدس وكذلك مديراً لأوقاف القدس ومستشاراً لرئيس السلطة لشؤون المدينة. يسأل المتصل عن طبيعة المشتري الجديد (خالد عطاري)، فيما يؤكد له الحسيني أنه جرى التحقق منه عبر الأجهزة الأمنية والتأكد من سلامة ملفه والتشديد على أنه لا يمكنه الشراء والبيع كيفما يريد. وعندما يصرّ المتصل، الذي يبدو أنه على معرفة بالمحافظ السابق، على التأكد من ذلك، يحاول الأخير التملص والقول إن العقار «وقف» ولم يقدم إجابة حاسمة، إلى أن حدث ما حدث أمس.

فيديو للمحادثة مع محافظ القدس السابق عدنان الحسيني



ووفق معلومات صحافية، يعمل عطاري في مجال البنوك وشركات التأمين، ويبدو أنه حاول الحصول على عقارات أخرى في المدينة المحتلة. وهذا البيت جزء من مبنى معروف في عقبة درويش في حارة السعدية، وكانت تستأجر فيه عيادة طبية تابعة لـ«كوبات حوليم» (هيئة إسرائيلية صحية) أخليت منذ مدة قريبة. ويُفضي المنزل إلى محاور طرق لأحياء رئيسية، وهو يطل على الأقصى.
وأول من أمس، استولت الجمعية الاستيطانية «إلعاد» تحت حماية قوات الاحتلال على مبنى وقطعة أرض في وادي حلوة في قرية سلوان، القريبة من القدس، تعود ملكيته إلى عائلة فتيحة التي تعيش حالياً في الولايات المتحدة، وأجبروا الساكنين فيه من عائلة مسودة، مع أنها تعيش فيه منذ 30 عاماً، على إخلائه. ووفق مركز «معلومات وادي حلوة»، يتكون العقار من شقتين بمساحة 160 متراً مربعاً، إضافة إلى أرض تبلغ مساحتها 800 متر مربع مزروعة بأشجار الزيتون والتين.

فيديو اقتحام عقار عقبة درويش