تجازف السعودية في تحدي أهالي المهرة الرافضين لوجودها في محافظتهم. تريد تنفيذ مشروعها المتعلق بمدّ أنبوب نفطي إلى بحر العرب بالقوة، وتسعى في ضرب القبائل «المهرية» بعضها ببعض، غير مكترثة بما يمكن أن تدفع إليه سياساتها هذه من تمرّد «غير سلمي» على احتلالها و«شقيقتها» الإمارات للمحافظات الجنوبية والشرقية. في المقابل، لا يبدي «المهريون» أي استعداد للتنازل عن مطالبهم، بل يمضون في تصعيد فعالياتهم، مُتمسّكين برفضهم السماح للرياض بالاستيلاء على أرضهم وثرواتهم. ولعلّ أكثر ما يبدو لافتاً في الديناميات التي تشهدها المحافظة اليوم، تمنّع مشايخ محسوبين على المملكة عن الاستجابة لمطالبتها إياهم بالاصطدام بـ«المتمردين».ووفقاً لمصادر محلية، أوعزت السلطات السعودية إلى أحد المشايخ القبليين الموالين لها بتسيير قوة مسلحة نحو منطقة طوف شحر التي يفترض أن يمرّ الأنبوب فيها، بهدف التصدي لعمليات «التخريب» المتكررة التي يقوم بها «المتمردون»، الذين تمكّنوا، أول من أمس، للمرة الثالثة على التوالي، من انتزاع الشارات الإسمنتية الخاصة بالمشروع. لكن الشيخ المذكور رفض تنفيذ الأمر السعودي، على اعتبار أن تحركاً من هذا النوع سيؤدي إلى دخول أبناء المهرة في قتال بيني. رفضٌ حَمَل السعودية على طلب لقاء عاجل للقبائل المحسوبة عليها في معسكر في مديرية حات، بهدف التباحث في سبل توفير الحماية للشركة السعودية التي تتولى تنفيذ مشروع الأنبوب، بعدما لم تفلح محاولات المملكة في إقناع القوات الأمنية المحلية بالقيام بهذه المهمة التي تعني عملياً قمع المتظاهرين. وترافق استدعاء الرياض للمشايخ القبليين إلى معسكر حات، الذي يوجد فيه عناصر الحماية التابعون للمحافظ راجح سعيد باكريت، مع تحركات مريبة للقوات السعودية داخل المحافظة، تمثّلت في خروج عشرات الأطقم من مطار الغيضة، وتوجّه أخرى سُحبَت من معسكر نشطون الذي استُحدث أخيراً بجوار ميناء نشطون نحو المطار.
شهدت محافظات عدن وأبين وحضرموت احتجاجات على تردّي الأوضاع


هذه التحركات والتهديدات، التي تأتي بعد محاولة فاشلة لتجريد المتظاهرين من عناصر القوة والقيادة، لا يبدو أنها ستنجح في ترهيب «المهريين»، الذين بدأت أوساطهم تتحدث عن «خيارات بديلة» يمكن اللجوء إليها في حال إصرار الرياض على تجاهل مطالب الاعتصام السلمي المستمر منذ أشهر، مُحذرة من مغبّة التهور في استخدام القوة ضد المحتجين، ومؤكدة أن أي تصعيد لن يقابَل إلا بردّ مماثل. تحذيرات ترافقت مع عودة الشيخ القبلي البارز، عبد الله بن عيسى آل عفرار، المؤيد لمطالب المعتصمين، إلى محافظة المهرة، التي من شأنها أن تشكل عامل دعم إضافياً للاعتصامات والاحتجاجات، بالنظر إلى ما يمثله الرجل من ثقل في محافظتَي المهرة وسقطرى.
الانتفاضة «المهرية» المتواصلة ضد الوجود السعودي في المحافظة، توازيها هبّةٌ، لا تكاد تهدأ حتى تتزخّم مجدداً، في بقية المحافظات الجنوبية، احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية، والذي تجلّت آخر مظاهره خلال الساعات الماضية في تسجيل الريال اليمني أدنى مستوى في تاريخه، كاسراً حاجز الـ800 ريال للدولار الواحد. وشهدت مدينة عدن، أمس، تحركات غاضبة، عمد خلالها المحتجون إلى إغلاق عدد من الشوارع الرئيسة، تنديداً بانهيار العملة وارتفاع الأسعار. مشهد انسحب، كذلك، على جارة عدن، محافظة أبين، حيث خرجت في مديرية لودر تظاهرة حاشدة، توازياً مع إغلاق محلات الصرافة وقطع الطرقات العامة. اللافت أنه خلافاً لما تدعيه القوى المحلية المتحالفة مع الإمارات من أن الاحتجاجات مُوجَّهة حصراً ضد حكومة أحمد عبيد بن دغر، لم يستثنِ المتظاهرون في شعاراتهم وهتافاتهم أياً من الأطراف النافذة على الساحة الجنوبية. ولعلّ ذلك هو ما دفع فرع «المجلس الانتقالي الجنوبي» (الموالي لأبو ظبي) في لودر إلى إصدار بيان وصف فيه تلك الشعارات بـ«الجوفاء»، معتبراً إياها «تعبيراً عن التهجّم القبيح لداعميهم من مجموعة قطر وإيران».