قبل ظهر امس، فجر انتحاري نفسه في الشارع العريض في قلب حارة حريك في الضاحية الجنوبية، على بعد امتار قليلة من مكان التفجير الذي استهدف الشارع نفسه في الثاني من الشهر الجاري. آلية التنفيذ مطابقة تماماً لما جرى سابقاً: شاب في مطلع العشرينات من عمره، يقود سيارة مسروقة من احدى المناطق اللبنانية، ومجهّزة بكمية غير كبيرة من المتفجرات، يسلك طرقاً عدة قبل الدخول الى الضاحية الجنوبية، ويتوجه الى حارة حريك، وبعيد دخوله بدقائق يختار لحظة مناسبة لتفجير نفسه بقصد قتل أكبر عدد ممكن من الناس.
التحقيقات التي جرت على عجل، بعد ساعات من التفجير، بيّنت ان الانتحاري فجّر نفسه أثناء قيادته للسيارة، اي انه لم يركنها الى جانب الطريق، وأن السيارة من طراز «كيا سبورتج» فضية اللون، رقمها الاساسي هو 429513 -ج، وتعود ملكيتها لكلاس كلاس من بلدة كفرحباب، وتمت سرقتها في 30 تشرين الاول عام 2013.
وقد قدّرت زنة العبوة بعشرين كيلوغراما من مادة «تي ان تي»، كانت مربوطة بقذيفتي هاون على الاقل، وتم تغليفها باطار معدني كان محشواً بكرات حديدية لإصابة أكبر عدد ممكن من المدنيين. واظهرت التحقيقات ان الانتحاري كان مزوداً ايضا بحزام ناسف لم ينفجر. ولم يعرف ما اذا كانت الخطة الاصلية تقتضي بأن يركن السيارة ويفجّرها ثم يتبعها هو بحزامه الناسف.
وبحسب المعلومات والمعطيات التي تجمعت من مسرح الجريمة، فان السيارة المسروقة من قبل المدعو نبيل الموسوي، بيعت الى احد عناصر مجموعة أحمد طه، وتم نقلها الى داخل الاراضي السورية حيث تم تفخيخها في منطقة يبرود في القلمون أيضاً، حيث فُخّخت كل السيارات التي استهدفت الضاحية وغيرها في الفترة السابقة أو تلك التي عثر عليها. وقد ارسلت السيارة الى لبنان، ونجحت في عبور حواجز امنية في اكثر من منطقة، رغم ان مواصفاتها معمّمة على العناصر الامنية كافة، ولم يحصل اي تعديل على شكلها، مع تعديل وحيد في رقم لوحتها الذي تبين انه 347527 – ج، ويعود الى سيارة اخرى من نوع «تويوتا».
وبحسب الاوراق الخاصة بالانتحاري والتي وجدت في مسرح الجريمة، تبين ان صورة الانتحاري وضعت على دفتر قيادة مزور يحمل اسم علي أديب طليس من بلدة بريتال البقاعية، كما عثر على دفتر السيارة المزور باسم أديب محمد طليس. وأفادت المعلومات ان صورة الانتحاري الموجودة على اجازة السوق قريبة جداً الى المواصفات التي ادلى بها شهود كانوا في المنطقة قبل التفجير.

مجموعة احمد طه

المصادر الامنية المعنية بالملاحقة المستمرة لمجموعات الارهاب، كشفت ان المجموعة التي ارسلت السيارة امس، هي نفسها المجموعة التي ينتمي اليها المطلوب احمد طه، الفلسطيني من مخيم برج البراجنة، والذي كان عضواً في حركة «حماس»، وفرّ بعد ثبوت تورطه في اطلاق صواريخ على الضاحية الجنوبية العام الماضي. والمفارقة ان تفجيري الشارع العريض وتفجير الرويس استهدفت أماكن قريبة من منزل طه في الحارة، وهو المنزل الذي داهمه الجيش اللبناني بعد كشف تورطه في عمليات اطلاق الصواريخ.
وهذه المجموعة، كما تؤكد المعلومات، هي نفسها التي ينتمي اليها انتحاري حارة حريك الأول قتيبة الصاطم، وكذلك الانتحاري الذي فجّر نفسه في الهرمل قبل ايام. علما ان التحقيقات حول هوية الاخير قد تقدمت كثيراً.

ارهابيو سوريا: مستمرون

وتلقت «الاخبار» معلومات من مصادر داخل قيادة «الدولة الاسلامية» في منطقة القلمون، تتحدث عن انطلاقة «خطة عمل» داخل لبنان، يتم خلالها التنسيق الكامل بين «الدولة» و«جبهة النصرة»، وانه لا مشاركة لآخرين من قوى لبنانية سبق ان واجهت مشكلات مع الدولة. واعتبرت المصادر ان مقتل غير شيعة في تفجيرات الضاحية لن يعدّل في القرار وان «هؤلاء نحتسبهم شهداء عند ربهم». وتوعّدت المصادر بالمزيد من العمليات الانتحارية، موضحة ان اسباباً أمنية تقف خلف تقليص حجم العبوات داخل السيارات المفخخة.

التقصير الامني؟

استخبارات الجيش والأمن العام وفرع المعلومات وجهاز أمن المقاومة تعرف الجهات المركزية التي تقف خلف هذه التفجيرات. ولدى الاجهزة معلومات مفصلة حول أماكن تحصّن العقل المخطّط والمفخّخ وحتّى المنفِّذ، كما تعلم جيّداً بتحركات هؤلاء وأماكن انطلاقهم ومع من يتعاملون.
وما بين ايدي الاجهزة معلومات يؤكّد صلة المدعو ابراهيم الأطرش بكل ما يحصل. والأخير هو عمّ عمر الأطرش الذي قُتل في جرود عرسال نهاية العام الماضي أثناء قيادته سيارة مفخّخة كانت تستهدف الهرمل. والأطرش هذا يتّخذ من بلدتي رنكوس ويبرود داخل الاراضي السورية منطلقاً لتنفيذ هذه العمليات.
كذلك تعلم الاجهزة الامنية بأنّ المدعوين «أبو البراء» و«أبو جعفر» يتوليان تفخيخ السيارات وإعدادها قبل إرسالها إلى لبنان عبر الجرود العرسالية، وأنّ أمير «الدولة الإسلامية» في القلمون «أبو عبدالله العراقي» ومعاونه «أبو القاسم السوري» خطّطا ونفّذا هجومين انتحاريين على الأقل في الضاحية الجنوبية. أما المسؤولان عن نقل السيارات فهما احمد الاطرش وهمام الحجيري. ناهيك عن دور الشيخ مصطفى الحجيري (ابو عبادة المعروف بـ «أبو طاقية»)، الذي بات، رسمياً، متعهّد إيواء واستضافة عناصر «جبهة النصرة» في لبنان. ولدى الأجهزة الأمنية معلومات مفصّلة عن أماكن وجود هؤلاء وحتى دخولهم إلى الأراضي اللبنانية في بعض الأحيان، علماً بأنّ سامح البريدي، المتورّط في متفجرتي بئر العبد والرويس، فاخر أكثر مرّة بأنّه يمر على حاجز الجيش اللبناني في عرسال على مرأى من عناصره من دون أن يجرأوا على توقيفه، كونه يرتدي حزامه الناسف فوق ثيابه لإرهابهم.
(الأخبار)




السارق المنبوذ

ترددت معلومات أن المدعو نبيل الموسوي اعترف بسرقة السيارات التي كان يسلمها الى ماهر طليس الذي يرسلها الى سوريا لتجهيزها بالمتفجرات، علماً أنّه سارق السيارتين اللتين انفجرتا مؤخراً. وعلمت «الأخبار» أن الموسوي شخص منبوذ من ذويه وﻻ يسكن في النبي شيت منذ سنوات بعيدة، وهو في العقد الثالث من العمر، غير متزوج، اشتهر بسلوكه المشين واعمال النصب والاتجار بالمخدرات وصرف مدخرات ذويه على الدعارة.
وقبل عشر سنوات باع والد الموسوي اراضي يمتلكها ومحلاً للقصابة كي يرد الاموال التي نصبها ابنه الى أصحابها واخراجه من السجن. لكنه سبّب متاعب كبيرة لاهله واخوته، فتبرّأ والده منه عدة مرات امام الملأ. وفي السنوات الاخيرة، سكن نبيل في بيروت وعمل عند مستديرة الصياد في تأمين الركاب للفانات مقابل اجر زهيد، من دون ان يعرف عنه تغيير ايجابي في مسلكيته.