لم تكن قرارات وتوجهات زعماء «البيت الأبيض» يوماً لغير خدمة إسرائيل، ولكن إدارة الرئيس دونالد ترامب، منذ وصلت إلى الحكم، شرعت في تنفيذ خطوات عملية هي الأخطر على مصير القضية الفلسطينية، والفلسطينيين، كما على دول جوار فلسطين، بدءاً من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ووصولاً أمس إلى إعلان وقف تمويل «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا). هذا الإعلان، الذي جاء بعد تمهيد طويل من الجانب الأميركي، يستهدف بشكل مباشر إنهاء «حق العودة» للاجئين الفلسطينيين في كل العالم، ويهدد بخلق أزمة حساسة ومعقدة في بلدان الجوار، وبخاصة في بلد مثل لبنان. ومن خلف ذلك كله، هو يؤسس لمحاولة إفراغ فكرة المطالبة بفلسطين كبلد للفلسطينيين من دون غيرهم، وإحباط أي فعل مقاوم ضد الكيان الإسرائيلي المحتل. ولطالما شكل وجود اللاجئين الفلسطينيين في دول الجوار، مسألة خلافية، استثمرت في السياسة وغيرها، ولكنه في الوقت نفسه، ساهم في تكوين وعي وذاكرة، تربت عليها أجيال من رافضي وجود إسرائيل. اليوم، تحاول إدارة ترامب إعدام فكرة «اللاجئ» الفلسطيني المهجّر من أرضه المحتلة، لتحوّله إلى مثل غيره من اللاجئين ممن تعاني بلدانهم من إشكالات أمنية أو كوارث طبيعية، ولكنه ـــ على خلافهم ـــ مجرد من وطن يعود إليه. تعويم اللاجئين في الخارج، مقروناً بجهود إسرائيل لتهويد وطمس جميع المعالم الفلسطينية في الداخل، هو نهج لإلغاء شعب، ومن خلفه فلسطين. ولا ضير، بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، من تحويل قضية اللاجئين إلى أزمة تخنق دول الجوار ــ وبخاصة التي ما زالت تعتبر فلسطين أرضاً محتلة. أمس، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، إنهاء تمويل «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، واصفة إياها بـ«المنحازة في شكل لا يمكن إصلاحه». وقالت الناطقة باسم الوزارة هيذر نويرت، إن إدارة الرئيس دونالد ترامب ترى أن «الأونروا» تزيد «إلى ما لا نهاية وبصورة مضخّمة» أعداد الفلسطينيين الذين ينطبق عليهم وضع اللاجئ، مضيفة أن المشكلة «تتعدّى الحاجات التمويلية وعدم تحقيق تقاسم متوازن في الأعباء» بين المانحين، بل تتّصل بـ«نموذج الأونروا نفسه». وسبق لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أن مهّد لهذا القرار في زيارته الأخيرة لفلسطين المحتلة (19 آب الفائت)، حيث استنكر قيام الأونروا بما سمّاه «توريث» صفة اللاجئ، مكرراً الدعاية الصهيونية التي تزعم أن اللاجئين هم الجيل الأول من الذين «خرجوا» من فلسطين عام 1948، وأن أبناءهم وأحفادهم ليسوا لاجئين!
«حماس» للأمم المتحدة: لا نقبل أي تحسينات على حساب «الأونروا»

ويندرج القرار الجديد ضمن خطة كاملة كانت قد تحدثت عنها وسائل إعلام إسرائيلية (راجع العدد 3549 في 27 آب)، وتتضمن خطوات أُولاها نشر تقرير عن عدد اللاجئين وتقليص إحصائهم إلى نحو نصف مليون (10% من عددهم الحقيقي)، مقارنة بأكثر من خمسة ملايين وفقاً للاعتراف الدولي و«الأونروا». أما المرحلة الثانية، فستكون بإعلان إدارة ترامب سحب الاعتراف بالوكالة الدولية الخاصة بالفلسطينيين ورفض تعريف اللاجئ المتّبع فيها، في إشارة إلى «نقل مكانة اللاجئ عبر التوارث بين الأجيال»، ثم ستكتفي واشنطن بالاعتراف بـ«المفوضية السامية لشؤون اللاجئين» كوكيل عن قضيهم. وسيعقب ذلك وقف الميزانيات وتمويل فعاليات «الأونروا» وأنشطتها، تحديداً في الضفة المحتلة والأردن، المنطقتين اللتين لا تعيشان أزمة أو «نزاعاً» وفق الرؤية الأميركية.
وهذا سيؤدي بدوره إلى عجز «الأونروا» عن تنفيذ المهمات التي وجدت من أجلها. وفي هذه الحالة، سيحوّل ملف اللاجئين وفق البروتوكول إلى «المفوضية السامية» (UNHCR)، الأمر الذي أظهره البند الثاني والعشرون من الوثيقة التي تحمل الرقم HCR/GIP/17/13، وتتضمن إرشادات وتوجهات توضيحية بخصوص المادة (1 د) من اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين القانوني، التي صدرت أواخر 2017 من دون أن يعترض عليها أحد (راجع العدد 3357 في 27 كانون الأول 2017). وبالطبع، لا تعترف المفوضية بحق العودة، بل ستضع خيارات محدودة أمام اللاجئين: العودة الطوعية إلى البلد الأصلي (غير وارد في الحالة الفلسطينية بعد اعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل عام 1949)، أو التوطين في بلد اللجوء (هنا يخرج اللاجئ من نطاق خدمات المفوضية في حال حصوله على جنسية بلد يستطيع حمايته، وهذا الحل يسقط حق العودة لكل الفلسطينيين في الأردن ممن يحملون أرقاماً وطنية تثبت أردنيتهم، ويمثل هؤلاء 41% من أعداد اللاجئين المسجلين لديها). والحل الأخير توطين اللاجئين في بلد ثالث، أي أن المفوضية ستعمل كوكيل توطين «بتعاون دولي».
تبعاً لهذا الأمر، وفي خطوة متقدمة لمعالجة وقف التمويل عبر تقليص عدد الموظفين في الوكالة (وهم لاجئون أساساً)، أصدر المفوض العام لـ«الأونروا»، بيير كرينبول، تعميماً يقضي بمنح الموظفين المحليين المعينين بعقود دائمة أو عقود محدودة الأجل، فرصة «الترك الطوعي الاستثنائي» من الوكالة. وحدد التعميم مدة ثلاثين يوماً يستطيع الموظفون خلالها تقديم طلبات الترك الطوعي، أي حتى السادس والعشرين من الشهر الجاري. وأشارت الوكالة إلى «محدودية الأموال المتوافرة لدى الوكالة والفترة الزمنية القصيرة» حاثة بذلك على الاستعجال في تقديم الطلبات، لكنها أكدت أن ذلك مسموح لمن خدم 10 سنوات على الأقل. ويشار إلى أن «الترك الطوعي الاستثنائي» أكثر شمولاً من «التقاعد الطوعي المبكر» الذي اقترح في وقت سابق، لأنه سيزيد عدد الموظفين الذين قد يرغبون في ترك الخدمة من الوكالة هذا العام.
ومن الواضح أن العمل على إنهاء «الأونروا» أو تقليص خدماتها إلى ما دون المستوى المقبول فلسطينياً يجري على خطوات تدريجية من الجانبين الأميركي والإسرائيلي، مع الالتفات إلى أن تل أبيب حذرت واشنطن من الضغط بصورة تنهي عمل الوكالة في غزة حالياً (راجع العدد 3541 في 14 آب). حتى أنه على رغم إعلان «الأونروا» بدء العام الدراسي الجاري في موعده المحدد (راجع العدد 3546 في 21 آب)، فإنها أصدرت بياناً تذكر فيه أن الحد الأعلى للطلاب في الصف الواحد هو خمسون طالباً في المباني التابعة لها، زائدة بذلك 10 طلاب على الصف، كما زادت عدد الحصص الدراسية على المعلمين.
إلى ذلك، علمت «الأخبار» أن «حماس» أرسلت عبر الوسطاء الدوليين رسالة إلى الأمم المتحدة قالت فيها إنها لا تقبل أي تحسينات في غزة على حساب «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، أو أن يحول جزء مما كان يدفع للوكالة لمصلحة مشاريع داخل القطاع، مطالبة إياهم بـ«تحسين الوضع في غزة عبر إيجاد 50 ألف وظيفة بصورة عاجلة للمتعطلين عن العمل، مع ضرورة إعادة الوظائف التي ألغيت في الأونروا».



463 ألف لاجئ في لبنان
يبلغ عدد اللاجئين المسجلين على لوائح «الأونروا» في لبنان، وفق تقرير صادر عن الوكالة في شهر كانون الثاني من العام 2017، 463664 لاجئاً، منهم أكثر من 36 ألف تلميذ في العام الدراسي 2016 -2017، موزعين على 67 مدرسة. وفي مجال الصحة، بلغ مجموع زيارات المرضى السنوية إلى مرافق تدعمها الوكالة، أكثر من مليون زائر. أما المستفيدون من برنامج شبكة الأمان الاجتماعي، فزاد على الـ60 ألف حالة. وفي قطاع البنية التحتية وتحسين المخيمات، بلغ عدد الوظائف التي تم استحداثها للاجئين الفلسطينيين جراء تداخلات البرنامج نحو 440 وظيفة، فيما فاق عدد الموظفين المحليين الـ3 آلاف.