«إبرة المورفين» التي حُقن بها أبناء البلدات التي تتغذى بالتيار عبر امتياز كهرباء زحلة، بأنّ التغذية الكهربائية ستبقى 24/24، حتّى ما بعد الأول من كانون الثاني 2019، موعد انتهاء عقد الامتياز واسترداده من الدولة. هكذا «وعد» كلّ المسؤولين في الجمهورية المقيمين في زحلة، وهذه هي النقطة الوحيدة «المفهومة» للرأي العام في ملّف انتهاء مدة الامتياز في نهاية العام الحالي. خلاف ذلك، لم تُقدَّم أي معلومة حول الخطة التي ستُعتمد، والتي أعلن الوزير سيزار أبي خليل في 25 آب الحالي أنّ الوزارة قد وضعتها، ولكنها لا تزال تتكتم حول تفاصيلها، بما يوحي بأنّ الأمور منتهية ولا ينقص سوى الإعلان. ولكن المعلومات تفيد بأنّ «الخطة» لا تزال في مرحلة دراسة الخيارات المُتاحة، ولم يتم التوصل إلى قرار بعد.وفق هذه المعلومات، توجد ثلاثة سيناريوات مطروحة، وكل سيناريو منها يقتضي حلاً مختلفاً:
السيناريو الأول، هو نجاح الضغوط الجارية في تمديد مدّة الامتياز الممنوح لشركة امتياز كهرباء زحلة. ولكن هذا السيناريو تعترضه إشكالية دستورية وقانونية. فمنح أي امتياز بحاجة إلى قانون في مجلس النواب، في حين أنّ استرداد الدولة للامتياز يتم من خلال مرسوم في مجلس الوزراء. وبما أن مدّة الامتياز تُحدد بقانون منحه، فإن تمديد المدّة يصبح بمثابة منح امتياز جديد. ومن غير المعلوم بعد كيف سيتم التعامل مع هذه الإشكالية في حال تقرر التمديد، فهل سيلتزم مجلس الوزراء بموجب صدور القانون؟ أم سيرتكب مخالفة من هذا النوع عبر تمديد مدة الامتياز بمرسوم أو بقرار؟ على أي حال، هناك اعتراضات واسعة للتمديد، في حين يطرح بعض المعنيين ربط التمديد بتعديل التعرفة، إذ إن شركة امتياز كهرباء زحلة تسدد لمؤسسة كهرباء لبنان 50 ليرة فقط ثمناً للكيلوواط ساعة وتجني أرباحاً طائلة من إعادة بيع الكهرباء للمشتركين، كما أن الشركة لم تقدّم حسابات مُدققة إلى مديرية الاستثمار العام في وزارة الطاقة منذ سنوات طويلة، بحسب المعنيين، وإنجاز هذه الحسابات وتقديمها يعد شرطاً طبيعياً مسبقاً قبل البحث بسيناريو التمديد.
السيناريو الثاني، استرداد الامتياز وتوقيف عمل المولدات الكهربائية الخاصة بشركة كهرباء زحلة، على أن تتولى مؤسسة كهرباء لبنان تأمين التغذية للمشتركين الحاليين في الامتياز بين 20 و24 ساعة يومياً. ولكن بشرط زيادة سعر الكيلواط ساعة إلى أعلى من التعرفة الرسمية الحالية، ولكن أدنى من التعرفة التي تفرضها شركة امتياز زحلة. تشير مصادر مطلعة إلى أن هذا السيناريو دونه إشكاليات كثيرة، إذ إن المناطق الأخرى التي لا تحظى بتغذية تتجاوز 12 ساعة يومياً ستعترض وتطالب بمساواتها مع زحلة، كما ستظهر مطالبات باعتماد السعر الجديد نفسه في بيروت الإدارية التي تحظى بتغذية بين 21 و24 ساعة يومياً، فضلاً عن مناطق وأحياء وقرى أخرى مستثناة من التقنين ويسدد المشتركون فيها التعرفة الرسمية المدعومة. كذلك يطرح هذا السيناريو تساؤلاً عن مصدر الطاقة التي ستغذي مؤسسة كهرباء لبنان زحلة بها، فهل سيكون ذلك على حساب مناطق أخرى في ظل العجز الفادح في الإنتاج الكهربائي وعدم كفايته لتأمين الحاجات الى الكهرباء؟ وفق المصادر المطلعة، يمكن للمؤسسة أن تمدّ زحلة بطاقة إضافية مشتراة من سوريا أو من الاردن، على أن يتم تغطية فاتورتها من زيادة السعر على المشتركين.
السيناريو الثالث، استرداد مؤسسة كهرباء لبنان للامتياز، ولكن مع استمرار العمل بمولدات أسعد نكد. الإشكالية في هذا السيناريو تتمثل في أنّ شركة زحلة تستعمل الشبكة العامة لتوزيع الطاقة المنتجة من قبلها، وهذا غير جائز قانوناً، إلا في إطار استدراج عروض وأسعار مفتوح يشارك فيه العارضون المهتمون. وبالتالي لا يمكن أن يكون الفوز به محسوماً لشركة امتياز زحلة، إلا في حال صُمّم دفتر الشروط على قياسها. إلا أنّ القانون يجيز لمؤسسة كهرباء لبنان التعاقد بالتراضي مع أحد أشخاص القانون العام، كبلدية زحلة مثلاً. وعندها يمكن للبلدية أن تطلب التعاقد مع المؤسسة لاستخدام شبكتها العامة في مقابل بدل مالي، على أن تعود البلدية وتلزّم الأشغال إلى شركة امتياز زحلة كعقد من الباطن، وفي هذه الحالة تكون البلدية هي الطرف المتعاقد مع المؤسسة لا أسعد نكد.
الضبابية المسيطرة على مصير امتياز زحلة، وشدّ الحبال بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية حول الموضوع، حوّلا الملف إلى مادة لخطاب شعبوي، هدفه تغذية عصبية الزحلاويين. يُدرك جميع السياسيين، أنّ همّ الناس هو عدم عودة التقنين الكهربائي وانتشار مولدات الأحياء مجدداً، كما أنهم لا يثقون بـ«وعود» الدولة اللبنانية، ما ولّد لديهم نقمة وخوفاً من استرداد مؤسسة كهرباء لبنان للامتياز. فبدلاً من أن يعمد المعنيون إلى تبديد هذه الهواجس ومصارحة الناس بأنّ مؤسسة كهرباء لبنان قادرة على إدارة هذا المرفق وتأمين التغذية على مدار ساعات اليوم وتخفيض الفاتورة التي يتحملها المشتركون، سارع حزب القوات اللبنانية إلى ركوب «الموجة الشعبية»، بلغة أبعد ما تكون عن منطق الدولة. فقد ردّ النائب جورج عقيص على أبي خليل، حين أعلن من زحلة عن خطة جديدة للكهرباء، بالقول: «إذا كان الزحليون يريدون كهرباءكم، فكهرباؤكم ستضيء زحلة، أما إذا كانوا يريدون كهرباء زحلة، فكهرباء زحلة ستكون. وإن غداً لناظره قريب». في «جمهورية زحلة»، يتوعد نائب (وهو قاضٍ سابق) مؤسسة عامة، ويجري التعامل مع ملّف بهذه الأهمية على طريقة تصفية الحسابات السياسية. حتى من كان يقف في الصفّ المعارض لنكد، انضمّ إلى فريق المُطالبين به. النائب قيصر المعلوف مثالٌ على ذلك. فبعد أن كان الأخير، شريكاً في المؤتمر الصحافي الذي عقده النائبان سليم عون وميشال الضاهر لشنّ هجوم على حليفهما الانتخابي، من باب تسعيرة الفاتورة المرتفعة، كتب المعلوف على تويتر مُطالباً بإسناد حقيبة الطاقة إلى نكد، قبل أن يُطالب البارحة بتسليمها للجيش اللبناني!
كمية الضغوط التي تُمارس، توحي بأنّ نكد لن يكون بمنأى عن أي حلّ يُتخذ


التيار الوطني الحرّ أيضاً، «لطّف» خطابه تجاه المدير العام لكهرباء زحلة، مع التمسك بضرورة تعديل التسعيرة. فبات المسؤولون العونيون يقولون إنّه «لا يوجد قرار سياسي بمهاجمة نكد، ولا يجري التحضير لمشروع بديل ضدّه أو معه. فإذا كان هناك مكان له في المرحلة المقبلة، ضمن الصيغة القانونية، كان به».
هذا المنحى الإيجابي في الكلام طرأ بعد معلومات عن ضغوط مارستها وزارة الاقتصاد وأحد المستشارين في القصر الجمهوري بغية إيجاد حلّ يكون نكد في صلبه. بناءً عليه، اجتمع الأخير مع سيزار أبي خليل يوم الثلاثاء في وزارة الطاقة، ودام اللقاء قرابة ثلاث ساعات. وكان تأكيد على أنّ الوزارة ليست هي الجهة الصالحة لتمديد الامتياز، بل مجلس النواب، لأنّ التمديد بحاجة إلى قانون، وأنّه من واجبات «الطاقة والمياه» تحضير خطّة بديلة، في حال استردت كهرباء لبنان الامتياز. ولكن، لم يفت أبي خليل التشديد لنكد على نقطتين، يجب الالتزام بهما: تأمين الكهرباء 24/24، «والتوفير على المواطن الزحلاوي لأنّه يدفع أغلى فاتورة في البلد»، بحسب مصادر وزارة الطاقة.