دقّت ساعة «الكرملين» وقرعت الأجراس في الساحة الحمراء. لم تكن هذه المرّة تعييناً لرئيسٍ جديد ولا حتّى احتفالاً بعيد رأس السنّة كما تجري الطّقوس عادةً. انتهى كأس العالم في شرق أوروبا هذه المرة. البطولة «الأكبر»، كأس الكؤوس. وكما جرت العادة، تميّزت بطولة كأس العالم بلمعان الكثير من الأسماء وانبثاقها من الظّلمة إلى الأضواء لتظهر أمام أعين كبار الأندية العالميّة، بعد أن جعلوا من منتخباتهم ندّاً قويّاً أمام كبار منتخبات البلاد الأخرى. في ما يلي «جردة» سريعة، لأهم الخارجين إلى الضوء.

ألكسندر غولوفين
قطعة الحلوى

استطاع المنتخب الرّوسي أن يذهب بعيداً في البطولة الّتي يستضيفها، وفاجأ الجميع بمتانة المجموعة الّتي يمتلكها ومدى التّفاهم الكبير بين لاعبي المنظومة. شهدت البطولة بروز العديد من الأسماء الرّوسيّة على غرار تشيرشيف لاعب ريال مدريد السّابق وماريو فيرنانديز، إلّا أن القطعة الأكبر من الحلوى كانت من نصيب الجوهرة النّادرة غولوفين. من يتابع كرة القدم عن كثب يعرف أنّ وجود لاعب محوريّ بإمكانيّات «غولو» بات شبه معدوم لما يتطلّبه هذا المركز من جهد و ذكاء وإمكانيّات عالية، غولو يمتلك كلّ هذه الإمكانيّات وأكثر. يمتاز غولوفين بحسن التّمركز والذّكاء الشّديد في اتّخاذ القرارات، فهو على صغر سنّه يتمتّع بنضجٍ كبير. هو عقل المنتخب وعموده الفقري، تراه أوّل المدافعين والمتحكّم الأوّل بـ«ريتم» المباراة. غولوفين من المدرسة الكرويّة القديمة التي لا تشجع على الفلسفة الزّائدة وتفضل اللّعب السّهل الممتع مع إمكانيّات تخوّله تحديد مصير أي مباراة، وقد كان له الفضل في تألّق المنتخب لما قدّمه من أداء رائع على غرار أدائه أمام السّعودية ومنتخب لاروخا. أداء الدّبّ الرّوسي في مونديال 2018 جعله محطّ أنظار يوفنتوس الإيطالي وتشيلسي الإنكليزي، مع أفضليّة لنادي «فخر لندن» نظراً إلى الصّداقة القوّيّة الّتي تربط رومان ابراموفيتش مالك نادي تشيلسي بمواطنه يفجيني جينر مالك نادي سيسكا موسكو.

بنجامين بافارد
عنصر المفاجأة

يعدّ مدافع شتوتغارت أحد أبرز مفاجآت كأس العالم، فبعد أن عوّل عليه المدرّب ديدييه ديشامب ليشغل مركز الظّهير الأيمن للمنتخب الفرنسي على حساب ظهير موناكو سيديبي استطاع بافارد أن يرغم عشّاق الكرة على احترام شجاعة قرار المدرّب بعدما قدّمه ابن الـ 22 ربيعاً من أداءٍ مبهر. يجمع بافارد بين خصائص الظّهير التّقليدي الدّفاعيّة وحنكة الظّهير العصري من ناحية التّمرير، إذ أنّ الشّاب الفرنسي يمتلك رؤية ثاقبة وقدماً قويّة تشهد عليها شباك حارس منتخب الأرجنتين آرماني. ولعلّ ما يزيدهُ تميّزاً عن أي مدافع عادي هو قوّته البدنيّة وسرعته اللّتان تخوّلانه لشغل مركزي قلب الدّفاع كما الحال في شتوتغارت والظّهير الأيمن. أداء اللّاعب الرّائع في المونديال جعله محطّ أنظار عمالقة الأندية الأوروبّيّة يترأّسهم بايرن ميونيخ الّذي أبدى رغبةً واضحة بالتّوقيع مع مفاجأة «الديوك».

انته ريبيتش
مدرسة «Die Adler»

بعد دافور سوكر و لوكا مودريتش، ها هي كرواتيا تقدّم لنا نجماً صاعداً تعوّل عليه الآمال لتسلم الشّعلة من أسلافه. ريبيتش لاعب آينتراخت فرانكفورت حجز مركزاً أساسيّاً في تشكيلة زلاتكو داليتش بعد أن قدّم موسماً مميّزاً رفقة «Die Adler». هذا وقد قدّم انته آداء لافتاً في مركز الجناح ليكمل المثلّث الخطير رفقة ماندزوكيتش وبيريزيتش رافعين بذلك العبء عن أقوى خطّ وسط بين منتخبات البطولة. ريبيتش لاعب طويل القامة يتميّز بلياقته البدنيّة العالية إضافةً إلى تسديداته القوّيّة بكلا قدميه، هذا وقد استطاع ريبيتش التّسجيل بشباك الأرجنتين بعد خطأ فادح من حارس تشيلسي البديل ويلي كاباييرو، في دوري المجموعات مساهماً بذلك بفوزٍ تاريخي للكروات على أبناء مارادونا بنتيجة 3-0. ويعدّ ريبيتش أحد أبرز العناصر الّتي ساهمت في وصول منتخب كرواتيا للنّهائي المرتقب أمام منتخب فرنسا. أداء ريبيتش الرّائع جعل من توقيعه أوليّة لدى مدرّب السبيرز توتنهام ماوريسيو بوكيتينهو الّذي يرى به الحلقة النّاقصة لتحقيق لقب البريمييرليغ.

تاكاشي اينوي
مِن خلف المدافعين

عن عمرٍ يناهز الـ 30 عاماً استطاع اينوي أن يقود منتخب اليابان إلى دوري الـ 16 في كأس العالم كثاني المجموعة الّتي شهدت تأهّل كولومبيا وخروج كلٍّ من السّينيغال وبولندا، وكان اينوي قد صنع هدفاً و سجّل اثنين في كأس العالم. أحد الهدفين جاء في شباك منتخب بلجيكا حيث تقدّموا عليهم 2-0 إلّا أنّ زملاء إيدين هازارد أبوا إلّا الرّجوع بالمباراة الّتي انتهت 3-2 في وقتها الأصلي. اينوي اللّاعب القصير يتميّز بعرضيّاته الدّقيقة خلف المدافعين وبتسديداته القوّيّة من خارج منطقة الجزاء، روح إينوي القتاليّة كانت كفيلة بكسب احترام جميع المتابعين.

هاري ماغواير
الحصن المنيع

تمكّن لاعب ليستر سيتي اليافع هاري ماغواير من حجز مكان أساسي له في المونديال على حساب اللّاعب المخضرم غاري كاهيل قائد كتيبة فريق البلوز، ويعود سبب تفضيل المدرّب لهاري على غاري لتراجع مستوى كاهيل مع البلوز أخيراً، الأمر الّذي استغلّه ماغواير خير استغلال مظهراً مدى جودته واستحقاقه لشغل هذا المركز كأساسي في كأس العالم.
استطاع ماغواير صناعة هدف وتسجيل الهدف الأوّل في شباك السّويد (فابريشي كوفريني ــ أ ف ب)

ضخامة بنية اللّاعب وقدرته على قراءة الهجمات إضافةً إلى تميّزه بالكرات الهوائيّة جعلت من المدافع أقرب للكمال لولا بطؤه بعض الشّيء. لكن وجود مدافع سريع مثل ستونز بجانبه جعل خطّ دفاع المنتخب الإنكليزي يظهر بشكل صلب أمام المنتخبات المنافسة، خاصّةً أنّ هذا المنتخب كان قد عانى الأمرّين بعد اعتزال كلٍّ من الأسطورة جون تيري والمدافع الصّلب ريو فيرديناند. هذا وقد استطاع ماغواير صناعة هدف وتسجيل الهدف الأوّل في شباك السّويد في ربع النّهائي وكان حصناً منيعاً للإنكليز إلى أن عادوا إلى منازلهم بعد خسارتهم أمام الكروات في النّصف نهائي.

هيرفينغ لوزانو
أقوى من الماكينات

نقل لوزانو بريقه معه من هولندا إلى روسيا. فبعد موسمٍ رائع مع مدرسة بي إس في آيندهوفن حيث سجّل من خلاله 17 هدفاً في 29 مباراة، ها هو إعصار لوزانو يضرب في المونديال ويهزّ شباك مانويل نوير مساهماً بإقصاء الماكينات من دوري المجموعات. سرعة سطوع نجمه توازي سرعة قدميه. ابن المكسيك لا يمكن إيقافه إلّا بارتكاب الخطأ ضدّه، ومن الخطأ الجسيم أن تواجه وجهاً لوجه أو حتّى و«جهين لوجه». هو من نوع اللاعبين الّذين تنتظرهم بشغف لترى إبداعهم فوق الملعب. قدرة تحكّم لوزانو بالكرة ومهاراته العالية في المراوغة جذبت أنظار العملاق الكاتلوني وبات ضمن اهتمامات النّادي الإسباني ضمن سوق الانتقالات الصيفية الحاليّة. سطوع هذه الأسماء في المونديال وتألّق غيرها سيجعل من المركاتو الصّيفي للأندية العالميّة تاريخيّاً خاصّةً بعد الارتفاع الجنوني لأسعار اللّاعبين أخيراً، ومن المتوقّع أن نشهد ملاحم في المزايدات بين الأندية المنافسة على اللاعبين، الأمر الّذي قد يجعل هذا الميركاتو الأكثر بذخاً في التّاريخ.