استغلّت قيادة تحالف العدوان على اليمن الضجة الأممية والدولية حول ميناء الحديدة لترفع منسوب التهويل، وتصعّد ضغوطها على «أنصار الله» بهدف حمل الحركة على تسليم الميناء تحت طائلة العمليات العسكرية. ضغوط قوبلت على ضفة سلطات صنعاء بالاتزان والثبات، المترافِقَين مع تواصل الاستعدادات لمعركة تتمنى أبو ظبي أن «تجلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات»، إلا أنها لن تؤدي - في ما لو بدأت - إلا إلى خلق مربع استنزاف جديد يصعب على «التحالف» تحقيق إنجاز من خلاله. ولعلّ ذلك هو ما يدفع الحكومات الغربية إلى إطلاق تحذيرات متلاحقة من عواقب الهجوم، كان آخرها ما جاء على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.وتولّى وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، أمس، إدارة دفة التهديد، قائلاً في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية: «(إننا) أمهلنا المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، 48 ساعة لإقناع الحوثيين بالانسحاب من مدينة الحديدة ومينائها»، مضيفاً أن هذه المهلة «تنتهي ليل الثلاثاء - الأربعاء». تهديدات استبقتها «أنصار الله» بطمأنة اليمنيين إلى أن «لا قلق» على مدينة الحديدة؛ ذلك «(أنهم) إذا استمروا بالتصعيد فرجال اليمن يعرفون كيف يواجهونهم ويلقنونهم الدروس»، على حد تعبير رئيس «اللجنة الثورية العليا» محمد علي الحوثي. وأكد الحوثي، في سلسلة تغريدات على «تويتر»، قائلاً: «(إننا) لا نَعِد أي مغامرة من هذا القبيل إلا بالفشل والهزيمة»، مُذكِّراً بأن «خطتهم العسكرية لاجتياح اليمن كانت لأسبوع وفشلت».
دعا ماكرون في اتصال مع بن زايد إلى «ضبط النفس وحماية المدنيين»


استحضار تلك الحقيقة يبدو مفيداً، في ظل توهّم قيادة «التحالف» أن «تحرير المدينة والميناء سيوجد واقعاً جديداً، ويأتي بالحوثيين إلى المفاوضات»، وفق ما قال قرقاش في تغريدات على «تويتر»، مشيراً إلى أن «احتلال الحوثيين غير القانوني للحديدة في الوقت الحالي يطيل أمد حرب اليمن». قد يكون الوزير الإماراتي فالِحاً في تأدية مهمة التضليل والتخويف، إلا أن تصريحاته المتقدمة تنمّ بوضوح عن جهل بتاريخ اليمن، وما سجّله من وقائع بيّنة بشأن كل من حاولوا تثبيت قدم في هذا البلد. كذلك، تحيل تغريدات قرقاش إلى سلسلة معارك خاسرة خاضها «التحالف» طوال أكثر من 3 سنوات، أملاً في توليد هذا «الواقع الجديد» الذي تتحدث عنه أبو ظبي من دون نتيجة، بدءاً من تعز، مروراً بالبيضاء وصنعاء، وصولاً إلى حجة. واليوم، لا يبدو أن حظوظ السعوديين والإماراتيين على الساحل الغربي ستكون أكبر مما حالفهم خلال الأعوام الفائتة، بالنظر إلى الاستعدادات الضخمة التي هيّأها الجيش واللجان الشعبية لهذه المعركة، وقدرتهما على تطويع الجغرافيا لمصلحتهما، وتحويلها إلى «كمّاشة» للمهاجِمين، وهو ما لا يستطيعه «التحالف».
لعلّ تقديرات واقعية من النوع الذي تقدم ذكره هي التي تحمل الأطراف الدولية، وفي مقدمها أميركا، على رفع «البطاقة الصفراء» بوجه «التحالف»، وتحديداً القيادة الإماراتية بشأن عزمها على السيطرة على الميناء. وهذا ما تولاه، أمس، الرئيس الفرنسي خلال مباحثات هاتفية مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، حيث دعا الأطراف المعنيين إلى «ضبط النفس وحماية السكان المدنيين» بحسب ما جاء في بيان صادر عن الإليزيه. وسبقت الموقف الفرنسي رسالة تحذيرية بعثت بها حكومات أوروبية مانحة إلى منظمات أهلية في اليمن يوم السبت، جاء فيها أن «الهجوم العسكري يبدو وشيكاً الآن»، وأن «الإماراتيين أبلغونا اليوم أنهم سيمهلون الأمم المتحدة وشركاءها ثلاثة أيام لمغادرة المدينة». لكن ما يعزز الطابع التهويلي للمهلة الإماراتية هو تعليق المتحدث باسم «التحالف»، تركي المالكي، على نبأ الرسالة المشار إليها بالقول: «(إننا) نعمل بالقنوات المفتوحة، ومستمرون بالتواصل مع المبعوث الأممي لإعطاء فرصة للحل السياسي». «فرصة» أيّد الحديث عنها دبلوماسي غربي، أفاد «رويترز» أمس بأن ثمة «محاولتين أخيرتين» لكبح التصعيد، موضحاً أن ذلك يشمل خطة لـ«وقف إطلاق النار مؤقتاً».
على خطّ موازٍ، أُعلن عن زيارة للرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه منصور هادي، إلى الإمارات، بعد فترة جفاء دامت شهوراً، لم تنكسر إلا قبل أيام بزيارة لوزير داخلية «الشرعية» أحمد الميسري إلى أبو ظبي. والتقى هادي، مساء أول من أمس، في مكة، وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، الذي جدد «وقوف بلاده إلى جانب الشرعية بما يكفل عودة الأمن والاستقرار لليمن».