فصول قضية التعدي على الأملاك العامة والبحرية لا تنتهي، الا أنه لا بدّ للحقيقة أن تظهر رغم اخضاع المتعهدين الدولة بكاملها لارادتهم. مؤخراً، أصدرت مصلحة الهندسة في بلدية بيروت كتابا توثّق فيه مخالفات مشروع «ايدن باي ريزورت» على شاطىء الرملة البيضاء بحيث بات يصعب على محافظ بيروت زياد شبيب أو وزارة الداخلية القفز فوقه. يضع الكتاب، رخصة البناء الممنوحة من شبيب كما الخرائط التي أظهرها سابقا في دائرة الشك، فالطبقات الثماني المبنية على باطل وفقا للكتاب تفرض على صاحب المشروع هدمها فورا.تعذّر على محافظ بيروت زياد شبيب هذه المرة حماية مشروع «ايدن باي» كما فعل سابقا، مرة أولى عبر منحه رخصة تعديلية من دون الرجوع للمجلس الاعلى للتنظيم المدني (علما ان الوحدة العقارية كانت قد الغيت رسميا قبل شهرين)، ومرة ثانية عبر ابراز خرائط مخالفة للواقع وقانون البناء خلال مقابلة مع محطة «او تي في». كتاب التحرير الذي أرسلته مؤخراً مصلحة الهندسة في بلدية بيروت ـــــ دائرة المباني الى شركة «ايدن باي ريزورت» تظهر بما لا لبس فيه أن الرخصة مبنية على باطل وأن ما يحصل على شاطىء الرملة البيضاء فضيحة موثقة.
كتاب الدائرة أرسل منذ نحو شهرين بناء على طلب الشركة رخصة أشغال للمشروع، ولكن ظل صاحب المشروع المهندس محمد وسام عاشور يماطل في تبلغه الى أن استلمه قبيل يومين من موعد الانتخابات النيابية. لكن نشر جمعية «نحن» للكتاب أفسد الخطة المفترضة بالضغط على مصلحة الهندسة لتعديل الكتاب، بحيث بات أمرا واقعا وملزما للبلدية والمحافظ ووزارة الداخلية. فالدائرة فندت للمرة الأولى مخالفات بناء «ايدن باي» بالتفصيل، وأبلغت عاشور تعذر درس طلبه الى حين تأمين ما يلي «حتى يبنى على الشيء مقتضاه:
1ــــ انجاز كافة الأعمال التكميلية والمحددة بالمادة الخامسة من قانون البناء.
2ــــ توقيع خرائط التحوير الى فندق من وزارة السياحة.
3ــــ الطابق السفلي لا يتطابق مع المرسوم التطبيقي رقم 15874 لجهة النتؤ الاقصى المسموح به عن الاملاك العامة المجاورة.
4ــــ رخصة البناء الصادرة بتاريخ 19/12/2017 بموجب الوحدة العقارية غير القابلة للتجزئة بين العقارين 3689 و3687 المصيطبة لم تعد قائمة بعد فصل العقارين ويتوجب اعادة احتساب الاستثمارين العام والسطحي المسموح بهما.
5ــــ انشاءات السطح الأخير لا تتطابق مع احكام المادة الثامنة من المرسوم 4811 لجهة الارتفاع الاقصى المسموح به عن شقلة طريق الجناح.
6ــــ الخرائط المرفقة بطلب الرخصة تلحظ طابقا تقنيا بين السفلي الاول والارضي وهو غير منفذ على الواقع.
7ــــ يتوجب تقديم تقييم اثر بيئي».
بناء على ذلك، وخصوصا النقطة التي تتحدث عن الوحدة العقارية والتراجعات والطابق التقني، بات يتوجب على عاشور اجراء تعديلات جذرية على المبنى ان لم يكن من الاسهل هدمه واعادة بنائه من جديد وفقا لما هو مسموح به قانونا. فالتعديلات تفرض عليه، بحسب الخبراء، بعد احتساب مجموع الاستثمار، هدم الطبقات الثماني العلوية كبداية لأنها مبنية على مستندات باطلة.

الحلّ بهدم المبنى
صدمة المحافظ بما حصل، أدت الى اصداره قرارا في 9 ايار الماضي بنقل مسؤول القلم في مصلحة الهندسة من دائرته الى مصلحة النظافة العامة.
أكمل عاشور البناء وتجاهل المحافظ طلب رئيس الجمهورية لا بل آثر الظهور على شاشة تلفزيون «أو تي في»!

وتقول مصادر البلدية إن شبيب اشتبه بأن مسؤول القلم سرّب الكتاب، فقام بنقله علما أنه يزاول عمله في مصلحة الهندسة منذ أكثر من عشرين عاما. وترافق ذلك مع حديث عن ضغوط على المهندسين لاجراء تغيير في وقائع الكتاب. وهو عمل إن حصل يكون بمثابة جرم جزائي يحاسب عليه المهندسون حصرا لتزويرهم الحقيقة لا المسؤولين الارفع من المحافظ الى الوزير. وهنا تستبعد المصادر اتخاذ اجراءات بحق المهندسين لأنه «يمكن لهم الطعن بأي اجراء يتخذه المحافظ في مجلس شورى الدولة».
من جهته، يقول نقيب المهندسين في بيروت جاد تابت أن الكتاب جاء ليكمل النقاط التي أوردها في تقريره، «وبعد الذي كتب، بات من الصعب جدا التراجع عنه لأنه ملزم للمحافظ والأهم أنه يعترف ويوثق بأن الرخصة غير قانونية». أما الحل المثالي لما يجري، فهو «بتدمير المبنى من أساسه».

عاشور يخضع الجمهورية
في موازاة ما سبق، تمكن اصحاب العقارات المجاورة لـ«ايدن باي» من وضع اشارة على الصحيفة العينية الخاصة بالعقار نتيجة الدعوى التي تقدموا بها قبل خمسة اشهر الى المحكمة العقارية. في حين أدت الدعوى المقدمة من الناشطين البيئيين في مجلس شورى الدولة الى تعيين المجلس للجنة خبراء مؤلفة من مهندسين ومساح طوبوغرافي أواخر العام الماضي. الا أن اللجنة كما أصحاب الشأن لم يتمكنوا حتى الآن من الدخول الى موقع «ايدن باي»، وهم يتهمون عاشور بمنعهم من الدخول الى الموقع.
سابقا، كان رئيس الجمهورية ميشال عون قد طالب شبيب بوقف الاعمال. يومها، ارسل محافظ بيروت الى قصر بعبدا نسخة عن كتاب الانذار الذي سلمه الى شركة «ايدن روك» بوجوب تقديم مستندات في مهلة اقصاها 15 يوما، وهي عبارة عن خرائط تعديلية لمخالفات رخصة البناء واخرى لشقلات الطابق الارضي موقعة من نقابة المساحين الطوبوغرافيين. ولكن ما تبين اليوم أن كتاب شبيب الى الرئيس عون مخالف للكتاب الذي أرسله الى عاشور في اليوم نفسه بتاريخ 12 تموز 2017 (حصلت «الأخبار» على نسخة من الكتابين) حيث لم يتم ذكر مخالفات البناء في الرخصة واستبدال جملة «خرائط تعديلية لمخالفات رخصة البناء» بـ«خرائط تعديلية لرخصة البناء وفقا للاعمال التي تم استحداثها». رغم ذلك، أكمل عاشور البناء وتجاهل المحافظ طلب رئيس الجمهورية لا بل آثر الظهور على شاشة تلفزيون «أو تي في» مبرزا خرائط مزورة. فيما اليوم، يتم البحث عن طريقة للالتفاف على كتاب مصلحة الهندسة في البلدية من أجل منح عاشور رخصة الاسكان.