الحُديدة | تواجِه القوات الموالية لـ«التحالف» المشارِكة في عملية «الرعد الأحمر»، التي أُطلقت قبل نحو أسبوع لـ«تحرير» مدينة الحديدة، عقبات كبيرة في مسرح عملياتها، ليست أقلها الخسائر البشرية المتعاظمة التي تكبّدتها للسيطرة على مناطق غير ذات أهمية استراتيجية. خسائر تعيد إلى الأذهان تجارب الغزاة الأحباش والفرس والبرتغاليين والهنود الذين استسهلوا الهجوم على سواحل اليمن، قبل أن يصطدموا بحائط صدّ جبلي سرعان ما حوّلهم إلى فريسة لـ«أرخبيل قاتل».بعد عام ونصف عام على تكسّر نصال عملية «الرمح الذهبي» التي أطلقها تحالف العدوان على اليمن في الـ7 من نيسان/ أبريل 2017 للسيطرة على الساحل الغربي والجزر التابعة له في البحر الأحمر، ومصرع قائد القوات الخاصة السعودية العقيد عبد الله السهيان، ونائب رئيس هيئة الأركان التابع لحكومة المنفى اللواء أحمد سيف اليافعي، وإلى جانبهما العشرات من الضباط والجنود الإماراتيين بصاروخ «توشكا» أطلقته «أنصار الله» على غرفة العمليات في منطقة شعب الجن القريبة من مضيق باب المندب، وما أعقب ذلك من كمائن قُتل وجرح فيها المئات من الضباط والجنود الذين جلبتهم الإمارات، أعلن «التحالف» في الـ9 من أيار/ مايو الجاري إطلاق عملية «الرعد الأحمر» للسيطرة على ساحل اليمن على البحر الأحمر والوصول إلى ميناء الحديدة.
مجاميع من السلفيين المتطرفين الذين يرفعون راية جنوب اليمن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً) ويقاتلون في شماله، و«جنجويد حميدتي» الذين قَدِموا من دارفور ليرتكبوا أول جريمة اغتصاب لفتاة من ريف محافظة الحديدة في نيسان/ أبريل الفائت، ومنشقون عن «الحرس الخاص» الذي كان يتبع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وسبق للبعض منهم القتال إلى جانب «أنصار الله» خلال ثلاثة أعوام من العدوان على اليمن، قبل أن يلتحقوا بالعميد طارق محمد عبد الله صالح الذي فرّ من صنعاء إلى أبو ظبي في كانون الأول/ ديسمبر المنصرم لتدفع به الإمارات إلى قيادة معركتها في الساحل الغربي لليمن... كلهم يشتركون في عملية «الرعد الأحمر» التي ترافقها حملةٌ دعائية ضخمة في وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية. حملةٌ يتخلّلها الكثير من المزاعم والفبركات والإشاعات التي أسقطت خلال أيام 9 مديريات ساحلية في محافظات لحج وتعز والحديدة بأيدي قوات صالح (المقاومة الوطنية، المقاومة الجنوبية، المقاومة التهامية)، لينقشع غبار القصف الجوي والبارجات الحربية، وتتجلى العملية «موتاً أحمر».

الموت في انتظارهم
مصادر ميدانية تتحدث، لـ«الأخبار»، عن «مقتل 250 ضابطاً وجندياً وجرح أكثر من 300 آخرين» من القوات التابعة للعميد طارق صالح خلال أيار/ مايو الحالي، إلى جانب «تدمير وإحراق أكثر من 50 مدرعة إماراتية». وعلى الرغم من الحملة الدعائية التي تموّلها الإمارات لعملية «الرعد الأحمر»، إلا أن الحقائق على الأرض تبيّن أن قوات صالح لم تحقق تقدماً يستحق الذكر بالنظر إلى حجم الخسائر. خلال عام ونصف عام، تسلّلت القوات التي دفعت بها الإمارات إلى الشريط الساحلي الممتد من باب المندب إلى ساحل مدينة الخوخة مسافة 100 كلم في عرض 3 ــ 5 كلم، بعدما مهّد لها قصف الطائرات الحربية ومروحيات الـ«أباتشي» والبوارج الحربية التي أحرقت الأخضر واليابس. لكن بقاء هذه القوات في الساحل مرهون ببقاء منظومة الـ«باتريوت»، وحماية الطائرات الذي لا تتوقف عن التحليق، ومرابطة البوارج في البحر.
منذ تولي طارق صالح قيادة القوات الموالية للإمارات في نيسان/ أبريل الماضي، لا تزال المواجهات في محيط معسكر خالد في مديرية موزع شرقي مدينة المخا، وهي خطوط التماس التي تراوح مكانها بين الكرّ والفرّ منذ أكثر من عام. كلّ ما حققته قوات صالح أخيراً السيطرة على ميناء الحيمة في مديرية التحيتا على مسافة 20 كلم شمالي مدينة الخوخة. لا يستقبل ميناء الحيمة أي نوع من السفن، فهو مركز تجمع لقوارب الصيادين الذين هجروا البحر منذ شهور، وأَحرقت مراكبَهم المدفعيةُ الإماراتية، فيما نفّذت القوات الموالية لها استعراضاً كما لو أنها قوات الحلفاء في ساحل النورماندي. تعثّرت قوات صالح في الميناء، وأوقفت تقدمَها هناك عمليات مقاتلي «أنصار الله» الذين يواجهون مهاجِميهم بدراجات نارية يمتطون ظهورها، وكلّ عدّتهم قذائف الـ«آر. بي. جي» والـ«كلاشنكوف» وصاروخ «كورنيت» الحراري الذي تُزوّد به كل مجموعة.
بعد تعثّر قوات صالح في ميناء الحيمة جنوبي مديرية التحيتا، لجأت الإمارات إلى تنفيذ عملية إنزال بحري في منتجع السلام في منطقة الفازة شمالي المديرية المذكورة في الـ19 من أيار/ مايو الجاري. وكشفت مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، فشل عملية الإنزال بعد محاصرة مقاتلي «أنصار الله» الجنود الذين جلبتهم الإمارات من قاعدة تابعة لها بالقرب من ميناء مصوع في إريتريا، مؤكدة أن جثث العشرات من الضباط والجنود الموالين للإمارات لفظها البحر إلى ساحل الفازة، ولا تزال هناك إلى اليوم.

معركة استنزاف
الخبير العسكري في «أنصار الله»، أحمد عايض، يقول لـ«الأخبار» إنه «على الرغم من التفاوت الكبير بين طرفَي المواجهة: اليمن ضد تحالف إقليمي ودولي ومرتزقته، في الإمكانات التسليحية والقدرات المالية والتقنية العسكرية، إلا أن برمودا المجاهدين ابتلع (الرعد الأحمر) في الساحل الغربي». ويضيف عايض أن «عملية الرعد الأحمر اصطدمت بأرخبيل عملياتي دقيق ومرعب رَسَمه مجاهدو الجيش واللجان الشعبية، فوقعت قوات الغزاة والمرتزقة في صندوق مقفل، وقامت قوات الجيش واللجان بالتحرك من ثلاثة محاور أساسية، أوّلها المحور الشمالي الشرقي من الخوخة، وثانيها المحور الغربي من موزع والوازعية والعمري، وثالثها المحور الشمالي الغربي المتصل بحيس وجنوبها، لتبدأ عملية تفتيت تشكيلات العدو الإماراتي ومرتزقته وإرباكها، وضرب خطوط إمدادها، وإبطال أساليبها الهجومية المعروفة بطرق عسكرية يمنية إبداعية جديدة». ويتابع أن «مسرح العمليات على الساحل الغربي أخذ الشكل البيضاوي، وتمت محاصرة مساحة المعركة، وبالأدق فرض طوق عسكري كبير بدءاً من كهبوب جنوبي الساحل وانتهاءً بجنوب حيس، ما قلّل من فاعلية قوات الغزاة والمرتزقة، وأفقدها التأثير العملياتي خارج مسرح المعركة، ومنعها من توفير عنصر الإسناد المتبادل، ما أدى إلى سقوطها المريع في أرخبيل استنزاف قاتل». ويزيد عايض أن «القوات اليمنية الخاصة وقوات التدخل السريع في الجيش واللجان ستكون رأس الحربة في مواجهة الغزاة والمرتزقة في المرحلة المقبلة».

تهديدات بوقف الملاحة
يروّج «التحالف» لكون الهدف من العمليات العسكرية التي ينفذها في الساحل الغربي لليمن السيطرة على ساحل محافظة الحديدة ومينائها، لوقف تهريب السلاح من إيران وحزب الله إلى الحوثيين. لكن رئيس مؤسسة موانئ البحر الأحمر (حكومية)، القبطان محمد أبو بكر إسحاق، يؤكد، في حديث إلى «الأخبار»، أن «جميع السفن التي يستقبلها ميناءا الحديدة والصليف تخضع لتفتيش دقيق من قبل الفرق التابعة للأمم المتحدة في الميناء الذي خُصِّص لها في جيبوتي»، مضيفاً أن «ميناء الحديدة لم يعد يعمل سوى بـ50% في مجال التفريغ، وذلك بسبب تعطّل 6 من رافعات الميناء جراء قصف طائرات التحالف خلال الشهور الماضية في حرم الميناء، وهو ما يؤخر اليوم تفريغ حمولة معظم السفن لأيام»، مشيراً إلى أن «ميناء الحديدة يغطي احتياجات 67% من سكان اليمن من المواد المستوردة والمسموح بها من قبل التحالف، خصوصاً المشتقات النفطية والحبوب الغذائية، وفي حال تعرض الميناء لأي استهداف عسكري، فإن نتيجة ذلك كارثة إنسانية تفوق الوصف».
نفذت الإمارات عملية إنزال فاشلة في منطقة الفازة شمالي التحيتا


من جانبه، يؤكد الخبير العسكري في وزارة الدفاع في صنعاء، العميد عابد الثور، لـ«الأخبار»، أن «حكومة الإنقاذ لا تزال إلى اليوم تتحمل جانباً من المسؤولية في توفير احتياجات السكان، خصوصاً في المحافظات والمناطق التي يسيطر عليها الجيش واللجان الشعبية، وفي حال استهداف ميناء الحديدة، فإن المسؤولية كاملة تتحملها دول العدوان في ما سيحلّ بالشعب اليمني من كارثة إنسانية جراء إقفال آخر شريان حياة»، متابعاً أن «أي مغامرة لتحالف العدوان في مدينة الحديدة ومينائها ستُواجه بتنفيذ ما توعّد به قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، والرئيس الشهيد صالح الصماد، باستهداف السفن النفطية السعودية ووقف الملاحة في البحر الأحمر، وسيكون ذلك خياراً إجبارياً للجيش واللجان الشعبية».

مقبرة الغزاة... مجدداً
تبعد القوات التابعة للإمارات مسافة 100 كلم عن مدينة الحديدة، حيث تتمركز حالياً في ميناء الحيمة الخاص بالصيادين في مديرية التحيتا. لكن الشريط الساحلي الذي اجتازته من باب المندب جنوباً إلى التحيتا شمالاً بمسافة 130 كلم محاصر بقوات الجيش اليمني واللجان الشعبية التي لا تزال تتمركز في السلسلة الجبلية من معسكر العمري جنوباً حتى جبال شمير قبالة ساحل مدينة الخوخة، فيما تحاصر مدينة حيس حتى اللحظة من جهات الشمال والغرب والجنوب، ولا منفذ للوحدات الموالية للإمارات المتحصنة داخلها سوى من الغرب باتجاه مديرية التحيتا.
يدفع «التحالف» بعدّته وعتاده ومرتزقته للسيطرة على الساحل الغربي لليمن، ويصوّر للعالم أن تمكّنه من الساحل سيضع نهاية لـ«أنصار الله». يريدها معركة خاطفة وتراهن الحركة على معركة استنزاف طويلة، في حين يبرهن التاريخ أن اليمن دائماً ما كان مقبرة للغزاة. يدلّل على ذلك الباحث والمحلل السياسي أحمد الحبيشي، بقوله لـ«الأخبار» إنه «في فترات متباعدة من التاريخ تعرّضت سواحل اليمن لغزوات الأحباش والفرس والبرتغال والهنود، لكن جميع الغزاة والمحتلين يتعثرون عند أقدام جبال اليمن ويرحلون بعدها وهم يجرّون أذيال العار والهزيمة. ومن خلال متابعة مجريات الحرب التي تقودها السعودية في اليمن خلال أكثر من 3 سنوات، فإن المحافظات والمناطق الجبلية لا تزال تحت سيطرة أنصار الله». ويضيف الحبيشي أن «الكلمة الفصل في اليمن على امتداد التاريخ هي للجبل وسكان الجبال الذين قضوا على الاحتلال التركي الأول والثاني، ومن لا يدرك هذه الحقيقة فعليه إعادة قراءة التاريخ. فشرارة الثورة ضد الاستعمار البريطاني انطلقت من جبال ردفان في لحج، وشرارة الثورة ضد الاحتلال التركي انطلقت من جبال الأهنوم في عمران. أما اليوم... فإن لحركة أنصار الله شرف الدفاع عن الوطن منذ اليوم الأول للعدوان، ورفع راية المقاومة التي تسطّر ملاحم بطولية في جبهات القتال من نجران وجيزان وعسير إلى الساحل الغربي لليمن، الذي تتصاعد فيه كل يوم الأدخنة من المدرعات الإماراتية المحترقة».



قرقاش: حان وقت التسوية


أكد الناطق باسم قوات الجيش واللجان، العميد شرف لقمان، أمس، أن طرد القوات الموالية لـ«التحالف» من جبهة الساحل الغربي «بات قريب المنال». وأوضح، في تصريح صحافي، أن «تعزيزات العدو لم تعد ذات قيمة، في ظل التكتيك المحكم للجيش واللجان، وسيطرتهما النارية الكاملة على مسرح العمليات»، مضيفاً أن «التحالف» «يمارس الخداع عبر الحديث عن قرب ساعة الحسم، في حين أن خسائر قواته لا تُعَدّ، ويجري التستر عليها خوفاً من انسحابات كبيرة». في المقابل، برزت تصريحات لافتة لوزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش (الصورة)، قال فيها إن «قوات التحالف ستبقى في اليمن بعد إنهاء الانقلاب»، مضيفاً أن «هزيمة الحوثيين لن تؤدي بالضرورة إلى إنهاء الحاجة للقوات التي تقودها السعودية». وأقرّ قرقاش، في مقابلة مع موقع «ديفنس وان» الأميركي، بـ«(أننا) لا نبحث عن نصر عسكري شامل»، معرباً عن اعتقاده بأن «الظروف باتت مواتية الآن لإنجاح التسوية السياسية».