لا «خير» يحمله هذا العام، سوى ذلك الذي يرد في عبارة «كل عام وأنتم بخير». ما عدا ذلك، لا يحمل اليوم العالمي للتمريض ــــ الذي صادف السبت الماضي ــــ إلا مزيداً من التعب في المهنة التي باتت تؤوي الطارئين عليها. يحدث ذلك، فيما يهوي في كل يوم رقم من سجل الممرضين المسجلين في نقابة الممرضين والممرضات، يأساً، إما إلى خارج البلاد حيث العروض أفضل أو إلى المؤسسات العسكرية ــــ وتحديداً الجيش اللبناني ــــ أو إلى المنزل، حين تسقط الخيارات الأخرى.في سجل النقابة 15500 منتسب من ممرضين وممرضات. هؤلاء هم من «يستوفون شروط ممارسة المهنة»، تقول رئيسة النقابة، الدكتورة نهاد ضومط. مع ذلك، لا يمارس نصف هؤلاء عملهم، إذ يقتصر «الرقم» الموجود في نطاق العمل في مجال العناية التمريضية المباشرة على 7000 ممرض وممرضة. وبالنسبة المئوية، يضمّ سوق العمل 45,1% من العدد المسجّل في النقابة. وهو رقم يوحي بالكثير من «التعب»، بحسب ضومط، لكون «قطاع» العناية التمريضية يحتاج إلى 24 ألفاً من الممرّضين. وهذا إن عنى شيئاً، فهو يعني أن القطاع التمريضي ليس على ما يرام، حيث أن «الموجود» يقلّ عن الحاجة، بنسبة 150%.
يفتح هذا النقص، الذي يزداد من عامٍ إلى آخر، الباب أمام جملة من الأسباب ليس أوّلها طبيعة «العلاقات» داخل المستشفيات، إضافة إلى التوصيف غير الواضح لطبيعة العمل، مروراً باللاتكافؤ في الرواتب بين المدينة وأطرافها، وصولاً إلى الأزمة التي يتسبّب بها التعليم المهني ودخول «الطارئين» إلى المهنة. كل تلك الأشياء، معطوف عليها النظرة إلى مهنة التمريض من قبل بعض الممارسين لها أو الساعين لتعلّمها.
هكذا، وفي ظلّ تلك الأسباب، ثمة حاجة لـ«توزيع» المسؤوليات ومن يتحملها، بدءاً بالمستشفيات وليس انتهاءا بالدولة التي يترتّب على كاهلها الكثير.
في المقام الاول، وفي ما يخصّ مسؤولية المستشفيات، يصبح من اللازم العودة إلى المربّع الأوّل. إلى أرقام العاملين في العناية التمريضية المباشرة. فرغم أن عدد هؤلاء في المرافق الصحية يبلغ 7 آلاف، إلا أن هذه النسبة تعود لمن يعملون تحت «سقف القانون». وهذا يعني أن ثمّة من يعمل بطريقة غير شرعية، وعلى عين القانون. وهم كثر، وإن كان لا وجود لأرقامٍ تحصيهم. يصعب على نقابة الممرضين والممرضات فعل هذا الأمر، فكل ما يمكن التعويل عليه هو الشكاوى التي تتحدث عن استعانة عدد من المستشفيات بممرضين «أجانب وآخرين غير مؤهلين ولا يملكون إذناً بممارسة المهنة»، تحسم ضومط. تتحدث الأخيرة عن شكاوى وردت إلى النقابة عن استعانة أصحاب المستشفيات بممرضين أجانب «لا نعرف مؤهلاتهم العلمية كما لا يملكون إذناً بمزاولة المهنة، بخلاف ما ينص عليه القانون، ولكن يجري توظيفهم لأنهم يتقاضون رواتب أقل». وللتأكيد، تشير إلى أنه «في الفترة الأخيرة جرى التبليغ عن 3 مستشفيات و4 مستوصفات يجري الإستعانة فيها بممرضين أجانب». هذا جزء من الواقع. أكثر من ذلك، تتحدث ضومط عن شكاوى تتعلق بأخطاء «قاتلة»، منها على سبيل المثال لا الحصر «الأخطاء المتعلقة بترجمة تعليمات الطبيب المكتوبة باللغة الأجنبية، خصوصاً أن معظم من تستعين بهم المستشفيات خارج إطار القانون تلقوا تعليمهم باللغة العربية». هذه ليست مشكلة عابرة. هي متأصلة. ويمكن الإستعانة هنا بوقائع. بأخبار عن «إبرة أعطيت خطأً وكادت تودي بأحد المرضى في أحد المستشفيات في منطقة نائية بسبب جهل الممرضة باللغة الفرنسية!»، تقول إحدى مسؤولات التمريض في المستشفى. هذا يحدث في كل يوم، لكن لا شكاوى يومية، في ظلّ غياب الرقابة التي تقع على عاتق وزارة الصحة العامة، ونقابة المستشفيات، وإن كانت بعض المستشفيات ضالعة في دوّامة «الطارئين على المهنة».
في ما يخصّ هذا الجانب، ينصّ قانون مزاولة مهنة التمريض، بصيغة آمرة، عن منع «الأجانب من مزاولة هذه المهنة، باستثناء تدبير مؤقت أعطي للفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية»، تقول ضومط. لكن، من يلتزم؟ وهل لدينا في الأصل مستشفيات مستعدة لتوصيف الأخطاء الطبية بهدف المتابعة؟ تسأل ثم تختصر بالقول «الوضع تعبان».
هذا الواقع أيضاً «لا يعجبنا»، يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة الدكتور سليمان هارون. يعيد التأكيد على نص القانون المانع للأجانب من العمل كممرضين. ولكن، ثمة استثناءات هنا، بحسب «الطوابق»، حيث يجري الإستعانة بأجانب كـ«مساعدين تمريضيين». يوضح النقيب طبيعة عملهم. يعني «إذا مسنّ وسّخ تحتو، بينضفّوا وبيغيروا شراشف التخت». هذا العمل لهم وحدهم، لأن «اللبنانيين قليل ما يشتغلوا هيدي الشغلة، مقريفين». ولأن الأخيرين كذلك، «منشغّل الأجانب أو منسكّر المستشفيات؟». لهذا السبب، بحسب هارون، هناك المساعدون الأجانب!
ينفي هارون أن يكون هناك ممرضون أجانب. الكل مساعد. أما مهنة التمريض، فـ«أمرها محسوم للمجازين». وللتأكيد، يشير أنه «آخر مرّة وجهنا إنذارات لثلاثة مستشفيات وانتهى الموضوع عند هذا الحد». مع ذلك، يسجّل انزعاجاً من القانون الذي يمنع الأجانب من العمل، على عكس الكثير من دول العالم «التي سبقتنا بالتطور». برأيه، هذا الأمر «أوصلنا إلى ما نحن فيه من تخبط وتراجع في مستوى الخدمة الطبية التي يقدّمها هؤلاء». كما أفسح المجال أمام السبب الآخر الذي ساق مهنة التمريض إلى واقعها «التعبان»: التعليم المهني، تقول ضومط.
هذا التعليم الذي أفرزت معاهده مئات الشهادات التمريضية التي صار التعامل معها على «قدم المساواة مع الحائزين على شهادات جامعية». ليس المطلوب إلغاء تلك الشهادات، وإنما وضع توصيف لها يحدّ «من الفوضى في القطاع»، تشير ضومط. ولهذا السبب، ثمة خيارات كثيرة لتحسين هذا الواقع، منها اقتراحات عملية تتطلب إرادة لا أكثر «كوضع خطّة اعتماد للتعليم المهني تنطلق بوضع برنامج موحّد للتدريس في المعاهد». خطوة على بساطتها، إلا أنها لم تلق تجاوباً إلى الآن. كما هي حال اقتراحات تعديل قانون إذن مزاولة مهنة التمريض القابع منذ العام 2005 في أدراج المجلس النيابي بلا حراك، كما المرسوم التطبيقي المتعلق بنطاق العمل التمريضي ومعاييره وكفاياته.
هذا الواقع «المعطّل» يفرز ممرّضين «غير كفوئين، وإن كان لا بد من مراعاة التفاوت الكبير بين معاهد وأخرى، إلا أنه بالإجمال عم نعلمهم عن جديد لنسترجي نسلمهم مريض»، يقول هارون.
نقص فادح في أعداد ممرضي العناية المباشرة وتخمة فاضحة في أعداد الطارئين عليها


لكن، ذلك لا يمنع «أنها شهادة ومعترف فيها، وما خصهن بالتعليم المهني خصهن يعادلوا الساعات»، تقول هنادي بري، مديرة المعهد الوطني للعناية التمريضية. لا تنفي أن هناك من يملكون «مؤهلات أقل من الحائزين على شهادات جامعية، ولكن ليست كل المعاهد المهنية متشابهة، أضف إلى أنه في المعاهد الجيدة يدرّس الطالب المهارات التطبيقية أكثر من النظرية، وهذه نقطة قوة». لكنها، نقطة لا يعوّل عليها داخل اروقة المستشفى، حيث الإختبار الفعلي للمهارات «والتي تتطلب في كثير من الأحيان إعادة تدريب الطالب لعامٍ كامل قبل أن يتسلم مهام جدية»، بحسب هارون.
لكن، من المسؤول عن كل هذا؟ الكل ضالع في ما آلت إليه المهنة التي تعيش تناقضاً رهيباً: نقص فادح في أعداد ممرضي العناية المباشرة وتخمة فاضحة في أعداد الطارئين عليها. الكل ضالع، ابتداءً من «تغاضي» أصحاب المستشفيات المستفيدين من هذا الدخول الطارئ إلى وزارتي الصحة والعمل الغائبتين عن الرقابة. إلى النظام الصحي ككل. ثمة ما يضيفه هارون عن النقطة الأخيرة التي تجعل من الممرض مشروع هاربٍ إلى الخارج، وهي «قلّة المحفّزات». ويرجع سببها إلى «التعرفة». بسبب هذه الأخيرة «لا أستطيع رفع راتب الممرض وأنا أتقاضى مثلاً بدل أجرة غرفة من الجهات الضامنة الرسمية 90 ألف ليرة للدرجة الأولى». في النظام السليم، بحسب هارون، يصبح الحديث عن زيادة المحفزات «عندما تصبح التعرفة واضحة، أي مثلاً عندما يصبح ما أتقاضاه بدل الغرفة 220 ألف ليرة». ما عدا ذلك «الأزمة مستمرة، خصوصاً أن ما ندفعه كمستشفيات بدلات أجور هو 40% من الموازنة».
هذه التبريرات «المستمرة» تتجلى مظاهرها في المعادلة التالية: ممّرض لكلّ 15 مريضاً نهاراً ولـ30 مريضاً في «النوبات الليلية». أما النتيجة؟ خدمة قاصرة وأخطاء قد تصل حد القتل، وقد حصلت.