الجزائر | غالباً ما يُسمع في الجزائر أنّ لفرنسا مرشحين تريد فرضهم لرئاسة البلاد، وكذلك يقال عن أميركا التي أصبحت في العقود الأخيرة حاضرة في التحليلات التي تتناول موضوع الرئاسيات. ويستند من يقول بهذه الفرضية، إلى أنّ هاتين القوتين الخارجيتين «الأكثر نفوذاً في المنطقة»، وإلى أنّهما «تتدخلان في اختيار رئيس الجزائر من أجل إدامة مصالحهما الحيوية». بكلام آخر: «هما لا تقبلان بترك المجال للصدفة في بلد إستراتيجي مثل الجزائر» يُعدُّ الأكبر مساحة في أفريقيا ومن أكثر دول القارة غنى بالموارد الطبيعية.لويزة حنون، وهي السياسية اليسارية البارزة، دشنت قبل أيام حملة المخاوف إزاء ما اعتبرته «رغبة» لفرنسا وأميركا «في تعيين عملاء لهما على رأس الجزائر». ووفق حنون التي تشغل منصب الأمينة العامة لـ«حزب العمال»، فإن السنة الحالية سنة مفصلية، «فإما نتمكن من تنظيم التعبئة الواسعة ونوفّر كل الشروط السياسية ليُعبّر الشعب عن سيادته لمناسبة الرئاسيات، أو يُفرض علينا مرشح أو مرشحون من قبل الولايات المتحدة وفرنسا ومختلف القوى الإمبريالية الأخرى». ووفق حنون التي اعتادت الترشح للانتخابات الرئاسية، فإن الجزائريين «مطالبون بالتجند» من أجل منع القوى العالمية من «فرض عملاء» في الجزائر في رئاسيات 2019، «مثلما فعلوا في البرازيل»، في إشارة إلى الانقلاب الأميركي الذي تمّ قبل نحو عامين هناك، وأدى إلى عزل الرئيسة «العمّالية» ديلما روسيف.
وانتشر في السنتين الأخيرين كلام مفاده بأنّ وزير الطاقة السابق شكيب خليل، هو «المرشح المحتمل لأميركا في الرئاسيات المقبلة»، وذلك بسبب ارتباطه بالولايات المتحدة التي درس وعمل فيها سنوات طويلة (وفي البنك الدولي أيضاً)، قبل أن يساعد شركاتها العملاقة حين عاد إلى الجزائر كوزير للطاقة مع مجيء الرئيس بوتفليقة للحكم في 1999. ويمارس خليل السياسة على طريقته بعد مغادرته منصب المسؤولية بسبب شبهات فساد قوية تحوم حوله، حيث يقوم بجولات إلى محافظات البلاد لإلقاء محاضرات ويزور أيضاً الزوايا الدينية، لكنه لم يعلن أبداً عن رغبته الصريحة في الترشح. أما فرنسا، فيتردد في كل مرة كلام أنها «تملك رجالاً يدافعون عن مصالحها»، مثل وزير الصناعة السابق، عبد السلام بوشوارب، أو بعض الجنرالات المتقاعدين، علماً أنّ هؤلاء أبعد ما يكون عن الترشح للرئاسيات.
لويزة حنون: لمنع تلك القوى من فرض عملاء مثلما فعلوا في البرازيل


وتنطلق فرضية «تعيين الرئيس من الخارج» من كون أن الانتخابات الرئاسية في الجزائر، ليست سوى «واجهة لإظهار ديكور ديموقراطي»، بينما الحقيقة أنّ الشعب «بعيد تماماً» عن اختيار رئيسه، إذ يتم الأمر في «إطار ضيق، ثم يتم تقديم المرشح إلى الانتخابات مع مرشحين منافسين في عملية يتم التخطيط لها مسبقاً». ولا يزال يسود اعتقاد يكاد يكون معمماً بين كل الأحزاب (حتى في الموالاة ولكن من دون أن تجهر بذلك)، أنّ هذه الجهة التي تختار هي المؤسسة العسكرية في البلاد. وبحكم أن هذه الدائرة التي تختار الرئيس ضيقة ومحدودة، فإنّ «إمكانية خضوعها للتأثير الأجنبي»، خصوصاً من الدول صاحبة النفوذ مثل فرنسا المستعمر السابق للجزائر وأميركا، «قد يصبح أمراً وارداً جداً».
رئيس «حزب جيل جديد» المعارض، جيلالي سفيان، يرفض تماماً فكرة وجود يد خارجية تختار الرئيس الجزائري، ويلفت في تصريح إلى «الأخبار» إلى أنّ هذا أمر «غير قابل للتصديق». ويشير جيلالي إلى أن هناك اهتماماً فرنسياً وأميركياً بالجزائر، بحكم وجود مصالح متنوعة، إلا أنّ الأمر «لا يرقى إلى درجة التدخل في موضوع الرئيس». لكنه يشير في المقابل إلى أن المؤسسة العسكرية التي يُؤمِنُ بأنّ الأمر «يعود إليها في هذه المسائل»، تراعي في اختيارها «دائماً، التوازنات الدولية، وإيجاد الشخص المناسب الذي بإمكانه التفاوض مع كل القوى».
وعلى رغم تداول فرضية التأثير الأجنبي في الرئاسيات بكثرة في الأوساط السياسية والشعبية، إلا أنّ الجزائر وفق ما يقول ديبلوماسي أوروبي لـ«الأخبار»، «عكس ما يُثار، إذ إنّها أكثر الدول المتمسكة بسيادتها، وترفض كل أشكال الدعم من الخارج التي تكون فيها شبهة التأثير في القرارات في الداخل، وذلك بخلاف دول أخرى في محيطها (المغرب بالخصوص)، منفتحة كثيراً على التعاون مع الأجانب».
الباحث حسني عبيدي، وهو رئيس «مركز الدراسات الإستراتيجية في العالم العربي والشرق الأوسط» في جنيف، يشير في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنّ القول إنّ باريس تختار الرئيس الجزائري، يُعدُّ «تجاوزاً لأولوية الديناميات الداخلية في عملية التغيير السياسي». لكن في الوقت نفسه، «لا يمكن فرنسا أو أميركا، وبالتحديد فرنسا، التعايش مع فرضية الرئيس المفاجأة، بحكم قوة ومتانة العلاقة».
ويلفت عبيدي في سياق حديثه إلى أن استقرار الجزائر «أولوية فرنسية داخلية وليست فقط إقليمية، وذلك بحكم الوجود الجزائري في فرنسا والفرنسيين المقيمين في الجزائر، وتداركاً لتداعيات أمنية وسياسية واقتصادية من جراء سيناريو فراغ في السلطة أو تصدع في علاقات النخبة الحاكمة وانهيار التوازن الذي يطيل عمر النظام». ويضيف إلى ذلك، ارتباط الأمن القومي الفرنسي الداخلي والخارجي (دول الجوار والساحل) بتماسك الجزائر وقدرتها على «تحمّل جزء من العبء الأمني والسياسي».
ويخلص عبيدي في تحليله إلى أنّه «من المبالغ القول إنّ فرنسا هي التي تختار، لكنها تساهم في عملية الاختيار وتعمل على ترجيح من تراه يعمل على استمرار استثنائية العلاقة معها، ناهيك عن أنّ أي مرشح للرئاسة لن يستطيع مقاومة الرغبة في الاتصال بطريقة أو بأخرى بباريس لتأكيد الصداقة مع فرنسا ولضمان دعمها». أما أميركا، «فبحكم توزيع الأدوار والمصالح لن تدخل في تنافس مع باريس في مساحة نفوذ تُعتَبر فرنسية بامتياز».



العلم لا يُنزل!
في حادثة مثيرة وقعت نهاية الأسبوع الماضي، رفض سكان بلدية المالح غربي الجزائر، إنزال العلم الجزائري عن مقر البلدية ورفع مكانه العلم الفرنسي، في سياق تصوير مشاهد من فيلم يحكي عن أحداث الانتفاضة على المستعمر الفرنسي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وتجمع سكان المالح الواقعة في محيط ولاية عين تيموشنت الساحلية (500 كلم غربي الجزائر العاصمة)، أمام مقر البلدية أثناء عملية تصوير فيلم «هيليوبوليس»، بغية إيقاف عملية التصوير، فيما شوهد البعض في الفيديوهات التي جرى تناقلها، يقولون: «لن ينزل العلم الجزائري إلا على جثتي».
ورأى السكان المتجمعون أن إنزال العلم الجزائري عن هيئة رسمية يُعدُّ تعدياً صارخاً على مؤسسات الدولة وإهانة لرمز من رموز السيادة الوطنية، وطالبوا باختيار أماكن أخرى للتصوير. وفي رده، ذكر مخرج الفيلم جعفر قاسم، أنّ اختيار المالح يعود «إلى احتفاظها بنمط البنيان الكولونيالي، ما يضفي صدقية على مشاهد التصوير». واللافت أنّ هذا الفيلم يُموَّل من الخزينة العمومية، وهو يوثق لمجازر رهيبة يقدِّر المؤرخون ضحاياها بـ45 ألف شهيد، إثر تظاهرات كانت تطالب فرنسا بتحقيق وعدها ومنح الاستقلال للجزائريين «لقاء مساعدتهم لها في عملية التحرير من الغزو الألماني لها».