باستثناء الرئيس دونالد ترامب الذي صوّب الصواريخ الذكية ضد الروس في تغريدات أمس، يلتزم البنتاغون ومجلس الأمن القومي بديهياً الصمت حول الخيارات التي ستعتمد في العملية العسكرية ضد سوريا. والأرجح أن تلك الخطط والخيارات التي يمتلكها الأميركيون قد عُرضت على البيت الأبيض في الحقيبة التي حملها وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى رئيسه لوضع حد للتسريبات التي يتولاها ترامب عبر «تويتر»... وأن الحرب ضد سوريا قد بدأت.ومع ذلك، لا يفوق «البنتاغون» رئيسه تقشفاً في تسريب المعلومات أو عرض العضلات، من خلال ترك المراصد المدنية الأوروبية تُسجل من دون عقبات أو تشويش على راداراتها أو قنوات معلوماتها، حركة الحشود الجوية التي تتجه من دون توقف منذ ثلاثة أيام نحو سوريا. يبعث التساهل في الاستعراض أمام هذه المراصد الحرص على إشعال الحرب النفسية وإرسال رسائل واضحة للروس عن حجم الحشود التي ستشارك في العمليات والضغط على أعصابهم. ومع ذلك، لا يزال الروس يتعاملون مع المعلومات بهدوء ميداني وسياسي، إذ لا يملكون رسمياً في قاعدة حميميم أكثر من ٢٨ طائرة مقاتلة لم تتلقّ أي تعزيزات إضافية حتى أمس، ولا تزال تضم ٤ طائرات سو٣٥، و٦ طائرات سو٣٤ قاذفة و١٠ طائرات سو٢٤ للدعم الأرضي، و٦ مقاتلات سو٢٥.
وعزّز الاكتفاء بإعلان إرسال حاملة طائرات واحدة هي «هاري ترومان» ومدمراتها المرافقة الست، وترسانتها من الصواريخ الجوالة لتواجه السواحل السورية - اللبنانية، ذلك الانطباع الخاطئ بالزهد بالاستعراض الإعلامي والعسكري، وأن البحر وحده هو ميدان العمليات وقاعدة الانطلاق للهجوم على سوريا. وغني عن القول أن صورة للحرب ترتسم في الساعات الأخيرة أوسع وأكبر من مجرد عملية يوكل أمرها إلى حاملة طائرات واحدة ومدمراتها. ولا ينبغي مع ذلك التقليل من شأن قدرة طائراتها التسعين، من بينها ٦٠ طائرة «أف ١٨» ومخزون من مئات صواريخ «التوماهوك» التي يعدها الأميركيون لتوجيه ضربات إلى المنشآت والأهداف العسكرية والمدنية السورية.
فخلال اليومين الماضيين، ترك تدفق قوافل صهاريج الوقود الطائرة لتزويد الطائرات بها خلال العمليات المجال رحباً أمام فرضية عن حرب قد تمتد أياماً، وتفيض عن مجرد ضربة خاطفة إلى موجات متلاحقة من الغارات. ويدفع بالمزيد من الماء في طواحين حرب أطول من عملية «الشعيرات» تدفق أسطول تزويد الوقود في الجو إلى شرق المتوسط من طائرات KC135R، كما يقدّم مراقبة وإحصاء تحليق أسراب طائرات الحرب الإلكترونية الأميركية في مواجهة السواحل السورية فرضيات أكثر عن اتساع بنك الأهداف الأميركية، وحجم العملية المنتظرة وطبيعتها.
إذ تتقاطع معلومات مراصد فرنسية وإيطالية في الساعات الأخيرة عن إقلاع سبع طائرات ناقلة ومزودة للوقود في الجو ظهر أمس من قاعدتها البريطانية في «ميلدن هول» وتوجهها شرق المتوسط في الجوار السوري. وبحسب المعلومات الفرنسية والايطالية، عبرت عصر أمس الأجواء قبالة السواحل الليبية بشكل رتيب، سبع طائرات من طراز KC135R، واتجهت نحو قواعد لها في الأردن وإسرائيل. ورصدت طائرة مماثلة من طراز KC10 وهي تتجه نحو منطقة شرق المتوسط. ويعزز وجود هذا الطراز فرضية مشاركة قاذفات B52 وB2 القاذفة الشبح، خصوصاً أن الناقلة KC10 قادرة على حمل ١٦٠ طناً من الوقود، كما تحمل البوينغ ٧٠٧ المعدلة KC135R ٨٠ طناً من الوقود. وترجح فرضية تمدد زمن الهجوم الأميركي مع معرفة أن أسطولاً من تسع طائرات قادر على التنسيق والاستجابة لأسراب يصل عدد مقاتلاتها إلى مئة، إذ باستطاعة الناقلة الواحدة تزويد ٨ طائرات بالوقود في الجو لمواصلة تشغيلها خلال العمليات، وهو ما يفترض وجود عدد كبير من الأهداف، كالمطارات وقواعد الدفاع الجوي، أو شبكات الاتصال وهيئات الأركان. وكانت ثلاث ناقلات من الطراز نفسه قد وصلت إلى قاعدة انجرليك التركية قادمة من قاعدة «سيغونيلا» الجوية في صقلية. كذلك سجّلت المراصد وصول ناقلة وقود من الطراز نفسه تحمل علامات الجيش الإيطالي في قاعدة أردنية، وهي الإشارة الأولى إلى مشاركة إيطالية في العملية الأميركية، فيما رفضت الإمارات والأردن أن يتمركز في قاعدة الظفرة الإماراتية أو المفرق الأردنية سرب من طائرات «رافال» الفرنسية، ما سيضطرها إلى الإقلاع من قاعدة «سان ديزييه» في فرنسا والتزود بالوقود جواً في تحليقها باتجاه أهداف سورية تبعد أكثر من ٢٥٠٠ كيلومتر عن قاعدتها. كذلك هبطت في قاعدة «انجرليك» التركية ١٢ مقاتلة «اف ١٦ سي اس»، وست طائرات دعم أرضي من طراز A10CS. وكان «البنتاغون» قد استخدم هذه الطائرات في السابع عشر من أيلول ٢٠١٦ لشنّ غارات على مواقع الجيش السوري في جبل الثردة في دير الزور، وتدمير تحصيناته، وقتل ٨٠ من جنوده لمنع سريان تفاهم للتعاون مع روسيا، كان قد توصل إليه وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري، وأدى إلى اختراق «داعش» للمنطقة.
الحرب بدأت ضد سوريا مع ازدحام عمليات الرصد والتجسس والاستطلاع التي تقوم بها طائرات الرصد الأميركية أو «الأطلسية»، مع الحرص على أن تشمل عمليات هذه الحرب، الجنوب السوري، والسواحل غرباً، والحدود مع تركيا. إذ حلقت طوال نهار أمس طائرات «أواكس E3» تابعة لـ«الناتو» على طول خط الحدود التركية السورية حتى المتوسط، فيما تولت طائرة P10 أميركية عمليات الرصد في سماء المياه الدولية قبالة مدينة طرطوس وقاعدة حميميم.
وخلال نهار أمس، تناوبت ثلاث طائرات P10، من دون انقطاع، على التحليق على خط الحدود الأردني السوري، ومراقبة المنطقة.
ويمكن الافتراض أن جبهات الهجوم الأميركي لن تقتصر على دمشق، وقد تشمل الجنوب السوري الذي فشل الأميركيون خلال جولة أستانا السادسة في حزيران الماضي في إبعاد الإيرانيين عنه وفرض منطقة فاصلة عليهم وعلى حلفائهم تمتد من جبهات درعا أكثر من خمسين كيلومتراً نحو دمشق.