من انضم أمس إلى اعتصام اللقاء النقابي التشاوري حضر بصورة أساسية ليقول إنّ شعلة التحرك يجب أن تبقى مستمرة، باعتبار أن فساد السلطة السياسية وانتقالها من فضيحة إلى أخرى وفشلها جذرياً في معالجة الملفات الخدماتية والحياتية للناس وصل إلى حد أصبح معه من الجريمة السكوت تحت أي ذريعة من الذرائع. أما الانتقال من الانخراط العفوي في هذه المبادرة التجميعية نحو إنضاج أدوات وشعارات محددة وجعلها مصوبة باتجاه برنامج متكامل فلم يظهر همّاً أساسياً أو هدفاً أولياً في لائحة الأولويات. المشاركون قالوا إن المطلوب في مرحلة أولى تجميع ما بقي من نقابات مستقلة وجمعيات أهلية ومجموعات شبابية وطلابية خارقة للطوائف، ومحاولة تشكيل موازين قوة في مواجهة «دفاعات» حزبية وطائفية محصنة في السلطة.
في مقابل ذلك، حمل التيار النقابي المستقل برئاسة حنا غريب همّاً إضافياً، هو استقطاب قيادات هيئة التنسيق النقابية وقواعدها من المعلمين والموظفين وإعادة بثّ الروح في حراك سلسلة الرتب والرواتب، بعدما بلغ التدجين والتيئيس حداً أصبحت معه الاستجابة لأي تحرك باهتة. بدا أن التيار يريد أن يخلق دينامية نقابية تنضوي في ظلها الفئات المجتمعية الأخرى. غريب دعا الهيئات النقابية التمثيلية إلى أن تعيد النظر بموقفها وأن تتخلى عن نهج الانتظار، في وقت تتجه فيه هيئة التنسيق لإعلان ما سمّته خطوات ضاغطة لإدراج السلسلة وإقرارها في الجلسة التشريعية بعد 20 الجاري، وذلك في اجتماع تعقده عند الرابعة من بعد ظهر الثلاثاء المقبل، في مقر نقابة المعلمين. وفيما أصرّ غريب على التذكير بأننا «مكون من مكونات الروابط ولسنا بديلاً منها»، لم تلقَ دعوته صدى إيجابياً لدى قيادة رابطته على الأقل، فرئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي عبدو خاطر، قال إننا «لا نستطيع أن نمشي وراء شخص يخوّننا، حين نكون معه نكون نقابيين وحين نعترض على أدائه نصبح أزلام سلطة». في ردّ على الاعتصام، تعمّد خاطر دعوة الرابطة إلى جلسة متزامنة مع موعد الاعتصام لمناقشة قضايا مختلفة، في مقدمتها تعديل النظام الداخلي باتجاه اعتماد النسبية في الانتخابات النقابية.
استمرارية الضغط على سلطة فشلت في إدارة شؤون الدولة

انقلاب السلطة على هيئة التنسيق بصفتها أداة نقابية تمثل فئات منظّمة ومحصنة مهنياً، دفع الوزير السابق شربل نحاس إلى القول إن «المعركة اليوم باتت بالسياسة ومحاولة جمع ما بقي من شي اسمو نقابات للإيحاء بميزان قوة، لا مجال لتحديد المطالب على خلفية من هي الجهة التي سنطالبها وبشو؟ إذا ظبطت معنا النقلة بيكون عملنا شي تاريخي، وإذا ما ظبطت رح نبقى هيك».
الوقت ليس مواتياً لتأطير الحراك، بحسب الخبير البيئي ناجي قديح، فالمحك هو استمرارية الضغط على سلطة فشلت في إدارة شؤون الدولة، فأمعنت بعيداً في الفساد ووضعت يدها على المقدرات وصوبت باتجاه تيئيس الناس وإمساكهم في لقمة الخبز لجعلهم مرتهنين لهم. المهم بالنسبة إلى الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة، هو البدء ببناء حركة ديموقراطية شعبية تفتح الطريق أمام تغيير ديموقراطي، في حين أن الآليات والأدوات تصبح من التفاصيل التي يمكن أن تناقش في مراحل أخرى.
هذا ليس رأي علي رمضان من مجموعة بدنا نحاسب، إذ يقول إن وضع بيان فضفاض يضيّع الهدف، ومن يخشى أن يطرح نفسه بديلاً لنقابات وروابط مدجنة من السلطة لا تكون رؤية التحرك مكتملة لديه، فاعتراض التيار النقابي المستقل جيد، لكن ما هو مستغرب القول إن صوته موجود في كل الأطر داخل هيئة التنسيق، لكنه ضعيف وهو خرج إلى التحرك ليكون صوته مسموعاً. مع ذلك نحن نشجع كل عمل اعتراضي وتغييري. بالنسبة إلى وديع الأسمر، من مجموعة طلعت ريحتكم، إن تكبير الحجر يدل على أن الوجع بات كبيراً، فيما التحدي هو بناء مظلة نقابية والتفكير في تأسيس معارضة سياسية.
يجب الانتقال هذه المرة إلى مرحلة وضع شعارات محددة وتنظيم العمل العفوي، كما يقول أمين سر المركز اللبناني للتدريب النقابي أديب أبو حبيب، فمن أكثر الأوضاع حساسية، غياب الأداة التي تنظم هذا العمل. قد يشكل الاحتكاك بين النقابيين والفئات الأخرى في المجتمع ميزة لهذا التحرك، إلّا أن هذا الأمر ليس كافياً، بحسب فرح قبيسي من المنتدى الاشتراكي، فالإشكالية تكمن في استمرار كل فئة في التمسك بمطالبها القطاعية والمرعب في تجربة السنوات الماضية، أنّه ليس هناك قطاع يشارك في تحركات القطاع الآخر «فما ننتظره أن نرى شيئاً مختلفاً هذه المرة».
بحسب الخبير الاقتصادي كمال حمدان، آن الأوان لكي نتجه إلى خلق إطار تحالفي ديموقراطي خارق للطوائف وجامع يخرج الحركات المطلبية والاجتماعية من دائرة التنافس، فلا يدعي أحد أنه القائد الأوحد كي يكون اللقاء فسحة لجميع المتضررين، وبالتالي بناء أدوات مواجهة تستفيد مما حصل من تراكم للتجارب العفوية السابقة التي لم تكن فاشلة بالمطلق.