انتهت الفترة الرئاسية الأولى لعبد الفتاح السيسي (2014 ـــ 2018) بأوضاع اقتصادية صعبة، بعدما بلغت الديون حدوداً غير مسبوقة تاريخياً، فيما شهدت البلاد تدهوراً في الأوضاع المعيشية للمواطنين. أما عمّا ينتظره المصريون على المستويين الاقتصادي والمعيشي في السنوات المقبلة، فيربط الباحث الاقتصادي في «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» أسامة دياب، في حديث إلى «الأخبار»، هذا السؤال بمسألة الديون واستمرار التوجّه الحالي القائم على الاعتماد على الديون الخارجية على حساب الديون المحلية، علماً بأنّ هذا التوجّه اتُّخذَ بإيعاز من «صندوق النقد الدولي» نظراً إلى «ارتفاع تكلفة الاقتراض المحلي بعد رفع سعر الفائدة».إذا كان الاعتماد على الديون الخارجية من شأنه إحكام السيطرة على عجز الموازنة، فإنّ اتباع هذا التوجّه دون إصلاح وضع الاقتصاد السيئ (السياحة، الاستثمار الأجنبي، دخل قناة السويس، التصدير)، سوف يُمثِّل «تهديداً وزيادة احتمال إعلان الدولة إفلاسها، أو على الأقل تآكل الاحتياطي من النقد الأجنبي»، يقول دياب.
جدير بالذكر أنّه في المدّة الأخيرة شهدت مؤشرات عجز الموازنة انخفاضاً، وهذا ما كان متوقعاً لأنّه الهدف الأهم لصندوق النقد الدولي. لكن ذلك الانخفاض «كان، وسيبقى، بتكلفة عالية، تدفعها الطبقات الفقيرة والمتوسطة، لأن أهم مصادر خفض العجز الذي لجأت إليه الدولة هو خفض الدعم على الكهرباء والمحروقات والأجور الحكومية، وهذه كلها نفقات تمسّ الطبقات الفقيرة والمتوسطة بالأساس».
أيضاً، من أسباب خفض العجز في الموازنة، كان فرض الحكومة ضريبة القيمة المضافة التي مسّت الفقراء بشكل رئيسي، وهذا ما تؤكده «زيادة نسب الفقر وزيادة الفجوة بين الشرائح الأفقر والأغنى في المجتمع».
أمام هذا المشهد، يخلص أسامة دياب إلى توقع «استمرار سياسات التقشف الحالية التي ستدفع فاتورتها الأكبر الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ذلك لأنّ من الواضح أن لا الحكومة ولا صندوق النقد ينويان تعديل تلك السياسات».

نفق السياسة طويل...
على الصعيد السياسي، يبدو النفق طويلاً، إذ إنّ «الفترة المقبلة من حكم السيسي ستشهد توسعاً في التضييق، حيث ستتوسع الاعتقالات السياسية لقوات الأمن، (وسيُغلق) ما تبقى من فاعليات حقوقية أو مجتمع مدني مستقل، في مقابل مزيد من عسكرة الإعلام والتعليم والجامعات»، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة أشرف الشريف لـ«الأخبار». يضيف الشريف: «سنشهد حجب المزيد من المواقع الصحافية (نظام السيسي حجب أكثر من 400 موقع، من بينها موقع جريدة الأخبار اللبنانية)، وتقديم صف جديد من الصحف والصحافيين والإعلاميين الموالين للنظام، كما سنشهد مزيداً من القضايا والمحاكمات في اتجاهات مختلفة، مثل (اتهامات) قلب نظام الحكم، الإرهاب، ازدراء الأديان، المثلية الجنسية، الآداب والفن الخليع وغيرها، مع صدور قوانين قمعية جديدة لو تطلب الأمر».
الحياة الحزبيّة في مصر لن تتغيّر كثيراً... لأنّها ميتة مُسبقاً


أيضاً، «الحياة الحزبية لن تتغير كثيراً لأنها ميتة مُسبقاً»، وفق أستاذ العلوم السياسية الذي يستبعد في الوقت نفسه أن يقوم السيسي «بتشكيل حزب يدعمه كظهير سياسي»، فيما يتوقع أن «يتم تعديل الدستور، لكن بعد مرور فترة من الولاية الثانية». رأي الشريف في هذه النقطة، يقوم على اعتباره أنّ «سياسة العسكر الدائمة، (هي في) ترحيل المشاكل وكسب الوقت وتأجيل الأزمة عبر إدارتها، فمثلاً سينتظر السيسي عامين، ثم يقوم بتعديل الدستور لمدّ الفترة الرئاسية من أربعة أعوام إلى ستة ليربح عامين إضافيين. وعندما تنتهي السنوات الست، من الوارد تعديل الدستور مرة ثانية لفتح مدد الترشح بدلاً من مدتين وفق الحالي». إلا أنّ هكذا تعديلات مشروطة «ببقاء دعم الجيش للسيسي واستمرار الرضا عنه»، يشير الشريف.

ماذا عن الأمن؟
الفترة الرئاسية الأولى للسيسي تنتهي وسط حالة قمع غير مسبوقة في تاريخ مصر، توازياً مع واقع استمرار العمليات العسكرية في سيناء ضد «الجماعات الإرهابية» التي انتشر وتوسع نطاق عملياتها خلال السنوات الماضية. لكن يبدو أنّ السنوات الأربع المقبلة لن تكون أيسر على هذين الصعيدين.
الباحث في علم الاجتماع السياسي والمتخصص في الدراسات الأمنية علي الرجال، يتوقع في سياق حديث إلى «الأخبار» اشتداد «القبضة الأمنية أكثر وأكثر، وذلك بسبب تضخم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية»، مشيراً إلى إمكانية أن «يزيد العنف الاجتماعي بشكل كبير بين السلطة والناس، فيما (قد ينحسر) الإرهاب وخاصة في سيناء التي أتوقع أن تُحرز الدولة تقدماً فيها». ويشير إلى أنّه إذا كانت «العمليات الإرهابية ستبقى بشكل نوعي مع ذبول كبير، فإنّها لن تكون بالخطورة التي تُهدد بقاء النظام، وخاصة أنّ من المتوقع أن تستمر سيطرة السيسي على الجيش والشرطة».

هنا سيناء!
فترة السيسي الثانية تنطلق في ظلّ أوضاع معيشية مؤلمة لأهل سيناء، إذ ضرب الحصار والجوع أرجاء مدن شمال سيناء. وعن المتوقع خلال الفترة المقبلة، يشير الناشط والباحث السيناوي مسعد أبو فجر، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنّه «قد تزداد معيشة أهل سيناء صعوبة وألماً وزيادة في معدلات التهجير، ذلك لأن هناك توافقاً حول (الأمر) بين الدولة المصرية ودولة الاحتلال الإسرائيلي». ويوضح أبو فجر: «أصبح هناك فائض بشري (في سيناء) وفق الدراسات الإسرائيلية، فيما تزداد حركة المطالبة بالحقوق المدنية، وهما وضعان ليسا في مصلحة إسرائيل، لأن توسع المطالبات الحقوقية سيمتد إلى قبائل بئر السبع داخل الأراضي المحتلة، وهم كتلة خطرة كما تراها الدراسات الإسرائيلية».
يضيف أبو فجر أنّ الدولة المصرية «عجزت عن تمصير سيناء وفق المفهوم الوطني للكلمة، وبالتالي فالأفضل لهم إخلاءها أو على الأقل تقليل فائضها البشري وإضعافه وإنهاكه وترك مهمة تمصير الأرض للجيش، أو التمصير بالمعنى العسكريتاري». في هذا السياق، يشير الباحث السيناوي، إلى «كثير من اللعب الخبيث (الذي يجري بين) النظامين المصري والإسرائيلي... فالجميع يبحث عن الاستفادة من سيناء؛ سواء النظام المصري أو الإسرائيلي، وذلك على حساب البشر».



لا إعلام ولا صحافة ولا حريات
على صعيد حرية الصحافة والإعلام، يقول عمرو بدر، لـ«الأخبار»، وهو عضو مجلس نقابة الصحافيين، إنّ «كلّ المؤشرات تشير بوضوح إلى أنّ الأوضاع في الفترة الثانية من حكم السيسي ستستمر كما هي، أو ستتراجع إلى الأسوأ، وذلك لسبب بسيط: السلطة الحالية ليس لديها اقتناع بدور الصحافة ولا الإعلام، وتعتبر الصحافة مجرد نشرات تُعبّر عن السلطة وليس عن المجتمع». يضيف أنّ «السيسي نفسه كان يقول إن الرئيس الراحل عبد الناصر كان محظوظاً بإعلامه، ذلك أنّ تصوره عن الصحافة بأن تكون تابعة للسلطة أو جزءاً منها، بالإضافة إلى أنّ حرية الصحافة هي جزء من الحريات العامة، وهذا الملف الوحيد الذي لا يمكن للسلطة أن تقدم تنازلات فيه، لذلك ستستمر الأوضاع بنفس الشكل، بل أتوقع أن هناك مزيداً من الحجب والإغلاق بحق الصحافة والإعلام».
يُضيف بدر، وهو رئيس تحرير موقع «يناير» الذي تم حجبه، أن هناك رغبة حقيقية لدى النظام في التضييق على منصات التواصل الاجتماعي، مستبعداً خطوة إغلاقها لأن ذلك يحتاج إلى دراسة وخطوات كبيرة لأنها ستضرّ بقطاعات أخرى من غير المعارضين، مثل الشركات الكبيرة والاستثمارات التي تستخدم «فايسبوك» و«تويتر» في مجال عملها.
«المؤشرات على تغيّر في رؤية السلطة للصحافة، منعدمة... والأهم أنّ معاناة الصحافيين ستستمر بعد تشريد المئات منهم بسبب الحجب والمصادرة والحصار الذي تمّ لسوق الصحافة، وللأسف الهيئات المكلفة بالدفاع عن الصحافيين، سواء النقابة أو المجلس الأعلى أو الهيئة الوطنية، لا تقوم بدور حقيقي وهي مستسلمة تماماً للقواعد التي تضعها السلطة».