في سياق تحليل المشهد الانتخابي العراقي لعام 2018، يمكن استحضار انتخابات 2010 كـ«شاهد ملك». في ذلك العام، احتدم الصراع الانتخابي بين رئيس «المجلس الأعلى العراقي» عمار الحكيم وأمين عام «حزب الدعوة الإسلامية» نوري المالكي، الذي كان قد أنهى ولايته الأولى في رئاسة الوزراء. اعتقد الجميع أن المواجهة الأشرس ستكون بين المالكي وزعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر، بسبب تداعيات «صولة الفرسان».
وفيما بلغ تنافس «الأحزاب الشيعية» أشدّه، كانت الشرائح السياسيّة لـ«المكوّن السُنّي» تتشكل بهدوء، حيث جمعت في قائمةٍ واحدة القوى الإسلامية والليبرالية، وتحشّدت جماهيرها تحت شعارٍ رفعته «قناة بغداد» (التابعة لـ«الحزب الإسلامي» ــ الإخوان المسلمون) بأن «الدستور لم يحدد مذهب رئيس الوزراء... حقق الأغلبية واملك القرار». أدى ذلك إلى ارتفاع حماسة الجماهير، خاصّةً بعد أن حاول إياد علّاوي خرق القواعد الشيعية، مشكّلاً قائمة من مرشحين في النجف. لم يعبر رجال علّاوي العتبة الانتخابية، لكنهم حصدوا عدداً كبيراً من الأصوات، كان أهمهم صباح حسن صيهود، سليل عشيرة «آل فتلة» في الفرات الأوسط، ورضوان الكليدار، ابن العائلة التي حظيت بشرف سدانة العتبة العلوية لسنواتٍ عديدة.
هذا الاختراق لم يكن ليلفت انتباه المتخاصمين الذين استنزفهم الصراع على أصوات الناخبين من خلال تسقيط بعضهم لبعض، فاستفاقوا على وقع نتائج الانتخابات التي فازت فيها «القائمة العراقية» بواحدٍ وتسعين مقعداً، متقدمةً على قائمة «دولة القانون» بمقعدين، ما اضطر الكتل الجديدة إلى الاصطفاف مجدّداً، وطرح «مشروع» الكتلة البرلمانية الأكبر، عند انعقاد الجلسة الأولى، ما اعتبر تلاعباً بتفسير النص الدستوري، الداعي إلى تشكيل الحكومة من قبل الكتلة الأكبر.
في انتخابات 2018، سيتكرّر المشهد ذاته، حيث الصراع، برأي البعض، محصورٌ بين المالكي ورئيس الوزراء حيدر العبادي. هذا الصراع يبقي قائمتين خارج المشهد، «ائتلاف الفتح» (الفصائل المكوّنة لـ«الحشد الشعبي»)، وائتلاف «سائرون»، المدعوم من الصدر. وباعتبار أن من الصعب استهداف «الفتح»، في بيئته المتعاطفة معه كثيراً، والرافضة لأي إساءةٍ لرموزها، فقد أجّلت أطراف الصراع محاولة ضمّها إلى ما بعد الانتخابات، ومن خلال التحالفات، ليبقى الصدر بذلك الطرف الأهم، والوحيد الذي تجنّب حملات التسقيط من خلال قفزه إلى قارب جماعة «اليد البيضاء» والمتظاهرين، متخلّصاً من كل تبعات مشاركته في الحكومات السابقة، ضارباً بذلك عصفورين بحجرٍ واحد؛ الأوّل من خلال رسالة خلاصتها أن شبهات الفساد والإثراء من المال العام، إن وجدت، فهي شخصية ولا علاقة له فيها، أما المكسب الثاني، فهو إرضاء أنصاره بأنه ماضٍ باتجاه التغيير المنشود.
لكن ما يُراد في المرحلة المقبلة إعادة المشروع القديم، بالاستراتيجية ذاتها، وتغيير في تكتيكاته، بحيث يتم التركيز على الصراع بين المالكي والعبادي، في وقتٍ يسير فيه الصدر بسرعةٍ وهدوء نحو تحالف يضم أبرز الأطراف السُنّية والكردية بعد الانتخابات، حينها لن يكون هناك طريقٌ للحؤول دون أن يشكّل الكتلة الجامعة لمختلف المكوّنات العراقية، وتحت العنوان الوطني، ذلك أن أغلب القيادات اليسارية والمدنية، المتحالفة معه «شيعية الانتماء»، ولن يكون من السهل الاعتراض إذا ما أُسندت إلى أحدهم رئاسة الوزراء، في الوقت الذي تشير إليه بعض المعطيات إلى أنها ستكون صعبة على العبادي، حتى وإن نال عدداً وافراً من المقاعد النيابية.
وإن شكّل لقاء الصدر بمحمد بن سلمان صدمةً كبرى للجمهور، إلا أن اختيار توقيتها كان دقيقاً ومدروساً، وسمح باستيعاب عاصفة الاعتراضات قبل الدخول في مرحلة التحضيرات الانتخابية، إذ تم تعزيز التطبيع بين الرياض وبغداد من خلال نافذة ذكية وهي الرياضة، والتي قدمت فيها السعودية فرحاً مصطنعاً للعراقيين بخسارة رباعية، حقّقت من خلاله التعاطف المرجوّ من المباراة، التي رعاها وزير الرياضة عبد الحسين عبطان (المحسوب على الحكيم)، في الوقت الذي تدرّبت فيه كوادر «قناة الفرات» (التابعة للحكيم) في مجموعة «قنوات mbc»، ليعلن بعدها الملك سلمان بن عبد العزيز إهداءه ملعباً للشعب العراقي، بسعة 100 ألف متفرج.
ووفق المعلومات، فإن كل تحضيرات لقاء الصدر بـ«حلفاء المستقبل» تجري بهدوء تام، بالتوازي مع التركيز على صراع المالكي والعبادي، على أمل أن يصحو الجميع على وقع صدمة النتائج، التي يستطيع هذا التحالف الحصول حتى 110 مقاعد، وحينها ستكون المقاعد الخمسين اللازمة لتحقيق الأغلبية يسيرة، عبر الترغيب بالوزارات. وبهذه الخطوة يكون الصدر ومن معه قد ترجم شعار «الأغلبية السياسية»، و«الكتلة العابرة للطائفية»، وحافظ في الوقت عينه على التنوع الطائفي، ضامناً بذلك مصالح بعض جيران العراق، في الوقت الذي ينشغل فيه المالكي والعبادي والعامري... وحتى الحكيم، بتكريس زعاماتهم، والوصول إلى رئاسة الوزراء بتسقيط بعضهم لبعض.