«خسرت طرابلس صوت اعتدال، لا طائفي»، قالت إحدى السيدات خلال المؤتمر الصحافي للوزير السابق محمد الصفدي، حين أعلن عدم الترشح للانتخابات. بسبب القانون الانتخابي الحالي، فضّل آل الصفدي عدم ترشح أحد منهم، لا الوزير محمد، ولا زوجته فيوليت خيرالله (عرَض عليها تيار المستقبل الترشح على لائحته عن المقعد الأرثوذكسي)، ولا ابن شقيقه أحمد الذي كان مطروحاً كبديلٍ من عمّه منذ عام ٢٠١٣. وحين سُئل الصفدي إن كان يقبل بحقيبة وزارية في الحكومة الجديدة، ردّ: «لا مقعد نيابي ولا مقعد وزاري»، من دون أن «يتعفّف» عن القبول برئاسة الحكومة في حال عُرضت عليه.
في مركز الصفدي الثقافي، وبحضور فيوليت وأحمد، اللذين جلسا «الكتف عا الكتف»، وعددٍ من الفعاليات الطرابلسية، أعلن نائب طرابلس «دعم لائحة المستقبل سياسياً ولوجستياً»، شانّاً هجوماً على الرئيس نجيب ميقاتي لأن حكومته لم تقدّم شيئاً لعاصمة الشمال، على حدّ قول وزير المال في الحكومة الميقاتية. هي جرعة دعمٍ لـ«المستقبل»، أتت ناقصةً ترشيحَ أحد أفراد العائلة، ما سينعكس سلباً على القدرة التجييرية، وعلى تماسك الماكينة الانتخابية، لا سيّما أنّ عدداً من كوادر الصفدي رفضوا العمل لمصلحة الحريري، رغم أنّ أحمد الصفدي ينفي ذلك. وهذا الدعم لن يُشكّل بالضرورة «رفداً» عظيماً للائحة التيار الأزرق، الذي «حقق تقدماً مقارنة بالعام الماضي، ولكن بنسبة طفيفة.
نحن حالياً نملك تأييد ما بين ٣٠ و٤٠٪ من ناخبي هذه الدائرة»، استناداً إلى قيادي مستقبلي.
حالة تيار المستقبل ليست «وردية» في الفيحاء. الكلام ليس فقط لخصوم رئيس الحكومة سعد الحريري، ولكن لأعضاء في البيت الداخلي. يقول القيادي المستقبلي إنّ زيارات الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري «والأشخاص الذي يلتقيهم، تؤثر في الشكل، ولكن لا ترفع من نتيجتنا الانتخابية». حتى إنّ التعاطف الشعبي مع رئيس الحكومة على إثر أزمته في السعودية، «لا نعتقد أنّه دام لفترة طويلة، وأصلاً لا يُمكن أن ينعكس إيجاباً لمصلحة أحد إلا سعد الحريري». إلا أنّ القيادي نفسه يوضح أنّه «يوجد فئة من أبناء المدينة يعتقدون أنّ خيارات الاستقرار هي الأفضل في ظلّ غياب وسائل المواجهة». ما يحتاج إليه «المستقبل» في عاصمة لبنان الثانية هو «التواصل من جديد مع الناس، ومُخاطبتهم بالعاطفة، وأن نوضح لهم الخيارات التي نتخذها».
«التخبّط» ليس على الصعيد الشعبي فقط، بل في تشكيل اللائحة الانتخابية أيضاً. الأسماء «المستقبلية» الثابتة حتى الآن: النائبان محمد كبارة وسمير الجسر في طرابلس، النائب قاسم عبد العزيز وسامي أحمد فتفت في الضنية. بحسب المصدر المستقبلي «حظوظ عبد العزيز بالفوز أكبر من سامي فتفت». خلاف ذلك، لا تزال كلّ الأسماء المطروحة عرضة للمفاوضات، وغير محسومة «إلا إذا كان الرئيس الحريري قد حسم خياراته ولم يُبلغنا بعد». شادي نشابة، من الذين يُتداول باسمه، وهو يُنظّم اليوم لقاءات على شرف أحمد الحريري في ضهر المغر (القبّة)، زكّى اسمه مستشار الحريري لشؤون الشمال عبد الغني كبارة، ولكن مشكلة نشابة أنّه «سُرّبت» في الأيام الماضية تقارير هدفها الاساءة إليه تتحدث عن عمله مع «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USaid). هناك أيضاً نقيب المحامين السابق فهد المقدّم، ديما جمالي، محمد صالح «رغم أنّ اسمه لم يُطرح في المكتب السياسي للمستقبل أو غيره»، صالح المقدّم «الذي عقد لقاءً مع الرئيس الحريري»، آنا وسام الحسن «لم تعد أسهمها مرتفعة لعدم تشكيلها أيّ إضافة».

يُفضّل محمد كبارة أن يكون المُرشحَ «المُستقبليَّ» الوحيد على اللائحة

أما عن المقعد الماروني، فبعد أن طُرح اسم عضو المكتب السياسي الزميل جورج بكاسيني، يقول المصدر إنّ «الترشيح غير ثابت، لأنّ جورج يأكل من صحن المستقبل، في حين يهمنا أن نُرشّح أشخاصاً قادرين على استقطاب أصوات جديدة». أرثوذكسياً، الأرجح أن يكون المرشح هو طوني حبيب. علوياً، طُرح «عاطفياً» اسم بسام بدر ونوس، ولكن هناك خيارات أخرى أمام تيار المستقبل. بالنسبة إلى النائب السابق مصطفى علوش، فهو حسم عدم ترشحه إلى الانتخابات، حتى يتم تركيز أصوات «التيار» بين كبارة والجسر. وهنا الطامة الكُبرى. في «البلد» أخبارٌ أنّ كبارة، «الذي يُفضّل أن يكون المُرشح المستقبلي الوحيد»، يرتاح أكثر لترشيح علوش، لأنّ الجسر «سيُزاحمه على أصوات العائلة (الجسر متزوج شقيقة كبارة)، ولأنّ كتلة أصوات المستقبل ستصب لمصلحة الجسر، وهي أكبر من كتلة كبارة». إلا أنّ ترشيح علوش كان من شأنه أن «يُزعج» الجسر، ويؤثر عليه، لذلك انسحب الطبيب الجراح.
وضع الوزير السابق أشرف ريفي ليس أفضل حالاً. «تجاهل» الموفد السعودي نزار العَلَوْلا له ترك صدى في طرابلس. حُجّة الريفيين أنّه «تلقّينا يوم الأحد الماضي اتصالاً لتحديد موعد، ولكن تأجّل بسبب سفر العلولا مع الحريري إلى الرياض». وفي حين يزعم أحد العاملين في فريق عمل اللواء المتقاعد أنّ «لدينا ماكينة انتخابية من ١٢٠٠ مندوب ثابت، و١٢٠٠ مندوب جوّال»، لا تزال الصعوبات تُرافق تشكيل اللائحة الانتخابية. إلى جانب ريفي، الوحيد الثابت عن المقاعد السنية هو وليد قمر الدين. اجتمع «المستقبل» مع عبد المنعم علم الدين لإقناعه بالتحالف، إلا أنّه لم يُثمر. ولا يزال الرجل غير حاسمٍ لأمره. أما نظام مغيط، «فلن يكون مُرشحنا، بل سيتسلّم الحملة الانتخابية في القلمون». على جبهة آل غمراوي، «لم يُحسم بعد إن كان ناجي أو محمد هو المُرشح. نحن بانتظار قرار العائلة». علوياً، حُسم ترشيح بدر عيد، وألبير عازار عن المقعد الماروني، «ونتواصل مع (النقيب السابق لمعلمي المدارس الخاصة) نعمة محفوض ليترشح عن المقعد الأرثوذكسي»، الذي يتفاوض معه أيضاً تيار المستقبل. في حال لم يقبل محفوض، فـ«خيار ريفي هو سابا زريق». في الضنية، المُرشح الأول هو راغب رعد، «أما عبد العزيز الصمد فلن يكون مُرشحاً، لأننا نريد ترشيح شخص من بلدات قاطع السفيرة». وفي المنية، «خيارنا الأول هو عثمان علم الدين». ولكن إذا اتفق الأخير مع تيار العزم، «نطرح إما هاني دهيبي أو محمد نور الدين أسوم، مع أرجحية دهيبي».
الطرف الثالث الذي لم تظهر لائحته بعد، هو الوزير السابق فيصل كرامي. يُشكل «الأفندي» لائحة الكرامة «التي تُشبه نسيج المدينة»، بالتعاون مع تيار المردة والنائب السابق جهاد الصمد. هؤلاء الثلاثة هم المحسومون على اللائحة. يتكتّم كرامي على الأسماء، مُتنصّلاً من كلّ ما يُنشر في الاعلام في هذا الخصوص، في ظل التداول بـ: صفوح يكن، طه ناجي (الأحباش)، عبد الناصر المصري (الاسعاف الشعبي)، جورج جلاد (المقعد الماروني)، نزيه رعد (المقعد العلوي)، عادل زريقة (المنية). في ما خصّ رئيس المركز الوطني في الشمال كمال الخير، يعترف «الحلفاء» بأنّه يملك قوة تجييرية في المنية تُنافس تيار المستقبل، وهو قادر على إحداث خرق في حال بقيت الساحة المستقبلية مُشرذمة. إلا أنّهم ينفضون أيديهم من الخير، بحُجة أنّه «يُخسّرهم أصواتاً في الشارع السنّي». لا يبدو ذلك منطقياً، فأصلاً الذين سينتخبون لائحة كرامي ــ المردة ــ الصمد ينتمون إلى الفريق السياسي الأقرب إلى خطّ المقاومة في البلد، وبالتالي ليس من المفترض أن يتأثر هؤلاء بالأسماء المُرشحة لأنهم سيقترعون لـ«المشروع». يبدو أن المشكلة الحقيقية مع الخير هي «خوف» بعض أركان اللائحة من إمكان حجزه مقعداً له في المنية، ما يعني خسارة حلفائه لمقعد في طرابلس.




ميقاتي أول

يتوقع قيادي في تيار المستقبل أن تأتي نتائج المقاعد السنية في طرابلس وفق الترتيب الآتي: «نجيب ميقاتي أول بفارق كبير عن الثاني أشرف ريفي، وسمير الجسر ثالثاً، ومحمد كبارة رابعاً. أما الخامس فغير معروف». يبدو رئيس الحكومة الأسبق، الذي بات يُمضي أربعة أيام في طرابلس أسبوعياً، أكثر المُرتاحين لوضعهم الانتخابي. لائحته باتت شبه مكتلمة، ولا ينقص سوى تحديد المُرشح عن المقعد في المنية. عن المقاعد السنية في طرابلس: ميقاتي، محمد نديم الجسر، رشيد المقدم، ميرفت الهوز، خلدون الشريف. عن المقعد العلوي: علي درويش. عن المقعد الماروني: جان عبيد. عن المقعد الأرثوذكسي: نقولا نحاس. في الضنية: جهاد اليوسف ومحمد الفاضل. أما في المنية، فينتظر ميقاتي خيار «المستقبل» ليبني على الشيء مقتضاه. ترشيح «المستقبل» لكاظم الخير، يعني ترشيح عثمان علم الدين على لائحة «العزم». أما إذا جرى تبديل كاظم، فهناك خيار مصطفى عقل. سياسيون في المدينة يقولون إنّ ميقاتي «يلعب لعبة ذكية، عبر ترشيح أشخاص في المنية والضنية يُدرك أن لا أمل لهم بالنجاح، ولكنّهم سيرفعون الحاصل الانتخابي للائحة، ما سيُمكّنه من الفوز بأكثر من مقعد في المدينة، ليُعزّز زعامته على حساب تيار المستقبل».