لا تقتصر حالة الاستنفار على موظفي «اللجنة القطرية» في قطاع غزة عند قدوم السفير محمد العمادي. فبمجرد إعلان وصوله، تبدأ الوزارات والمؤسسات والجهات والمقاولون، سواء المحسوبون على رام الله أو على «حماس» أو على القطاع الخاص، تقديم قرابين الترحيب، وذلك أملاً في الحصول على مخصصات لهم ضمن عطاياه ومنحه التي يقدمها مع كل زيارة.
اللجنة التي يرأسها العمادي كسرت قاعدة تمويل المشروعات في غزة من بين الجهات العربية المانحة التي تفضّل غالباً أن تموّل مشاريعها عبر السلطة الفلسطينية أو «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، إذ دشّنت آلية خاصة بها لإدخال مواد الإعمار سابقاً عبر مصر في عهد الرئيس الإسلامي محمد مرسي، لكنها بعد تولّي عبد الفتاح السيسي الرئاسة، قررت أن تكون طريقها المعتمدة عبر إسرائيل.
تلك الآلية التي يشرف عليها العمادي شخصياً تمكنت من توفير كميات كبيرة من الإسمنت بعد سنوات طويلة من الانقطاع حتى عن السوق السوداء، فضلاً عن المنحة التي قدمتها بلاده بقيمة 400 مليون دولار، وهي التي فتحت شهية التجار والمقاولين للتعامل مع العمادي بغية الحصول على مشاريع في المنحة المقدمة، و«هنا بدأت رحلة الذل»، كما يقولون. بعض هؤلاء يتحدثون في الغرف المغلقة عن «سادية» يمارسها العمادي، وأقل ما يمكن أن يسمعه أحدهم منه: «أنت تعمل لديّ. أنا من أموّل مشروعك، وعليك أن تلتزم بما أقول».
لم ينتهج السفير القطري تلك السياسة مع المقاولين فقط، بل سبقهم بها مع جهات مسؤولة في غزة، تمكن من إخضاع احتياجاتهم لتمويله الخاص. وتفيد معلومات بأن الرجل أهدى شخصيات وازنة في غزة، وبعضهم وزراء سابقون وحتى منهم أحد وزراء حكومة «الوفاق الوطني»، سيارات فاخرة، علماً بأن «اللجنة القطرية»، التي ضجّ ضجيجها يوم كُشفت نيتها إقامة سكن خاص بالسفير ومكتب عمل (أشبه بسفارة)، تموّل حصراً الوقود الخاص بوزارة الأشغال، في ظل أن الأخيرة تشرف على مشاريع تنفذ ضمن المنحة.
قبل ذلك، بدأ السفير داخل بيته منح الهدايا للعاملين في اللجنة؛ فبعضهم حصل على شقق في «مدينة حمد» التي أنشأتها بلاده، ليس هؤلاء فحسب، بل إن قيادات سياسية وجهات حكومية حصلت على شقق لها أو أوكلت إليها مهمة توزيعها. وطاولت «عطايا السفير» عاملين في الشق الأمني المكلف بحراسته. وإلى أن يفتح ملف «مدينة حمد»، تفيد المعلومات بأن نحو ألف شقة تقريباً من أصل ستة آلاف وزّعت من دون آلية محددة وبعيداً عن الشروط التي طرحتها وزارة الأشغال. كذلك فإنّ الرجل يخصص من ميزانية المنحة القطرية مخصصات لوزارات مختلفة كلها تقدم بعد اجتماعات يعقدها أصحاب الشأن مع العمادي في مقر إقامته في فندق المشتل.
ولم يستثنِ السفير القطري أن يحسب كل هذه العطايا والمنح كجزء من منحة المليار التي أعلنها الأمير القطري الأب، إذ أعلن في مؤتمر صحافي قبل مدة أن «80% من المنحة أنجزت»، محتسباً منها منح الوقود وغيرها.
«منحة الأمير حوّلت العمادي من مانح إلى رابح»، يقول بعض المقاولين الذين تعاقدوا معه في المنحة، مشيرين إلى أن اللجنة القطرية قللت كثيراً نسب الأموال التي خصّصت لبناء الأبراج السكنية، وهو ما أثر في مواصفات الجودة وتحديداً المتعلقة بالبنية التحتية. واشتكى بعضهم من أن اللجنة سمحت لبعض الشركات ببيع الإسمنت الفائض الذي كان يدخل من الجانب المصري قبل عام 2013 بسعر مضاعف عن الذي كان يدخل سابقاً، إذ لم تخزن هذه الكميات حتى الحاجة التي حدثت لمدة عام كامل عندما توقف توريد الإسمنت عبر مصر، ثم دخل أخيراً عبر إسرائيل بأسعار مرتفعة. ورفع الأسعار قرر القطري أن يتقاسمه مع المقاولين، وهو ما أضعف مجدداً جودة المواصفات، لكن كل ذلك لم يمنع العمادي من الاستمرار في الصراخ وتوجيه الملاحظات (راجع: السفير القطري «غاضباً» في غزة: أين المشاريع؟ العدد ٢٦٩١ في ١٤ أيلول ٢٠١٥).