فرضت تطوّرات الشارع في الأيام الماضية حسابات جديدة على الصراع الدائر بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، بعد التسريبات التي انتشرت لوزير الخارجية جبران باسيل يهاجم فيها الرئيس نبيه بري. المخاطر من اندلاع أعمال عنف أهليّة ترتفع أسهمها في ظلّ الاحتقان المتعاظم في الشارع، والذي ظهر خلال الأيام الماضية على شكل ردود فعل عشوائية من بعض المحسوبين على حركة أمل، في مقابل استنفار عدد من «أصحاب الرؤوس الحامية» في التيار الوطني الحر، ولا سيّما بعد حفلة إطلاق الرصاص التي ردّ فيها عناصر من التيار على تجمهر شبّان من أمل أمام مبنى ميرنا الشالوحي قبل يومين.
منطقة الحدث كانت أمس على موعدٍ مع التوتّر وإطلاق الرصاص. وحتى ليل أمس لم يكن قد اتضحت تفاصيل ما جرى، إلّا أن حملة شائعات كبيرة رُوِّج لها على مواقع التواصل الاجتماعي، عن قيام شبّان محسوبين على أمل بالتجوّل في مواكب سيّارة وعلى الدراجات النارية داخل البلدة الملاصقة للضاحية الجنوبية، وانتشار مسلّحين من التيار الوطني الحرّ بذريعة «الدفاع عن المنطقة»، في أجواء تذكّر ببدايات الحرب الأهلية وبالحوادث التي طبعت مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبدا مستحيلاً ليل أمس الحصول على رواية واحدة حول ما حدث، مع تأكيد الجميع حصول إطلاق النار. ففيما تحدّثت مصادر التيار الوطني عن قيام سيّارة في أحد المواكب بإطلاق النار في الحدث وقيام شبّان على دراجات نارية باستفزاز الأهالي في البلدة، أكّدت مصادر في أمل لـ«الأخبار» أن «من أطلقوا النار ليل أمس كانوا شبّاناً من منطقة الحدث». وبدا لافتاً الحديث عن أن الجيش اللبناني الذي كان من المفترض أن يقوم بتدابير أمنية مشدّدة نظراً لحساسية الموقف، كان قد قلّص من إجراءاته الأمنية أمس، إلّا أن وحداته عادت ونفّذت انتشاراً كبيراً في المنطقة بعد حدوث التوتّرات.

مصادر التيار الوطني: نحن لدينا شارع أيضاً وقدرته على الاحتمال محدودة


وبعد أيام من جمود الوساطات المعتادة لحزب الله على خطَّي التيار ــ أمل، أحدث حزب الله أمس اختراقاً أوّل باتصاله بمسؤولين رفيعي المستوى بالتيار الوطني الحر، داعياً إلى التهدئة ووقف الحملات الإعلامية. مصادر بارزة في التيار الوطني الحرّ أكّدت أن «حزب الله أجرى اتصالاً معنا أمس، وهو على اتصال بأمل». إلّا أن مصادر حركة أمل أكّدت لـ«الأخبار» أنه «لم نسمع بالوساطة حتى الآن». وعبّرت مصادر التيار الوطني الحرّ عن سخطها بسب تطوّرات الشارع، مشيرةً إلى أنه «كما لحركة أمل جمهور وشارع، نحن لدينا أيضاً جمهور وشارع، وقدرته على الاحتمال محدودة... فشيتوا خلقكم على يومين وخلص».
تطوّرات الشارع بدورها تقلق الرئيس نبيه برّي، الذي قال كلاماً واضحاً أمس خلال لقاء الأربعاء النيابي بأن «الذين يتحرّكون في الشارع ويسيئون للناس لا يمتّون إلى الحركة بصلة، وهم لا يمثّلوننا». وقال بري بوضوح: «أعتذر من كل من تعرض لإساءة في الشارع ومن يقوم بمثل هذه الأعمال لا علاقة له بالحركة ويسيء إليها وللبنانيين». كلام برّي كرّره النائب علي بزّي، ونقله عن لسانه بعد اجتماع الأربعاء، ثمّ عاد وأكده النائب هاني قبيسي في مداخلة تلفزيونية مساءً. وأكّد بزّي أن «دولته كان يعمل دائماً خلال الأيام القليلة الماضية من أجل منع التحركات والتظاهرات والسيارات، وقد اتصل بالقيادات الأمنية عبر المسؤول الأمني في حركة أمل وبالجيش من أجل الحفاظ على مصالح البلاد وعدم التعرض للمواطنين في أي منطقة من المناطق». غير أن بزّي، أشار أيضاً إلى أن «بري يعتبر أن كل كلام يشاع حول استقالة الحكومة وغيرها غير صحيح، وهذا الموضوع لم يُناقش ولم يطلب من أحد اللجوء إلى هذا الخيار، ولكننا في السياسة ما زلنا على مواقفنا، وفي الملفات، لم ولن نتراجع قيد أنملة عن مقارباتنا الدستورية والنظامية والقانونية في كل هذه الملفات». ونفى بري أيضاً أي نية للاستقالة من الحكومة.
مصادر معنية في أمل أكّدت لـ«الأخبار» أن مستشار بري، أحمد بعلبكي، اتصل بقائد الجيش العماد جوزف عون، وأكّد أن حركة أمل لا تغطّي أحداً من المخلّين بالأمن، داعياً الجيش والأجهزة الأمنية إلى اعتقال كل من يوتّر الشارع. وأشارت إلى أن مسؤولي أمل في المناطق على اتصال بقادة الأجهزة الأمنية في مناطقهم لمعالجة أي خلل. وقالت المصادر إن بعلبكي قال لعون: «إذا كان هناك مُخلّون، فعليكم اعتقالهم، وفي كلّ منطقة توجد كاميرات مراقبة، فلتأتوا بالكاميرات وتعتقلوا الموتورين، لأن هذا يضرّ بنا ويضرّ باللبنانيين وبالأمن اللبناني، والحديث عن أن القوى الأمنية لا تريد الاصطدام بالشارع ليس مقبولاً، لأن هؤلاء يهدّدون السلم الأهلي ودولة الرئيس كان واضحاً برفع الغطاء عن أي مخلّ بالأمن».
(الأخبار)