عندما زار المبعوث الأميركي جون آلن تركيا منذ أسبوعين، طالباً تعاون أنقرة في الحرب على الإرهاب وفتح قاعدة «انجرليك» أمام الأميركيين لضرب «داعش» في كل من العراق وسوريا، لم يلق آذاناً صاغية ليعود إلى بلاده دون أن ينجح في إقناع المسؤولين الأتراك بطلباته. نسقت تركيا مع آلن في وقف تدفق المسلحين إلى سوريا من أجل تجفيف منابع الإرهاب، لكن «انجرليك» كانت ولا تزال تشكل عقدة لم يستطع حلها. إلا أن التفجير الإرهابي الذي طاول سوروج وأودى بحياة 32 شاباً وشابة من الطلبة اليساريين الذين اجتمعوا من أجل جمع التبرعات لإعادة بناء كوباني (عين العرب)، أدت إلى عمليتين: الأولى تصفية الحساب التركي مع حزب «العمال الكردستاني» والثانية أدت إلى موافقة تركيا على الانقلاب على «داعش» والمتطرفين الإسلاميين.
جاءت الاتهامات الشعبية للرئيس رجب طيب أردوغان وعائلته بحماية «داعش» وتسهيل مهماتها في الداخل التركي بمثابة الزلزال على حزب «العدالة والتنمية». هال الحكومة أن يستنكر الرئيس الأميركي، باراك أوباما التفجير ولا يعزي الحكومة بل عائلات الضحايا باسم الشعب الأميركي. لم يطل الأمر بأردوغان حتى اتصل بأوباما وأعرب عن موافقته لاستعمال قاعدة «انجرليك»، للقول إنه ضد «داعش» ويريد التعاون، ولا سيما بعدما أعدم حزب «العمال الكردستاني»، الذي اتهم الحكومة والاستخبارات التركية بالتواطؤ، ضابطين يعتقد أنهما سهلا مرور الانتحاري الإرهابي. العقاب كان متوقعاً بالأساس من الحكومة، لكنه جاء على يد «العمال الكردستاني» وكأنه دفاع ذاتي عن «الأكراد، وكأنما سوروج لا تخضع لسلطة الحكومة، بل شكل اتهاماً للحكومة بالتواطؤ مع الإرهابيين.
خطوة جعلت أردوغان ـ الذي رفض طويلاً الاعتراف باتهامات المعارضة له بدعم الإرهابيين ـ أن يدحض الامر ويتصل بالأميركيين. كما جاء تصريح تصريح نائب رئيس الوزراء بولنت أرينش، بعد مقتل ضابط على الحدود التركية على يد «داعش»، من أن الحكومة تناقش فرض نظام أمني متكامل من أجل حماية الحدود مع سوريا للتأكيد أن النظام الأمني يهدف إلى منع تسلل عناصر «داعش» ورفع التدابير الأمنية على الحدود، خاصة في محاذاة المناطق السورية التي يسيطر عليها التنظيم.
في اليوم التالي قصفت طائرات تركية «أف 16» مواقع لـ«داعش» داخل الأراضي السورية، وذلك بإطلاق 4 قذائف على مكان تجمع للتنظيم دون أن تخترق المجال الجوي السوري.
لكن مجلس الوزراء التركي لم يأخذ قرارات ضد «داعش» فقط، بل ضد حزب «العمال الكردستاني» أيضاً، وساوى بينهما في الإرهاب، واعتبر أن حفط النظام العام والأمن القومي يتطلب وقف اعتداءات «العمال» على الجنود الأتراك في جنوب شرق البلاد. كذلك ألقت قوات الأمن التركية القبض على 6 عناصر من «العمال الكردستاني» في مدينة أزمير، وألقت القبض في ولاية شانلي أورفه على 35 شخصاً من نفس التنظيم، كذلك نفذت حملة مماثلة في العاصمة أنقرة ودهمت أكثر من 12 موقعاً لهم، ودهمت مراكز للحزب «اليساري المتطرف»، وجاءت الحملة الأمنية بعد أسبوع واحد فقط من انتقاد أردوغان لحزب «الشعوب الديمقراطي» واتهامه بأنه واجهة برلمانية لحزب «العمال الكردستاني».
على الجبهة السورية سادت حالة من الحذر، وتوقفت الاشتباكات الحدودية الفاصلة بين سوريا وتركيا بين الجيش التركي و«داعش» واستنفرت الدبابات الموجودة أصلاً استعداداً لردع أي هجوم محتمل.
ثمة مفارقة في توقيت الهجوم على حزب «العمال الكردستاني» بعد تفجير «داعش» في سوروج وربطه بالحرب على «داعش». لكن يبدو أن حزب «العدالة والتنمية» ذا القاعدة الإسلامية التي لا يخفي أكثر من 20 في المئة منها دعمه لـ«داعش» لايستطع إعطاء الضوء الاخضر للأميركيين باستعمال قاعدة «انجرليك» إلا بعد تقديم إعلانه الحرب الأمنية على حزب «العمال الكردستاني» الذي يعتبر شريك وحدات الحماية الكردية السورية التي تقاتل «داعش» في كوباني وتل أبيض بمساعدة الأميركيين، كذلك فإنها شاركت في القتال في سنجار العام الماضي ضد توسع «داعش».
لقد أُخذت معظم القرارات وكأنها كانت معدة سلفاً بعد أن عمت التظاهرات المدن التركية ولم يدع البرلمان المنتخب حديثاً إلى الاجتماع للمساهمة بأخذ المقررات التي اقتصرت على الرئيس ومجلس الوزراء. في ظل هذه الأحداث، تبدو مساعي تأليف الحكومة والائتلاف مع حزب «الشعب الجمهوري» وكأنه بعيد المنال، ما حمل رئيس الحزب على الاستنتاج بأن تركيا تبدو وكأنها ذاهبة إلى انتخابات مبكرة. ويبدو حزب «العدالة والتنمية» عبر هذه العمليات الأمنية وعبر فتح قاعدة «انجرليك» وكأنه يسعى إلى تعويض خسارته الشعبية التي تبلورت في خسارته للمشروع الرئاسي في الانتخابات، فهو يلمّع صورته لدى القوميين بحربه ضد حزب «العمال الكردستاني» من جهة، ويقول للغرب وبعض الأتراك إن «العدالة والتنمية» وأردوغان وحدهما يستطيعان حفظ الأمن وتبرئة ساحتهما من العلاقة مع «داعش».