من أكثر التعليقات شيوعاً على وسائل التواصل الاجتماعي بعد طوفان النفايات مؤخراً، كلمة «عيب». وأكثر هذه التعليقات مع صورة النفايات تطفو على شاطئ الذوق. وإذا فهمنا منها «ما» المقصود، لم نفهم منها «من» المقصود. عيب على من؟ على المسؤولين؟ علينا جميعاً؟ أليس هناك تدرج ما في تحمّل المسؤوليات؟ ولماذا كل مرة ننتظر لتحصل الكارثة لكي نلتفت للمشكلة، مع أن المتابعين لم يقصروا في التحذير، لا سيما الإعلام البيئي الاستباقي والوقائي.
منذ نهاية الحرب الأهلية وظهور مكب النورمندي وتولي شركة «سوليدير» معالجته بكلفة عالية (بدأت بـ50 مليون دولار ثم تجاوزت المئة مليون... ليتم رمي ما بقي منه في مقالع قديمة في الجيه وعلى ضفاف طرقات الإقليم) وصلت رسالة كان يفترض أن تكون صادمة كالتي شاهدناها أمس. منذ ذلك الوقت بدأت الأزمة بالظهور وانطلقت التحذيرات من الكلفة العالية لمعالجة المكبات (التي قارب عددها حسب آخر تقرير ألف مكب)، ناهيك عن كلفة معالجة النفايات «الطازجة» المتولدة كل دقيقة. وفي وقت انطلقت جمعيات مثل «الملتقى الأخضر» آنذاك، بحملات تطالب باستراتيجية وقوانين وخطط للمعالجة تقوم على مبادئ عادلة ونزيهة، كان هناك من يفكر في الاستثمار في الأزمة، لا سيما التفكير في ردم البحر واستملاك الأراضي في مشاريع خاصة. وكانت النتيجة أن توسعت الاستثمارات من النورمندي (البيال) إلى الدورة برج حمود والنورمندي إلى صيدا... وطرابلس قريباً. في وقت لم تُنجز بعد الاستراتيجية ولا القوانين الناظمة!
قد نستنتج فوراً أن الدولة لم تقم بعد. استنتاج منطقي. ولكن من يتحمل المسؤولية المباشرة حسب المهمات الرسمية؟ أي من كان يفترض به أن يقترح الاستراتيجيات والقوانين للمعالجة الشاملة؟
بحسب قانون إنشاء وزارة البيئة، هذه الأخيرة هي المسؤولة منذ بداية التسعينيات عن وضع الاستراتيجيات واقتراح القوانين. فلماذا لم تفعل حتى الآن؟
للجواب على هذا السؤال، علينا أن نعود إلى كلّ ما كان يحصل أثناء تشكيل الحكومات ما بعد الطائف، وكيف كانت القوى السياسية والطائفية (مع سلطة الوصاية وما بعدها) تتسابق على الحقائب السيادية والخدماتية، وتهمل حقيبة البيئة. تلك الحقيبة التي تم تركها للضعفاء أو الأقليات أو حقيبة من ليس لهم حقيبة، كمثل «شغلة من ليس لهم شغل».
وقد تم تتويج مرحلة الضعف (والاستضعاف) في العهدين السابقين، إذ تركت مرة لرئيس جمهورية غير تمثيلي وغير قوي، كما كان يقال، ومرة لرئيس حكومة «فكة مشكل»، كما قيل أيضاً.
وبعد أن تتوج الضعف مع فشل الوزير السابق في استباق انتهاء مهل إقفال مطمر الناعمة وفشل المناقصات البديلة (كان متوقع فشلها) من دون استراتيجيات وقوانين، والدخول في أزمة غير مسبوقة ببقاء النفايات في الشوارع والأحياء وزيادة حجم وعدد المكبات العشوائية بدل تقليصها ومعالجتها... عدنا إلى خطط طوارئ أسوأ من خطط عام 1997... بالرغم من التحذيرات التي تم توجيهها الى الوزير السابق من أن الأزمة قادمة حتماً وأنها قد تخرج عن السيطرة.
بناء على كل ذلك، وأثناء البحث في تشكيل هذه الحكومة، كتبنا في جريدة «السفير»، في 8/11/2016، مقالة بعنوان: «من يجرؤ على حقيبة البيئة؟» https://assafir.com/Article/8/516786/AuthorArticle، محذرين من سيتولى هذه الحقيبة هذه المرة (من قوى سياسية وأشخاص)، من المخاطر والمسؤوليات، لا سيما حول إدارة هذا الملف الحساس والخطير في تفاعلاته وآثاره. ثم كتبنا بعد تشكيل الحكومة في 29/12/2016 تحت عنوان «أية بيئة للحكومة الجديدة» https://assafir.com/Article/8/521498/AuthorArticle للتنبيه الى الوضع المأزوم داخل الوزارة أيضاً. وقد راهن كثيرون، بعد تشكيل الحكومة على أن الموضوع سيتغير، إذ الحقيبة هذه المرة من حصة «الرئيس القوي». فما الذي حصل؟ وكيف تصرف وزير البيئة الحالي مع هذا الملف بعد أكثر من سنة؟ وعلى أيّ أساس يُفترض أن يتمّ تحديد أو توزيع المسؤوليات؟ وإلى أيّ حدٍّ وأيّ مدى يُفترض أن نتوقع الأسوأ بعد الذي حصل بداية هذا الأسبوع مع أول عاصفة متوسطة الحجم؟ وللحديث صلة.

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]