رفعت حالة الانهيار الاقتصادي داخل غزة نسبة قضايا الذمم المالية لدى المحاكم والشرطة الفلسطينية إلى حد غير مسبوق، وبات التجار والموظفون أبرز المرفوع ضدهم قضايا على خلفية تعثرهم مالياً، وهو ما أكده المتحدث باسم الشرطة في القطاع، أيمن البطنيجي، ذاكراً أن عدد القضايا بات ما بين 40 ــ 41 ألفاً في المحافظات كافة خلال عام 2017.
وأشار البطنيجي إلى ارتفاع عدد الشيكات المرجعة نتيجة عجز التجار عن تحصيل أموالهم من الباعة وأصحاب المحال. واللافت في القضايا الجديدة أن 90% من حالات الذمم المالية ليس لديهم قضايا نصب أو احتيال سابق، بل هم ضحايا الوضع المستجد، كما يقول.
هذا لناحية التجار، أما عن الموظفين الذين طاولتهم كافة الخصومات وتأخيرات الرواتب، بغضّ النظر عن مصدر رزقهم، فلم تعد التخفيضات على أسعار السلع التي تزدحم بها المحلات تثير التفاتهم. فمنذ فرضت السلطة سلسلسة عقوبات على القطاع (نيسان الماضي) لم يعد يجب على الموظف أن يستيقظ مبكراً ليتلاشى ازدحام الأسواق في المدن والمخيمات، حيث يجمع الكل على أن «السوق ماتت»، وأصحاب المحال يعلنون إفلاسهم واحداً تلو الآخر.
يصف أبو محمد المدهون، وهو تاجر مواد تموينية مشهور في السوق الشعبي في جباليا، شمالي القطاع، واقع السوق بالقول: «كل المحلات التجارية تعمل بخسارة، وجميع الأسماء الكبيرة التي تراها تلاحقها قضايا الشيكات آجلة الدفع». يرى المدهون أن الإجراءات الأخيرة قضت على الهامش الذي يتحرك فيه الموظفون، فنسبة الخصم، 30%، من رواتب 55 ألف موظف أتت على ما كان يصرف في السوق، فيما تتقاسم بقية الراتب القروض مع متطلبات الحياة الأخرى. وعندما اختفى ذلك الهامش، قلّت واردات المحلات إلى الربع.

90% من أصحاب
الذمم المالية ليس لديهم قضايا نصب
أو احتيال سابق

لكن حكاية تاجر الأدوات الكهربائية لؤي خميس ليست مباشرة، فطبيعة عمله لم يكن يتوقع أن تتأثر مباشرة بالإجراءات العقابية، لأن السلع التي يبيعها ليست استهلاكية بدرجة أولى. مع هذا، أقر بأن تجارته تراجعت بمعدل أدنى من الربع، لأن ساعات وصل الكهرباء انحسرت منذ شهور في 4 وصل مقابل 20 قطع يومياً. ويضيف: «حتى شراء الأدوات الكهربائية كهدايا انتهى».
على عكس ما كان متوقعاً، ساهم مضي حركة «حماس» في المصالحة بزيادة الوضع المعيشي تعقيداً، فقد أكملت وزارة المالية التابعة لرام الله إحالة الآلاف من موظفيها على التقاعد المبكر، فضلاً عن أن تسليم «حماس» معابر القطاع حرمها واردات مهمة، الأمر الذي انعكس على قدرتها على توفير الحد الأدنى من التزاماتها تجاه موظفيها (40% من الراتب).
بالعودة إلى حال الاستثمار الخاص، يقول أحد التجار، ويُدعى عبد الله جهاد، إن «اقتصاد غزة يقف على كومة من أوراق الشيكات»، شارحاً أنه من التجار الذين أعلنوا إفلاسهم أخيراً، إلى حد دفع بعضهم إلى إطلاق حملة «مسامحة» لكل المدينين لهم. يقول جهاد إن المشكلة مرتبطة أيضاً بـ«النشاط التجاري» في غزة القائم أساساً على نظام التقسيط والبيع المؤجل الدفع، وهو ما جعل التجار بعد التقلص المالي يكتشفون أنهم وزعوا بضائعهم دون تلقي سعرها كاملاً، في حين أن النسبة التي استطاع تحصيلها مبدئياً لا تتعدى سوى 20% نقداً من سعر البضاعة.
بذلك، أضحى أسلوب التقسيط، الذي كان يتوافق مع طبيعة الدخل المحدود لجل سكان القطاع، نقمة على التجار بعدما انعدم الهامش المالي لدى كل الموظفين. يكمل جهاد: «عندما حُسمت الرواتب مطلع أبريل (نيسان) طالت المدة التي كنا نتوقع فيها استرداد رأس المال والربح، وتعذرت نهائياً مع استمرار العقوبات، فوجد عدد كبير من التجار أنفسهم أمام المحاكم وفي مراكز الشرطة بسبب عدم قدرتهم على تسديد التزاماتهم»، لكن دون أن تسعهم السجون، أو تتخذ بحقهم عقوبات ما دام الكل واقعين في الحفرة نفسها!